أساس متين ورؤية شاملة: خطاب عيد العرش يعزز مكانة المغرب

الرؤية الإستراتيجية للمقاربة الملكية تتمثل في "اليد الممدودة" تجاه الشعب الجزائري الشقيق. هي ليست مجرد مبادرة حسن نية بل هي رؤية دبلوماسية عميقة تدرك حقيقة الإكراهات السياسية والتحديات الجيوسياسية.
الخميس 2025/07/31
إرادة قوية لمواصلة مسيرة البناء والتنمية

عيد العرش في المغرب هو يوم الوفاء والإخلاص لملك البلاد الذي حمل الأمانة بكل ثقة وسار بالمغرب نحو برّ الأمان بخطوات راسخة في عالم مليء بالتحديات والمتغيرات، عيد العرش هو يوم تجديد البيعة بين شعب وفيّ وملك عظيم لينفرد هذا الوطن بالرفعة والاحترام والتقدير بين الأوطان والأمم .

حبّ الشعب المغربي للملك محمد السادس يتجسد يوميا في سلوك وطني عنوانه الكبير “عاش الملك” التي تحولت من شعار لمختلف فئات الشعب مختلطة بالأهازيج والزغاريد إلى أسلوب حياة، فالعلاقة الفريدة بين الشعب المغربي وعرشه هي الأساس المتين لقوة المغرب ومرونته. هذه العلاقة التي تتجاوز مفهوم الحكم التقليدي لتصبح رابطًا عاطفيًا وروحيًا عميقًا، تمنح المغرب خصوصيته وتفرده. فعبارة “عاش الملك” التي يرددها المغاربة ليست مجرد شعار، بل هي تعبير عن بيعة متجددة وولاء لا يتزعزع، يُجدّد في كل مناسبة وطنية، وعلى رأسها عيد العرش، العهد على مواصلة مسيرة البناء تحت قيادة الملك محمد السادس، الذي يظل بعطفه الأبوي رمزًا لوحدة الأمة وعزتها وتقدمها.

الشعب المغربي يدرك من خلال مسار تاريخي ضارب جذوره في التاريخ الإنساني أن المؤسسة الملكية في المغرب بقيادة العرش العلوي المجيد هي الحصن الأول والأخير له في مواجهة المخاطر والتحديات المحيطة به لأن محمد السادس، أمير المؤمنين، هو المعبر الدائم عن تطلعات وآمال الشعب المغربي والقائد الأوحد لنضالاته من أجل الحرية والعدالة والعيش الكريم، فهو الحاضر بين شعبه، والقريب من آمالهم وتطلعاتهم، رمزًا للأمن، وصوتًا للعدل، وظلًا وارفًا لهذا الوطن العزيز.

◄ الخطاب الملكي أشاد بالموقف البريطاني والبرتغالي من الوحدة الترابية للمملكة المغربية في تأكيد على الحرص الملكي السامي للحسم النهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل

يستلهم الشعب المغربي من احتفالات عيد العرش إرادة قوية لمواصلة مسيرة البناء والتنمية. فكل إنجاز تحقق على أرض الواقع، وكل مشروع أُطلق، يمثل حجر زاوية في صرح المغرب الحديث الذي يرسم معالمه محمد السادس من خلال رؤية ملكية متبصّرة تعضدها الاختيارات الصائبة حيث أن هذا التلاحم بين العرش والشعب ليس مجرد رمز، بل هو محرك حقيقي للتغيير الإيجابي، يبعث الأمل في نفوس المواطنين ويحثهم على العمل والمساهمة الفعّالة في بناء مستقبل زاهر للأجيال القادمة. عيد العرش هو قصة ملك ووطن وشعب يتقدم بخطى ثابتة نحو تحقيق الطموحات الكبرى، يستمد القوة من عمق تاريخه ووعيه بمسؤولية الحاضر.

