هل انتهت الحرب في غزة

رغم الاتفاقات والوساطات يبقى الهدف الإسرائيلي المعلن هو القضاء على حماس ونزع سلاحها وهو مطلب كفيل بإعادة الحرب إلى غزة مرة أخرى، بدلًا من تثبيت أي سلام دائم.
الخميس 2025/10/23
غزة بين أنقاض الحرب ووعود الإعمار

قد تبدو كتابة المقال المعنون أعلاه متأخرة بعض الشيء، لكن الدافع هو ما جرى قبل يومين حين دارت معارك طاحنة بين إسرائيل وحماس، راح ضحيتها اثنان من جنود الاحتلال الإسرائيلي، وسقط عشرات الشهداء من المدنيين في القطاع. وجاء هذا الخرق بعدما تدخلت إسرائيل لنجدة ياسر أبو شباب في رفح، لكن سرعان ما تم وضع حد لخرق الاتفاق بين الطرفين بضغط من واشنطن وتدخل الوسطاء.

هنالك نقاط كثيرة في خطة ترامب كفيلة بنسف الاتفاق الموقع بين الطرفين، أهم هذه النقاط “الخط الأصفر” وغيره من الخطوط المفصلة في الخريطة، وهي عبارة عن محددات لانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع. هنا لا بد من العودة إلى الوراء، إلى اتفاق أوسلو قبل ثلاثة عقود من الزمن، عام 1993، حيث وقع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وجاء في الاتفاق أنه بعد خمسة أعوام سيتم التباحث في القضايا الجوهرية: اللاجئون، القدس الشرقية، والحدود. رفض الرئيس الراحل ياسر عرفات التراجع عن الترتيبات الشرعية التي نص عليها القرار 242، فقد اعتبر أنه، باتفاقيات أوسلو عام 1993، قدم الفلسطينيون ما يكفي من التسويات بقبولهم ما نسبته 22% من فلسطين التاريخية، أي الضفة الغربية وقطاع غزة. ورفض الرئيس عرفات التخلي عن أراضٍ جديدة للمستوطنات التي كثفت إسرائيل إقامتها ضاربة بالقوانين الدولية عرض الحائط. كما رفض اقتراحات كلينتون، الذي قال إنه يحاول من خلالها تقريب وجهات نظر الطرفين. وادعى باراك وقتها، خلال محادثة مع كلينتون في نهاية القمة، أنه “ليس هناك رئيس حكومة إسرائيلي مستعد للذهاب بعيدًا إلى هذه الدرجة من أجل فحص إمكانية التوصل لاتفاق، وليس مؤكدًا أنه سيكون اتفاقًا في المستقبل. وتوجد أمور لن أنفذها لأنها تتناقض مع المصالح الحيوية الإسرائيلية”.

اليوم، وبعد الاتفاق الذي أُبرم مؤخرًا بين حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، تحاول إسرائيل، المتمثلة بالمكون اليميني المتطرف، نسف الاتفاق بأي وسيلة كانت. مصير نتنياهو المتعطش للسلطة يكمن في التنصل من الخطة وما تم الاتفاق عليه. وكما سُطّر في متن هذه المقالة، فإن الخطوط التي رُسمت لطريقة انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع قد تستغرق وقتًا حتى يكتمل الانسحاب الإسرائيلي منها بشكل كامل. ولكن الأهم هو التوجه العام في إسرائيل، سواء اليسار أو اليمين الديني أو اليمين العلماني، وهو القضاء على حماس ونزع سلاحها، فهذا بحد ذاته مطلب كفيل بإعادة الحرب في القطاع مرة أخرى.

اتفاق أوسلو عام 1993 منح الفلسطينيين 22% فقط من أرضهم التاريخية لكن إسرائيل كثفت الاستيطان وضربت القوانين الدولية عرض الحائط فيما رفض ياسر عرفات التنازل عن القدس واللاجئين

ما زال الرئيس الأميركي دونالد ترامب ينظر إلى غزة على أنها وجهة استثمار له، وقد صرح مجددًا بأن هناك مساحات كبيرة في مصر والأردن تستوعب الفلسطينيين لكي يقيموا فيها، وأن غزة أصبحت مكانًا غير آمن لكي يعيش فيه الغزيون. وفعلاً، نجد أن حجم الدمار الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية معضلة لا تُحل في يوم وليلة. فعلى الصعيد الزمني يحتاج إعادة الإعمار إلى سنوات طويلة حتى تعود غزة كما كانت، والأهم هو الدعم المالي الذي يُقدّر حتى اللحظة بـ80 مليار دولار، وهذا المبلغ جمعه ليس سهلًا. إذن، ثمة عراقيل موجودة بشكل فعلي تحول دون ترتيب الوضع الإنساني في غزة، منها تلكؤ الولايات المتحدة الأميركية في وضع جدول زمني في حال تم الانسحاب الكلي من غزة لإعادة الإعمار.

الحقيقة أن وضع غزة ضبابي، وأطماع ترامب في غزة لن يتنازل عنها، وهو ماضٍ في تنفيذ مشروعه هناك. فأصبحت غزة اليوم ليست عنوانًا لإحلال السلام ووضع حد للحرب بشكل كلي. قد تنتهي الحرب بمعنى الحرب والإبادة كما شاهدنا خلال العامين المنصرمين، لكن ستبقى الخروقات الإسرائيلية سيدة الموقف، ومن شأن ذلك أن تبقى غزة منطقة غير مستقرة أمنيًا واقتصاديًا، بما يزيد سوء الوضع الإنساني أكثر.

هنالك العديد من مقترحات الاستثمار المدروسة وأفكار التنمية التي صاغتها مجموعات دولية حسنة النية، ستؤخذ في الاعتبار لدمج أطر الأمن والحكم لجذب هذه الاستثمارات وتسهيلها، والتي ستخلق وظائف وفرصًا وأملًا لمستقبل غزة. فأي مستقبل ينتظر غزة؟ هنالك من يقول إنه يجزم بمستقبل مشرق، لكن غزة تبقى وجهة نظر. هناك كثير من الخلافات التي تطفو على السطح، وردت في خطة ترامب: سحب سلاح حماس، واليوم التالي الذي تغيب فيه حماس كليًا عن المشهد، وخروج قياداتها من القطاع. هذه النقاط المهمة قد تستغرق وقتًا حتى يتم التفاوض عليها والبت بها بشكل كلي. فرغم ما صرحت به القناة الثانية الإسرائيلية من أن حركة حماس تشارك سرًا في تشكيل حكومة تكنوقراطية لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، فإن صح هذا الخبر وفي حال تنفيذه، يبقى برميل بارود قد ينفجر في أي لحظة.

6