الدولار يفقد 99 في المئة من قيمته مقابل الذهب منذ السبعينات

تأثير عملة البريكس الجديدة على الدولار لا يزال غير مؤكد، ومع ذلك إذا استقرت عملة البريكس الجديدة مقابل الدولار فقد يُضعف ذلك قوة العقوبات الأميركية المفروضة على دول المجموعة.
الجمعة 2025/09/19
سقوط حر

تم عقد اتفاقية بريتون وودز في عام 1944، وهو نظام نقدي عالمي تم إنشاؤه لتثبيت أسعار الصرف وتعزيز التجارة والاستقرار الاقتصادي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية. تضمنت الاتفاقية ربط العملات الوطنية بالدولار الأميركي، والذي كان مرتبطًا بدوره بالذهب بسعر 35 دولارًا للأونصة. واستمر هذا النظام حتى عام 1971 حين فكت الولايات المتحدة الارتباط، عندما أعلن الرئيس ريتشارد نيكسون أن الولايات المتحدة لن تبدل الذهب بالعملة الأميركية بعد الآن، فيما عُرف بصدمة نيكسون.

وبالتالي لم تعد قيمة الدولار الأميركي مرتبطة بالذهب، وأصبح على الاحتياطي الفيدرالي الحفاظ على قيمة العملة الأميركية. كما أصبح الدولار أول عملة احتياط في العالم دون منازع، ما جعل البنوك تتهافت على الدولار من أجل تكوين احتياطياتها، خاصة أن ودائعه كانت مستقرة مثل الذهب، إضافة إلى سهولة إدارتها. وقد أدى ذلك إلى انهيار نظام أسعار الصرف الثابتة، والانتقال نحو النظام الحالي لأسعار الصرف العائمة، وبالتالي هيمن الدولار على الأسواق العالمية.

في المقابل، وخلال الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي، تم التوقيع على اتفاقية واشنطن في 26 سبتمبر 1999، وكانت النسخة الثانية عام 2004 وتم تمديدها حتى عام 2009. اتفقت البنوك المركزية على أن يظل الذهب عنصرًا مهمًا في الاحتياطيات النقدية العالمية، وأن يُحدّ من مبيعاته إلى ما لا يزيد على 400 طن سنويًا على مدى السنوات الخمس من 1999 إلى سبتمبر 2004، أي ما يعادل 2000 طن، وذلك للحد من بيع البنوك المركزية كميات كبيرة من الذهب، خصوصًا بعدما أعلنت بريطانيا عن بيع 58 في المئة من احتياطياتها من الذهب عبر مزادات البنك الوطني السويسري، ما تسبب في توتر السوق. لذلك اعتُبرت اتفاقية واشنطن، على الأقل في أوروبا، بمثابة وضع حد أقصى للمبيعات الأوروبية، وكان الهدف ألا يُستخدم الذهب الرسمي في البنوك المركزية لأغراض المضاربة.

البريكس يحتوي على عمالقة الاقتصاد العالمي مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل، وقد يضعف ذلك هيمنة الولايات المتحدة على الأسواق العالمية، ويرجح كفة ميزان القوة المالية نحو الشرق

قيمة الدولار الأميركي مقابل الذهب انخفضت بنسبة 99 في المئة منذ فك ارتباطه عام 1971، عندما كان الدولار مسعَّرًا بـ35 دولارًا لكل أونصة من الذهب، فيما أصبح الدولار اليوم يساوي 3500 دولار لكل أونصة من الذهب.

للدولار رمزية تاريخية، إذ حل محل الجنيه الإسترليني بعد الحرب العالمية الأولى. ومنذ عام 1996 تفوق الذهب على الدولار في احتياطيات البنوك المركزية، وأصبح اليوم يمثل 27 في المئة من احتياطيات البنوك المركزية مقابل 23 في المئة للدولار الأميركي، ليشكلا معًا نصف الاحتياطيات، بينما تتوزع بقية النسبة على العملات الأخرى.

بعد حرب أوكرانيا اتجهت الصين إلى شراء الذهب هي وروسيا، وأُضيف إلى الاحتياطيات ألف طن، ليصل إجمالي احتياطيات الذهب في البنوك المركزية إلى نحو 36 ألف طن، بقيمة تصل إلى 4.5 تريليون دولار، فيما تبلغ قيمة السندات بالدولار 3.5 تريليون دولار. وتمتلك الولايات المتحدة أكبر احتياطي من الذهب بنحو 8133 طنًا، تليها ألمانيا بنحو 5300 طن، ثم إيطاليا بنحو 2450 طنًا، فالصين رابعًا بنحو 2300 طن، وكذلك فرنسا وروسيا. وتمتلك السعودية أكبر احتياطي عربي بنهاية 2024 بنحو 323.1 طنًا من الذهب، تليها لبنان بنحو 286.8 طنا، ثم الجزائر بنحو 173.6 طنا.

يأتي الذهب كجزء أساسي من الاحتياطيات، ويعكس أهميته كأصل استثماري آمن وذي سيولة، نظرًا لدوره في توفير الأمان والاستقرار المالي. وهذا ما يجعل البنوك المركزية تعتبر الذهب عنصرًا رئيسيًا في الاحتياطيات النقدية، لتنويع محافظها الاستثمارية بعيدًا عن العملات الورقية، ما يعزز دور الذهب كأصل مهم في هذا السياق، ويجعله محط اهتمام كبير في السياسات الاقتصادية الوطنية.

لا يزال تأثير عملة البريكس الجديدة على الدولار غير مؤكد حتى الآن، ومع ذلك إذا استقرت عملة البريكس الجديدة مقابل الدولار، فقد يُضعف ذلك قوة العقوبات الأميركية المفروضة على دول البريكس. وحتى الآن لا يوجد تاريخ محدد لإطلاق عملة البريكس باعتبارها عملة احتياطية عالمية جديدة، ودول المجموعة مستعدة للعمل بشكل مفتوح مع جميع شركاء التجارة العادلة، خصوصًا وأن هذه الدول تمثل أكثر من 40 في المئة من سكان العالم ومساحته أيضًا، ونحو ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتسيطر على 18 في المئة من التجارة العالمية.

تحتوي مجموعة البريكس على عمالقة الاقتصاد العالمي مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل، وقد يضعف ذلك هيمنة الولايات المتحدة على الأسواق العالمية، ويرجح كفة ميزان القوة المالية نحو الشرق. ليس هذا فحسب، بل بعد الحرب الروسية في أوكرانيا كثر الحديث عن تكوين نظام عالمي جديد، ومدى حاجة الدول إلى نظام اقتصادي أكثر توازنًا. كما ازداد الاهتمام العالمي بتحالف البريكس، خصوصًا بعدما كانت مجموعة السبع تستحوذ عام 1992 على 45.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقابل 16.7 في المئة لدول البريكس. لكن الوضع تغيّر في الوقت الحاضر، فأصبحت حصة البريكس 37.4 في المئة عام 2023 مقارنة بحصة مجموعة السبع البالغة 29.3 في المئة، أي أن الفجوة تتسع وستتسع لا محالة.

7