استهداف المؤسسة الملكية في المغرب: انحدار بلا مكابح نحو الهزيمة والتشظي
في تاريخنا الحديث عشنا كمغاربة مفهوم التعبئة الشاملة للشعب المغربي بطلب من المؤسسة الملكية في المسيرة الخضراء عندما خاطب الملك الراحل الحسن الثاني شعبه بضرورة الالتفاف حول مقدساته الوطنية وتنظيم مسيرة شعبية لتحرير أرضه من الاستعمار الإسباني لوأد مؤامرة تقسيم المغرب وفصل أقاليمه الجنوبية عن الوطن، الشعب المغربي بشكل تلقائي لبى النداء وكانت ملحمة المسيرة الخضراء وعودة الأقاليم الجنوبية إلى حوزة الوطن.
المسيرة الخضراء بفلسفتها الوحدوية واكبتها عملية توحيد للجبهة الداخلية، والتي عرفت في الأدبيات السياسية المغربية بـ“الإجماع الوطني” عندما تركت الأحزاب الوطنية (أجدد الأحزاب الوطنية) خلافاتها جانبا مع الراحل الحسن الثاني وانخرطت في معركة التحرير؛ توحيد الجبهة الداخلية كان سندا كبيرا للمغرب الجديد بعد 1975 للصمود ضد مخطط إسقاط الدولة بإدخالها في مؤامرة حرب استنزاف في الصحراء المقدسة والانتصار فيها رغم التحديات الداخلية المزمنة، بل استطاع المغرب بحكمة مبدع المسيرة وبروح فلسفتها أن يكمل مشروع الأمن المائي عبر إستراتيجية السدود التي بها يضمن المغرب اليوم الأمن المائي وجزءا كبيرا من أمنه الغذائي في سنة 2025.
اليوم توضح بالملموس وبشكل مفضوح أن الدوائر الدولية المعادية للمغرب تصر على استحضار معاني الاستعمار والتبعية وتحاول استهداف الأمن القومي للمغرب واستقراره مستخدمة بعض الوجوه من معارضة اليوتيوب ومجموعة من العملاء في الداخل من تجار الأزمات ومتلاشيات الفكر العدمي التيئيسي.
◄ المغرب ومعه العالم يمران بمرحلة انتقالية دقيقة وفترة محاطة بأزمة اقتصادية بتداعياتها الاجتماعية المتناثرة على مختلف القطاعات الحيوية، وتحديات جيوسياسية معقدة بحكم حجم تفاقم الانتظارات المجتمعية والتحديات الاقتصادية
استقرار الدولة المغربية ونجاح المحطات السياسية الداخلية وإسقاط بقايا الخريف العربي بشكل شعبي وديمقراطي أربك حسابات الخصوم، استهداف الرباط العاصمة اليوم صار غاية تجمع أطرافا دولية عديدة على اختلاف مصالحها، يظنون أن محاولة إشعال بؤر احتجاجية اجتماعية أو استخدام حملات إلكترونية منظمة ونشر أخبار زائفة أو تقارير حقوقية مفبركة سيعيد الروح إلى توازنات ما يسمى بالخريف العربي لإعادة رسم الخارطة الإقليمية وفق أهوائهم ومصالحهم.
حسابات خبراء “الجيل الرابع للحروب” في “المختبرات السياسية” كانت خاطئة، المايسترو المغربي يراقص الأفاعي في لعبة إستراتيجية دقيقة ومعركة تكسير العظام بدأت وبشراسة ضد المملكة المغربية، الأعداء في الداخل والخارج مصرون على عدم السماح للمغرب بالسير قدما في مسار التنمية، معارك دبلوماسية طاحنة يخوضها رجالات المغرب بمختلف العواصم المؤثرة في القرار العالمي حفاظا على مصالح الشعب المغربي العليا بهدف تضييق الخناق وضبط رقعة الشطرنج التي يتحرك فيها المرتزقة وعملاؤهم، المغرب مسلحا بعدالة الموقف المغربي وصوابية قراراته وبدبلوماسية الصمت الإستراتيجي والثبات الانفعالي والرد المناسب في الزمان المناسب والمكان المناسب أربك الجميع، لأنه يقدم صورة لدولة بمؤسسات قوية ذات أمن سيادي راسخ بظهير شعبي متماسك ويقودها ملك حكيم مؤمن بعدالة القضية وفق نسيج مجتمعي يصعب اختراقه، مما يجعل محاولات الاختراق والتسلل والبروباغندا التي يشنها الخصوم مصيرها الفشل.
