من يفوز بسباق الذكاء الاصطناعي

ترامب يعلنها صراحة: إلغاء القيود والتواصل العالمي مفتاح هزيمة المنافسين.
الجمعة 2025/10/17
ترامب عازم على كسب السباق

في خضم سباق عالمي محموم على الذكاء الاصطناعي، تتسابق القوى الكبرى لترسيخ نفوذها الرقمي. وبينما تراهن واشنطن على رفع القيود، تواصل بكين وأوروبا وتايوان رسم إستراتيجياتها الخاصة، في معركة تحدد ملامح المستقبل التكنولوجي والسياسي للبشرية.

واشنطن - سباق الذكاء الاصطناعي  أكثر من مجرد منافسة تقنية وهو ما جاء على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب صراحة معلنا أن “إلغاء القيود والتواصل العالمي هما المفتاح لهزيمة المنافسين،” مشيراً إلى الصين وأوروبا كأبرز التحديات. هذا التصريح، الذي جاء في سياق خطاب بعنوان “Winning the AI Race”، يعكس تحولاً جذرياً في السياسة الأميركية نحو تحرير القطاع الخاص من البيروقراطية، لكن هل يكفي ذلك لضمان الفوز في سباق يشهد استثمارات هائلة من المنافسين؟

ومنذ تولي ترامب منصبه في ولايته الثانية، سارع إلى إلغاء الأوامر التنفيذية لإدارة جو بايدن التي كانت تركز على “الاستخدام الآمن والمسؤول” للذكاء الاصطناعي. وقد وقّع أمراً تنفيذياً جديداً بعنوان “إزالة الحواجز أمام القيادة الأميركية في الذكاء الاصطناعي،” يهدف إلى تسريع الابتكار من خلال إزالة اللوائح التنظيمية التي يراها “تكبل الابتكار الأميركي.” ففي يوليو 2025، أصدر البيت الأبيض “خطة عمل أميركا للذكاء الاصطناعي،” التي تضم أكثر من 90 إجراءً اتحادياً عبر ثلاثة أعمدة: تسريع الابتكار، بناء البنية التحتية، وتعزيز السيطرة العالمية. وتشمل الخطة حظر التمويل الفيدرالي للولايات التي تفرض لوائح صارمة على الذكاء الاصطناعي، ودفع لجنة الاتصالات الفيدرالية لمراجعة تعارض هذه اللوائح مع التفويضات الاتحادية. كما تؤكد على تصدير التكنولوجيا الأميركية من خلال “حزم نشر شاملة” لحلفاء واشنطن، وزيادة استخدام الذكاء الاصطناعي في البنتاغون، مع التركيز على تسريع تصاريح مراكز البيانات.

الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي ليس لدولة واحدة. أميركا تمتلك السرعة، الصين الموارد، أوروبا الأخلاقيات وتايوان الرقائق

وتراهن الولايات المتحدة على قوتها التقليدية في شركات التكنولوجيا العملاقة مثل مايكروسوفت، غوغل، ميتا، وأمازون، إلى جانب شبكة جامعات ومراكز أبحاث. ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن القرارات الجديدة قد تفتح الباب أمام مخاطر مثل انتهاك الخصوصية، التلاعب بالمعلومات، والاستخدام العسكري غير المنضبط. ويرى المؤيدون أن هذا النهج يمنح أميركا ميزة تنافسية، مستشهدين بتاريخ وادي السيليكون الذي ازدهر في بيئة مفتوحة. لكن المعارضين يشيرون إلى أن السباق ليس بالسرعة وحدها، بل بالقدرة على بناء ثقة مجتمعية ودولية. كما أن الخطة تثير مخاوف في الجنوب العالمي، حيث قد تتجاهل احتياجات الدول النامية.

في المقابل، تتقدم الصين بخطى متسارعة. ففي 2025، أطلقت بكين “مبادرة AI+” لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية، مدعومة بصندوق استثمار وطني لصناعة الذكاء الاصطناعي. فخطة “صنع في الصين 2025” تركز على الاكتفاء الذاتي في الرقائق والنماذج الكبيرة، مع استثمارات تصل إلى مئات المليارات لإضافة 600 مليار دولار سنوياً إلى الاقتصاد بحلول 2030. والصين تمتلك أكثر من 5000 شركة ذكاء اصطناعي، وتستفيد من ثقافة الابتكار السريع والتنسيق الحكومي. ومع ذلك، تواجه تحديات من عقوبات أميركية على الرقائق، ما يدفعها نحو الابتكار المحلي.

أما أوروبا، فتركز على “الذكاء الاصطناعي الأخلاقي” من خلال قانون الذكاء الاصطناعي (AI Act) الذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس 2024، مع تطبيق كامل في 2025. ويحظر النظم ذات المخاطر العالية ويفرض إرشادات صارمة لحماية الخصوصية والحقوق، مع إصدار إرشادات للنماذج العامة في يوليو 2025. فهذا النهج يهدف إلى بناء ثقة، لكنه يُتهم بإبطاء الابتكار مقارنة بالسرعة الأميركية أو الصينية.

في عالم منقسم رقمياً قد يفوز الجميع أو يخسر الجميع
في عالم منقسم رقمياً قد يفوز الجميع أو يخسر الجميع

تايوان، كلاعب رئيسي في أشباه الموصلات، أعلنت في يوليو 2025 عن “عشرة مشاريع بنية تحتية كبرى للذكاء الاصطناعي” بقيمة 510 مليارات دولار بحلول 2040، تركز على الفوتونيات السيليكونية، الحوسبة الكمومية، والروبوتات. والحكومة تستثمر 3 مليارات دولار في رأس المال الاستثماري لجذب المواهب، مستهدفة 500 ألف وظيفة وثلاثة مختبرات عالمية. وهذا يعزز دور تايوان كـ”جزيرة التكنولوجيا الذكية.”

على منصة إكس، يناقش المستخدمون مخاطر تخفيف القيود الحكومية، مثل زيادة الطلب على الطاقة وفقدان السباق للصين إذا فشلت السياسات المتجددة. وآخرون يرون في خطة ترامب فرصة للفوز، مع دعم من شخصيات مثل غاري شابيرو. لكن بعض التغريدات تحذر من أن التركيز على “أميركا أولاً” قد يؤدي إلى ديون هائلة للشركات الكبرى.

في النهاية، الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي ليس لدولة واحدة. أميركا تمتلك السرعة، الصين الموارد، أوروبا الأخلاقيات، وتايوان الخبرة في الرقائق. والرهان الحقيقي هو على التوازن بين الابتكار والمسؤولية، لئلا يتحول الذكاء الاصطناعي إلى سلاح هيمنة بدلاً من أداة نهضة. وإذا نجحت سياسة ترامب في جذب الحلفاء دون إهمال المخاطر، قد تتقدم واشنطن؛ وإلا، قد يفوز الجميع أو يخسر الجميع في عالم منقسم رقمياً.

10