غزة.. الورقة الجيوسياسية التي تهز الشرق الأوسط
كما حذّر الملك عبدالله الثاني، فإن الانكسارات الإنسانية تتحول إلى أزمات سياسية تهدد استقرار الإقليم بأسره. غزة اليوم ليست مجرد مأساة إنسانية، بل تحوّلت إلى ورقة جيوسياسية حقيقية. إسرائيل، التي اختارت جعل الحصار أداة للردع، وتواصل خياراتها العسكرية المكثفة، تجد نفسها عاجزة عن إنتاج رواية سياسية مقنعة، فيما يتحول الفلسطينيون من ضحايا معزولين إلى صوت أخلاقي عالمي يفضح عجز القانون الدولي وصمت الغرب، الذي تغذّيه حسابات جيوسياسية قصيرة النظر، ورواسب تاريخية من الذنب والخوف من عدم الاستقرار.
ليست غزة مجرد مدينة محاصرة، بل مختبر للإستراتيجية المستقبلية للشرق الأوسط. تُصاغ هنا ذاكرة تأسيسية فلسطينية قد تعادل في رمزيتها ما شكّلته “المحرقة” لليهود، إذ تتحول المجاعة من أداة قمع إلى ورقة ضغط دبلوماسية استثنائية ومنصة إستراتيجية. كل طفل جائع، وكل أسرة محرومة، وكل صورة تُسجّل، تحوّل الحصار إلى أداة لإعادة تعريف القوة الرمزية، وتكشف محدودية القوة العسكرية في رسم المصير السياسي.
◄ إسرائيل التي اختارت جعل الحصار أداة للردع وتواصل خياراتها العسكرية عاجزة عن إنتاج رواية سياسية مقنعة فيما يتحول الفلسطينيون من ضحايا معزولين إلى صوت أخلاقي يفضح عجز القانون الدولي
المؤسسات الدولية تواجه اختبارًا أخلاقيًا وسياسيًا صارخًا. أوروبا، التي طالما ترددت بين حماية أمن إسرائيل وحقوق الفلسطينيين، بات عليها إدراك أن الصمت لم يعد خيارًا، وأن التدخل لم يعد مجرد عمل إنساني، بل ضرورة للحفاظ على مصداقية النظام الدولي. واشنطن، بدورها، تواجه معضلة مزدوجة بين الولاء لتل أبيب وضرورة الحفاظ على النفوذ والشرعية، ما يجعل غزة ورقة جيوسياسية محورية على الطاولة العالمية.
غزة ليست مجرد جغرافيا محاصرة، بل حالة اختبار للشرعية العـالمية، وسـلاح رمـزي قـادر على قلب موازين القوى. لكل من يظن أن القوة العسكرية وحدها تكفي للسيطرة على التاريخ، عليه أن يعيد حساباته.
السؤال الإستراتيجي يبقى مفتوحًا: هل سيظل العالم متفرجًا حتى تتحول غزة من ورقة ضغط إلى شعلة تحرق استقرار الإقليم بأسره؟ أم أنها ستصبح حجر الزاوية لشرق أوسط جديد تُحترم فيه إنسانية الإنسان فوق حسابات القوة؟
اقرأ أيضا:
• التحالف السعودي - المصري: إستراتيجية ردع في وجه التعنت الإسرائيلي