لعبة التوقيت مهمة جدا، والمغرب دقق ساعته الدبلوماسية على الزمن السياسي للعاصمة الرباط. والتمكن من المعلومة الدقيقة واستخدامها مكّناه من وضع خط أحمر مغربي صارم بمبدأ واحد هو الموقف الواضح الصريح غير القابل للتأويل من الوحدة الترابية للمملكة ثم إرساء قواعد الاشتباك وفق مصالح المغرب العليا، اليوم مع النجاحات السيادية التي حققها المغرب في ملف الوحدة الترابية وتمدد الدبلوماسية المغربية متعددة الأطراف خدمة لمصالح الشعوب وفق مبدأ رابح/رابح قد ارتفعت وتيرة الهجوم واستخدام حملات التشكيك والتشهير ونشر خطاب التيئيس والعدمية للتأثير على الروح الوطنية واختراق الشعور القومي للمغاربة.
آخر هذه المحاولات، التي اتسمت بفظاظة بالغة وخبث مكشوف وبأسلوب وضيع، هي محاولة المساس بالرمزية الوطنية للمؤسسة الملكية. هذه الأفعال لا تعدو كونها دليلاً صارخًا على إفلاس الأجندات المعادية ويأسها، حيث تكشف عن جهل عميق وسوء تقدير فادح لطبيعة العلاقة الفريدة والراسخة بين العرش العلوي والشعب المغربي، والتي تقوم على الولاء و الإخلاص. حيث تُعدّ هذه العلاقة، التي يمتد عمقها إلى قرون من التاريخ المشترك، حجر الزاوية في بناء الهوية الوطنية، فهي ليست مجرد رابط سياسي، بل هي نسيج اجتماعي وثقافي متجذر ويمثل ركيزة أساسية في بناء الوعي الجمعي للأمة المغربية. وكل محاولة لزعزعة هذه الركيزة مصيرها الفشل الذريع، لأنها تصطدم بحائط من التلاحم والوفاء الذي أثبت عبر التاريخ قدرته على تجاوز كل الأزمات والتحديات.
هذه الأجندات، ببساطتها الفجة، تفشل في استيعاب أن ملك المغرب ليس فقط شخصية سياسية أو منصبا دستوريا، بل هو تجسيد حي لسيادة الأمة المغربية بتاريخها المجيد واستمراريتها واستقرارها، فهذا الارتباط يمتد إلى البيعة الشرعية التي تربط بين ملك المغرب، بصفته أمير المؤمنين، والشعب، مما يمنح الملكية الشرعية التاريخية والدينية التي لا تقتصر على الجانب السياسي فقط. هذا البُعد جعل المؤسسة الملكية المحور الذي تدور حوله تطلعات الشعب المغربي. وفي ظل التحولات الحديثة أصبحت المؤسسة الملكية أيضًا المرجعية التحكيمية العليا التي تضمن التوازن بين السلطات وتحمي المكتسبات، كما أنها محرك أساسي للتنمية، وعدم فهم هذه الأبعاد المتشابكة هو ما يدفع الأجندات المعادية إلى ارتكاب أخطائها الفادحة، فهي تتعامل مع المؤسسة الملكية كأداة سياسية قابلة للزعزعة، بينما هي في الحقيقة أيقونة وطنية ومكون أساسي في تشكيل هوية الأمة المغربية.
