الهندسة الديموغرافية الإسرائيلية: هل الأردن هو الهدف النهائي
في صمت، تُرسم ملامح شرق أوسط جديد، تصبح فيه الهوية الفلسطينية على مفترق طرق: هل هي وطن أم مجرد رقم في سجلات إسرائيل؟ خطة وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، ليست مجرد مشروع إداري، بل هي هندسة ديموغرافية – قانونية تهدف إلى تحويل الفلسطينيين إلى “مقيمين غير شرعيين” على أرضهم، وإخراجهم من التاريخ القانوني والسياسي الذي عرفوه منذ عقود. ما يحدث ليس تطورًا عابرًا، بل زلزال هادئ يهدد الاستقرار الأردني، ويضع المنطقة أمام تحدٍّ لم تعرفه منذ توقيع اتفاقية وادي عربة.
تتضح الصورة بشكل لا لبس فيه: إسرائيل تستخدم القوة القانونية كسلاح لإعادة هندسة الحدود الداخلية، ليس فقط في الأرض، بل في الهوية والديموغرافيا. عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يحملون وثائق أردنية، من جوازات السفر المؤقتة إلى الأرقام الوطنية المؤقتة، يواجهون احتمال أن يُحرموا من الإقامة في أرضهم التاريخية، ويُدفعوا نحو الأردن، كما لو أن التاريخ يمكن تدويره بالقانون. كل خطوة من هذا المخطط تحمل في طياتها فرضية صدام محتمل مع الدولة الأردنية، التي قد ترى في ذلك تهديدًا وجوديًا، إذ أن حدودها الديموغرافية ستُختبر لأول مرة منذ توقيع معاهدة السلام.
المخطط الإسرائيلي لا يكتفي بإعادة رسم الخرائط، بل يعيد كتابة الهوية الفلسطينية نفسها. تصنيف الفلسطينيين كـ”مقيمين غير شرعيين” سيخلق سردًا جديدًا: الفلسطينيون بلا وطن، والأردن أمام خيار الاستيعاب أو الرفض، والمجتمع الدولي أمام امتحان قانوني وأخلاقي. ما يبدو للوهلة الأولى إجراءً إداريًا، هو في الواقع تجربة اختراق اجتماعي – سياسي، محاولة لتحويل المدنيين إلى أرقام، والعائلات إلى ملفات، لتصبح الهوية قابلة للإلغاء القانوني، كما تُلغى اتفاقيات تاريخية لم تعد تخدم إستراتيجية القوة.
◄ الصورة تتضح بشكل لا لبس فيه: إسرائيل تستخدم القوة القانونية كسلاح لإعادة هندسة الحدود الداخلية، ليس فقط في الأرض، بل في الهوية والديموغرافيا
على صعيد نظم العلاقات الدولية، تحمل الخطوة أبعادًا استثنائية: الأردن سيجد نفسه أمام اختبار دقيق، ليس فقط في إدارة الأزمة الإنسانية، بل في حماية سيادته ومصداقيته الدولية. المجتمع الدولي، المتفرج عادة، سيُختبر في مدى التزامه بالاتفاقيات الدولية وحقوق الإنسان، بينما قد تتصاعد التوترات الإقليمية في حال تم تحريك موجات اللجوء القسري نحو الضفة الشرقية. السيناريوهات الاستشرافية هنا لا تتوقف عند حدود القانون الدولي، بل تمتد إلى ديناميكيات القوة بين الدول، والتوازنات الدقيقة التي ظلت قائمة لعقود.
والأكثر إثارة للقلق أن هذا المخطط يمكن أن يفتح الباب أمام شرق أوسط خامس، حيث تُعاد كتابة الحدود السياسية والديموغرافية بالقوة التي يدّعي الكيان أنها قانونية، وتهديد الأردن بفقدان مئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين ليس مجرد فرضية، بل احتمال قائم، يُرسم على الورق ويُحضَّر للواقع. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل نحن على أبواب مرحلة جديدة تُعيد تشكيل المنطقة بالكامل، حيث يصبح سنّ القوانين الزائفة سلاحًا ضد السكان الأصليين، وتُستخدم الهوية أداة لإعادة التوزيع الديموغرافي؟
هذا المخطط ليس معزولًا، بل هو اختبار إستراتيجي شامل للأردن، وللفلسطينيين، وللمجتمع الدولي. الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي نقاط ضغط على الأرض، والملفات الورقية ليست مجرد أوراق، بل أدوات لإعادة تشكيل التاريخ. وكل خطوة هنا تحمل رسالة خفية: من يملك القوة، يملك الأرض، ومن يملك الأرض، يمكنه أن يعيد كتابة الهوية، وأن يحوّل الشعب إلى رقم، والرقم إلى قضية سياسية بلا مستقبل.