من القدس تبدأ النهايات… قراءة في كلمة الملك عبدالله الثاني
خطاب الملك عبدالله الثاني في الأمم المتحدة لم يكن مجرد خطاب سياسي، بل كشف للأبعاد الخفية للصراع على القدس، ودور الأردن كحارس غير قابل للتجاوز، ومدى تأثير الوصاية على خيوط اللعبة الإقليمية والدولية. ما لم يُكتب عنه أحد هو أن ما يحدث في القدس والمسجد الأقصى ليس نزاعًا ظاهرًا بين طرفين، بل اختبار لمراكز النفوذ العالمية، واحتكاك مستمر بين مصالح القوى الكبرى خلف الكواليس.
القدس والمسجد الأقصى ظهرا في الخطاب كمحور رمزي واستراتيجي يعكس شرعية النظام الدولي. أي اعتداء على الوصاية الأردنية أو أي محاولة لتقويض دورها لا يعني فقط تجاوز الأردن، بل اختراق لمنظومة القوة الخفية التي تحافظ على التوازن بين الشرق الأوسط والغرب. هذا ما قصده الملك ضمنيًا: القدس ليست مجرد مدينة، بل مركز ضغط على القوى الكبرى، اختبار لصدق مصالحهم وارتباطهم بالقيم التي يرفعونها شعارات.
الأردن، في هذا السياق، ليس مجرد دولة؛ إنه دولة عميقة تتحرك على مستويات تتجاوز السياسة التقليدية، تتحكم في الرمزية والإستراتيجية معًا. قوته ليست مادية فحسب، بل شرعية تاريخية ودينية تجعل أي تجاوز له محفوفًا بعواقب استراتيجية غير مرئية. في الغرف المغلقة للعواصم الكبرى، يُنظر إلى الأردن على أنه محور ضمير الشرق الأوسط، نقطة التوازن التي يمكن أن تنهار عليها كل المبادرات الدولية.
أي محاولة لتحويل القدس إلى أداة سياسية دون مراعاة الوصاية الأردنية تُعتبر محفوفة بالمخاطر لأنها تغير موازين القوة الرمزية وتعرض إستراتيجية الهيمنة الغربية على المنطقة للانكشاف والفشل
الخطاب كشف أيضًا عن ما يجول في أروقة القوى الكبرى: أوروبا وأميركا، وإسرائيل، وحتى بعض اللاعبين الإقليميين. أي محاولة لتحويل القدس إلى أداة سياسية دون مراعاة الوصاية الأردنية تُعتبر في حسابات هؤلاء محفوفة بالمخاطر، لأنها تغير موازين القوة الرمزية، وتعرض إستراتيجية الهيمنة الغربية على المنطقة للانكشاف والفشل المحتمل. الملك بهذا الأسلوب يجعل الجميع يدرك أن أي خطوة تجاه القدس هي اختبار للذكاء الاستراتيجي والقدرة على المراوغة السياسية، وأن الفشل فيها يكشف مدى هشاشة السيطرة التقليدية على الشرق الأوسط.
المقدسات ليست مجرد مواقع، بل مفاتيح إستراتيجية لا تُرى إلا من خلال التحليل العميق للمناورات السياسية. الأقصى هو مركز سلطة رمزي حقيقي، ومن يتجاهل هذا الدور، حتى ضمن غرف القرار الأكثر سرية، يضع نفسه في مواجهة نظام قوة خفي يتحكم بالنتائج بعيدًا عن الإعلام والسياسة الظاهرية.
الرسالة الخفية التي أراد الملك إيصالها هي أن الوصاية الأردنية ليست مسألة رمزية، بل أداة إستراتيجية حقيقية، تتحكم بخيوط اللعبة السياسية على أكثر من مستوى. أي تخطي لهذا الدور يعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة بأكملها، ويضع الغرب أمام امتحان صعب: هل يستطيع الالتزام بالشرعية الرمزية، أم أنه مجرد لاعب في لعبة تُدار خلف الستار؟
خطاب الملك هنا هو بمثابة كشف خريطة القوى غير المرئية: القدس هي محور اختبار، الأردن هو محور قوة حقيقي، والغرف السرية في العواصم الكبرى تدور فيها المداولات حول مدى احترام هذا الواقع. أي تجاهل لهذه المعادلة سيؤدي إلى إعادة ترتيب النفوذ، وخلق فجوات إستراتيجية لا يمكن التعويض عنها بسهولة.