قطر تحت الضغط.. لعبة إسرائيل الكبرى

غزة لم تعد وحدها مسرحاً بل الدوحة وبيروت ودمشق وصنعاء وربما غداً عواصم أخرى. السؤال لم يعد من يقاتل إسرائيل بل من لم يدخل بعد في فضائها الناري؟
الجمعة 2025/09/12
حرب بلا توقيت، بلا حدود، وبلا مسؤولية

الصواريخ والاغتيالات لم تعد أدوات لردع خصم، بل تحوّلت إلى إعلان صريح بأن الجغرافيا كلها باتت متاحة للنار. إن كل انفجار في غزة، وكل عملية في بيروت، وكل ارتجاج يُسمع صداه في الدوحة، ليس سوى إشارة على ولادة حرب جديدة: حرب بلا جبهات، بلا خطوط، وبلا نهاية. إنها ليست حرباً دفاعية، بل هندسة كبرى لإغراق الشرق الأوسط في دوامة لا فكاك منها.

إسرائيل تدرك أن هشاشتها ليست على الحدود، بل في الداخل. الأزمات الاجتماعية التي تنهش بنيتها، والانقسامات العميقة التي تشطر مجتمعها، تهددها أكثر من أعدائها التقليديين. لكن بدل أن تواجه هذا التآكل الذاتي، اختارت إستراتيجية أشد جهنمية: تصدير الانهيار، أن تتفكك هي داخل انهيار إقليمي أشمل، بحيث يضيع سقوطها الخاص في سقوط الجميع. إنها فلسفة البقاء عبر الإغراق، وكأنها تقول “لن أسقط وحدي، بل سأجعل سقوط الشرق كله هو غطائي.”

في قلب هذه الإستراتيجية، ظهرت قطر كمحور مزدوج: موقع تفاوضي وهدف محتمل في الوقت ذاته. الضربة الأخيرة، التي أحدثت موجة من الدهشة والقلق، لم تكن مجرد عمل عسكري عابر، بل رسالة واضحة: كل خطوة لحماس خارج سياق القبول بالشروط الإسرائيلية ستكون مكلفة. ما حدث في الدوحة يقرأ كحركة ضغط منهجية، صاغتها إسرائيل بدقة، بحيث يظهر للوفد المفاوض أن أيّ مقاومة أو تأخير لن يمر دون رد فعل مباشر.

العواصم الكبرى يمكنها أن تختار المشاهدة، أو أن تصبح شهوداً على تحلل الشرق كله، فهل أنتم صناع النظام، أم مجرد مراقبين على نهايته؟

وفي الوقت ذاته، لا يُفهم من الحدث أنه انتهاك كامل للسيادة، بل اختبار لنقاط التوازن، وموازنة بين حماية الفاعلين الدوليين والحفاظ على مرونة سياسية تمكّن إسرائيل من الضغط بلا فقدان الدعم أو الخطر الدبلوماسي. هذه العملية تكشف عن براعة تكتيكية: استخدام أراضي دولة صديقة جزئياً كأداة ضغط، وإرسال رسالة مزدوجة لكل الأطراف، للحركة الفلسطينية بأن المفاوضات تحمل ثمناً، وللدولة المضيفة بأن دورها الإستراتيجي محمي لكنه محدد.

هكذا يتجاوز مشروع إسرائيل حدود المواجهة العسكرية إلى إعادة صياغة النظام الإقليمي. فهي لم تعد تسعى إلى تحييد حركة أو دولة بعينها، بل إلى إعادة رسم الخريطة الرمزية والسياسية للعالم العربي. الاغتيالات التي تعبر الحدود، والضربات التي تنطلق خارج المجال الجغرافي المباشر، ليست تكتيكات منفصلة بل خيوط في شبكة واحدة: مشروع حرب بلا وطن محدد، حرب تجعل من أيّ مكان هدفاً مشروعاً، ومن أيّ سيادة قيدًا مؤقتًا.

هذا التحول يغيّر معنى “المركز” و”الهامش” في المنطقة. فبدل أن تبقى المعارك محصورة في نطاق جغرافي ضيق، تتحول المدن والدول إلى مربعات إضافية على رقعة شطرنج مفتوحة. لم تعد غزة وحدها مسرحاً، بل الدوحة وبيروت ودمشق وصنعاء، وربما غداً عواصم أخرى. السؤال لم يعد: من يقاتل إسرائيل؟ بل: من لم يدخل بعد في فضائها الناري؟

وما يجب أن يقلق العواصم الكبرى ليس مجرد عدوانية إسرائيل، بل منطق الحرب الذي تحاول فرضه: حرب بلا توقيت، بلا حدود، بلا مسؤولية. إنها محاولة لاحتكار تعريف الأمن في المنطقة، وتحويل كل دولة إلى تابع لمنطق البقاء الإسرائيلي. بهذا، تتحول إسرائيل من كيان يبحث عن شرعية في محيطه، إلى كيان لا يعترف إلا بشرعية الخراب.

يطل السؤال الذي لا مفر منه: إذا كانت إسرائيل قد قررت أن توسّع الحرب إلى حيث تشاء، فمن الذي يضع لها سقفًا؟ هل ستبقى المنطقة رهينة في مسرح تصنعه يد واحدة، أم أن هناك قوة تستطيع أن تعيد للتاريخ منطقه، قبل أن يتحوّل الشرق كله إلى خراب بلا تاريخ؟

العواصم الكبرى يمكنها أن تختار المشاهدة، أو أن تصبح شهوداً على تحلل الشرق كله، فهل أنتم صناع النظام، أم مجرد مراقبين على نهايته؟

8