وعلى هذا الأساس أثبتت المملكة المغربية تحت قيادة محمد السادس قدرتها على مواجهة التحديات بفضل الرؤية الثاقبة والقرارات الحكيمة. ففي ظل المتغيرات العالمية المعقدة، تمكّن المغرب من الحفاظ على استقراره وتماسكه الاجتماعي، وتحقيق منجزات اقتصادية وسياسية مهمة جعلته نموذجًا يحتذى به في المنطقة، هذه الإنجازات لم تكن لتتحقق لولا إيمان الشعب المغربي بقائده، وتشبثه بالثوابت الوطنية، وتجسيد الوحدة الوطنية كقيمة عليا تحصّن الأمة من كل المخاطر.

الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربع محمد السادس على عرش الدولة العلوية أكد حرص الملك على تحقيق كل مقومات العيش الكريم للشعب المغربي من خلال إصراره على استفادة مختلف مناطق المغرب من جهود التنمية المستدامة من خلال التنزيل السليم لمقتضيات النموذج التنموي الجديد لضمان الصعود الاقتصادي والاجتماعي وبناء مقومات اقتصاد تنافسي متنوع ومنفتح في إطار ماكرو اقتصادي سليم و مستقر.

ومن هذا المنطلق وجّه العاهل المغربي في الخطاب الملكي مختلف الفاعلين والمتدخلين إلى ضرورة الانتقال إلى مغرب العدالة المجالية والتنموية لأنه كما أكد في خطابه “لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية” من خلال دعوته المباشرة والواضحة “إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة.” بالارتكاز على “جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية.”

طرح محمد السادس في خطابه مفهوم “التأهيل الشامل للمجالات الترابية،” الذي يشكل محورًا رئيسيًا ضمن الرؤية الملكية بالمغرب، إلى تحقيق تنمية متوازنة ومنصفة لكافة مناطق الوطن. يتجاوز هذا النهج المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية ليتبنى مقاربة مندمجة، تسعى لسد الفجوات التنموية الاجتماعية والمجالية، وضمان وصول ثمار التقدم والازدهار إلى كل المواطنين دون تمييز، مؤكدة على المبدأ الجوهري “لا مكان اليوم ولا غداً لمغرب يسير بسرعتين.” يعتمد هذا التأهيل على ركائز أساسية تتجلى في تثمين القدرات والخصوصيات المحلية لكل منطقة، وتفعيل آليات الجهوية المتقدمة بمنح صلاحيات أوسع للجهات في التخطيط والتنفيذ، فضلاً عن تعزيز مبادئ التكامل والتضامن بين الجهات، وتحفيز الاستثمار المحلي لدعم خلق فرص الشغل، وتحسين جودة الخدمات الاجتماعية الأساسية كالتعليم والصحة، مع تبني إستراتيجيات مستدامة لإدارة الموارد المائية لمواجهة تحديات الإجهاد المائي وتغير المناخ.

فالطموح الأكبر وراء هذا التأهيل الشامل هو التحول نحو تنمية مجالية مندمجة، حيث تتضافر جهود جميع الفاعلين المحليين وتُعبّأ الموارد المالية والبشرية بفعالية قصوى. لهذا الغرض، كان التوجيه الملكي بتبني جيل جديد من برامج التنمية الترابية التي تركز على إطلاق مشاريع تأهيل متكاملة تنسجم مع الورش الوطنية الكبرى، وتعمل على سد النقص الحاصل في البنى التحتية الأساسية وتجهيزات القرب، لاسيما في المناطق النائية وصعبة الوصول إليها. وتتضمن هذه البرامج محاور عمل واضحة ومشاريع ذات تأثير ملموس، تهدف إلى بناء مغرب مزدهر وعادل للجميع.

