شكل الدولة السورية لا يُحسم عبر تفاهمات فئوية
أثار مؤتمر الحسكة في 8 أغسطس الجاري في شمال شرق سوريا ردود فعل واسعة، حيث مثَّل تحالفاً هشاً ضم أطرافاً متضررة من انتصارات الشعب السوري. هذا المؤتمر جاء تجسيداً لقوة الأمر الواقع، حيث ضم جماعات ترفض ثوابت الدولة القائمة على جيش واحد وحكومة واحدة وبلد واحد.
هذا المؤتمر لا يمثل إطاراً وطنياً جامعاً، في حين أن المشروع الوطني يلتزم بوحدة سوريا أرضاً وشعباً وسيادةً. إنها محاولة لتدويل الشأن السوري وجلب التدخلات الخارجية التي تهدف إلى إبقاء سوريا في حالة من الانهيار أو الاشتعال، إذ تعتبر بعض الدول الإقليمية أن وحدة سوريا تهدد مصالحها حاضراً أو مستقبلاً. باستثناء تركيا، التي ترى في وحدة سوريا مصلحة لها، خاصة أنها متضررة من وجود “قسد”، وتعارض منحها حكماً ذاتياً قد يدفع أكراد تركيا إلى المطالبة بحقوق مماثلة، بعد اتفاق نزع السلاح معهم والخروج من جبال قنديل.
شكَّل هذا المؤتمر ضربةً لجهود التفاوض الجارية، حيث تتجنب “قسد” تنفيذ اتفاق 10 مارس 2025 الخاص بتشكيل نواة جيش وطني موحد وإعادة تعديل التقسيمات الإدارية. الغريب أن “مظلوم عبدي” يتحدث في القنوات العربية عن سوريا الموحدة والجيش الموحد، بينما يروّج في القنوات الكردية لفكرة اللامركزية السياسية، ويحذّر في المنصات الغربية من خطر الإرهاب ومظلومية الأقليات. فالحكومة السورية الجديدة لا تعير اهتماماً لهذه التصريحات المتناقضة، لكنها ترفض المشاركة في أيّ اجتماعات مقررة في باريس، ولن تجلس إلى طاولة مفاوضات مع أيّ طرف يسعى لإحياء النظام القديم تحت أيّ مسمى، أو يعتمد على القوة العسكرية في الحوار السوري – السوري. بل إنها تطالب بنقل جميع المفاوضات إلى دمشق، باعتبارها العنوان الشرعي والوطني للحوار بين السوريين.
◄ مؤتمر الحسكة محاولة لتدويل الشأن السوري وجلب التدخلات الخارجية التي تهدف إلى إبقاء سوريا في حالة من الانهيار أو الاشتعال
شكل الدولة لا يُحسم عبر تفاهمات فئوية، بل عبر دستور دائم يُقرّ عبر استفتاء شعبي يضمن مشاركة جميع المواطنين، بدلاً من احتكار فئات انفصالية لمشروع الدولة. كما ترفض الحكومة السورية الجديدة، بدعم إقليمي ودولي، الترويج للامركزية السياسية التي تقوّض سلطة الحكومة الوطنية، بينما تؤيد اللامركزية الإدارية التي تعني توزيع الصلاحيات بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية.
ترى الحكومة السورية أن مؤتمر الحسكة تحالف هش لا يمثل إطاراً وطنياً شاملاً، بل يستثني أطرافاً أخرى ويُضعفها. الأخطر من ذلك أنه يحاول فرض تمثيل المجتمع بقوة السلاح والأمر الواقع، في حين ترفض غالبية مكونات الشعب هذا المؤتمر أو تمثيلها فيه. يعتمد منظمو المؤتمر على دعم خارجي ويهربون من استحقاقات الواقع والمستقبل، ويقلقهم تدفق الاستثمارات السعودية والإماراتية والقطرية وغيرها إلى سوريا الجديدة، والتي تسهم في نقلها إلى مصاف الدول القوية. يعتبرون ذلك تهميشاً لدورهم الذي كانوا يأملون في تحقيقه تحت حكومة أحمد الشرع، التي ورثت أوضاعاً صعبةً لكنها تمكّنت بدعم إقليمي ودولي من انتشال سوريا من الفراغ والتهميش.
لا يمكن لجماعات فئوية أن تفرض رؤيتها على شكل الدولة السورية، أو أن تدوِّل الشأن السوري لتجلب عقوبات دولية، خاصة بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته إلى الرياض ولقائه الرئيس أحمد الشرع برفع العقوبات عن سوريا. إن شكل الدولة السورية يتحدد بمشاركة جميع المواطنين على قدم المساواة، ويحق لأيّ فرد أو جماعة طرح رؤاها، ولكن عبر الحوار العام وصناديق الاقتراع، وليس بالاستقواء بالسلاح أو بالخارج، فهذا النهج مرفوض ويؤدي إلى صدام مسلح. يأتي هذا في وقت تتخذ فيه الدول الإقليمية والدولية قراراً بنزع أسلحة الميليشيات في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، ولن تسمح هذه الدول بشرعنة أيّ مليشيات مسلحة في سوريا الجديدة.