◄ اليوم توضح بالملموس وبشكل مفضوح أن الدوائر الدولية المعادية للمغرب تصر على استحضار معاني الاستعمار والتبعية وتحاول استهداف الأمن القومي للمغرب واستقراره
إن الرد الإستراتيجي للمملكة الشريفة إزاء هذا العبث هو الالتفاف حول العرش والمؤسسات الإستراتيجية وتنزيل مضامين وتوصيات النموذج التنموي الجديد والانخراط في أوراش التنمية المستدامة. هذا المسار لا يمثل مجرد خيار اقتصادي، بل هو درع حقيقي لمواجهة الأجندات المعادية من خلال تعزيز قوة الدولة من الداخل، بناءً على الرؤية الملكية المتبصرة التي تضع التنمية في صلب أولويات الأمة. فالتركيز على الحكامة الرشيدة في التدبير، والعمل على حماية الأمن والاستقرار، يضمنان بناء دولة قوية تستند إلى صلابة وحكمة مؤسساتها السيادية والإستراتيجية العصية على الاختراق.
المغرب الدامج والمتضامن والمزدهر والجريء والمستدام، تحت القيادة الحكيمة للملك محمد السادس، لن يتحقق إلا من خلال الالتزام التام والدقيق بالرؤية الملكية المتبصرة والتعبئة الشاملة لكل قوى المجتمع الحية من خلال تعزيز دور رأس المال البشري، وتفعيل دور الشباب، وإشراك مختلف الفاعلين والمتدخلين وأصحاب المصلحة في الأوراش الكبرى، مما يتطلب التزام الفاعل السياسي بالخيار التنموي الشامل، والابتعاد عن المعارك السياسية والانتخابية الجانبية التي تؤثر حتما في الزمن التنموي، وتشتت الجهود الوطنية عن معركتها الحقيقية وهي معركة البناء والتقدم.
توحيد الجبهة الداخلية والحفاظ على تماسكها هو المدخل الأساس للإسراع في الجهود التنموية، اليوم نحن على بعد أقل من أسبوع من الدخول الاجتماعي وأسابيع قليلة من الدخول السياسي الذي لن يكون عاديا كباقي الأعوام السابقة فالمغرب ومعه العالم يمران بمرحلة انتقالية دقيقة وفترة محاطة بأزمة اقتصادية بتداعياتها الاجتماعية المتناثرة على مختلف القطاعات الحيوية، وتحديات جيوسياسية معقدة بحكم حجم تفاقم الانتظارات المجتمعية والتحديات الاقتصادية التي فرضتها حالة اللايقين، لاسيما في ترابطها بالمجال الاجتماعي حيث أن الجميع اليوم ينتظر الإسراع في بناء تصور جديد لمغرب جديد تحت قيادة المؤسسة الملكية الضامن الأوحد والوحيد والمعبر الأول عن تطلعات وآمال الشعب المغربي.
وهو ما أكده الملك محمد السادس بصريح العبارة في خطاب الذكرى الـ68 لثورة الملك والشعب قائلا “الدولة تكون قوية بمؤسساتها، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية. وهذا هو سلاحنا للدفاع عن البلاد، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات، وهو ما تأكد بالملموس، في مواجهة الهجمات المدروسة، التي يتعرض لها المغرب، في الفترة الأخيرة، من طرف بعض الدول، والمنظمات المعروفة بعدائها لبلادنا، فالمغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة، تمتد لأكثر من اثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل؛ وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون، في ارتباط قوي بين العرش والشعب، والمغرب مستهدف أيضا، لما يتمتع به من نعمة الأمن والاستقرار، التي لا تقدر بثمن، خاصة في ظل التقلبات التي يعرفها العالم.”
اقرأ أيضا:
• حين تكتب "لوموند" عن الملكية في المغرب.. قراءة مغلوطة لتاريخ ثابت