الخطاب الملكي أكد على الدور الإستراتيجي للوحدة المغاربية كإطار إقليمي للاستقرار والأمن والازدهار فهذا الاهتمام الملكي بالوحدة المغاربية ليس وليد اللحظة، بل هو إرث تاريخي للعرش العلوي ويترجم حرص العقل الإستراتيجي المغربي على أن تكون الوحدة المغاربية هدفا إستراتيجيا جيوسياسيا يضمن الحقوق التاريخية لشعوب المنطقة في الاستقرار والسلام والأمن في ظل نظام سياسي قوي وفاعل إقليميا ودوليا في زمن التكتلات الجهوية الكبرى وهو ما يؤكده المسار الأكاديمي للعاهل المغربي. ففي 29 أكتوبر 1993، نال محمد السادس شهادة الدكتوراه في الحقوق بميزة “مشرف جدًا” من جامعة نيس صوفيا أنتيبوليس الفرنسية، وذلك إثر مناقشة أطروحة إستشرافية حول موضوع “التعاون بين السوق الأوروبية المشتركة واتحاد المغرب العربي.” هذا البحث الأكاديمي المتعمق يكشف عن فهم مبكر وعميق للأبعاد القانونية والاقتصادية والسياسية للتعاون الإقليمي والدولي. كما أن اختيار هذا الموضوع تحديدًا يؤكد على قناعة الملك الراسخة بأن مستقبل المغرب لا يمكن فصله عن محيطه الإقليمي المغاربي، وأن الطريق نحو تحقيق تنمية مستدامة يمرّ عبر شراكة فعالة ومندمجة بين دول المنطقة، تستلهم من التجارب الناجحة مثل تجربة الاتحاد الأوروبي. هذه المعطيات تظهر أن الرؤية الملكية للوحدة المغاربية ليست مجرد خطاب سياسي، بل هي نتاج دراسة أكاديمية رصينة وتحليل إستراتيجي عميق وخبرة زعيم مغاربي له رؤيته الخاصة والمتفردة للوحدة المغاربية.

◄ الشعب المغربي يدرك من خلال مسار تاريخي ضارب جذوره في التاريخ الإنساني أن المؤسسة الملكية بقيادة العرش العلوي المجيد هي الحصن الأول والأخير له في مواجهة المخاطر والتحديات المحيطة به

تتجسد هذه الرؤية الإستراتيجية في المقاربة الملكية المتمثلة في “اليد الممدودة” تجاه الشعب الجزائري الشقيق. فهي ليست مجرد مبادرة حسن نية، بل هي رؤية دبلوماسية عميقة تدرك حقيقة الإكراهات السياسية والتحديات الجيوسياسية وطبيعة بعض الأنظمة التي ترفض أيّ تسوية إقليمية تؤمن بالسلام والاستقرار. ومع ذلك، فإن هذه الإستراتيجية تؤكد على مبدأ أساسي مفاده أن مصير الشعوب المغاربية هو مصير واحد، وأن تجاوز الخلافات هو السبيل الوحيد نحو تحقيق التكامل الإقليمي المنشود، وتأسيس إطار تعاوني وتشاركي يخدم مصالح الأجيال القادمة.

الخطاب الملكي أشاد بالموقف البريطاني والبرتغالي من الوحدة الترابية للمملكة المغربية في تأكيد على الحرص الملكي السامي للحسم النهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل وفق المبادئ الدبلوماسية والحوار السياسي البناء في إطار مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغرية كحل متوافق عليه لطي هذا الملف الذي يهدد ميكانيزمات الاستقرار والسلام لشعوب المنطقة، فهذا التأكيد يُجسّد الرؤية الثابتة للمغرب تجاه قضيته الوطنية، وسعيه الدؤوب نحو إيجاد حل واقعي وعملي يُؤمّن سيادته ووحدته الترابية، ويُعزز مفاعيل الأمن الإقليمي.

على سبيل الختم، خطاب عيد العرش لهذا العام لم يكن مجرد مناسبة احتفالية، بل كان خارطة طريق واضحة المعالم، تؤسس لمرحلة جديدة من البناء والتنمية الشاملة، حيث أكد العاهل المغربي، برؤيته الثاقبة وحكمته المعهودة، على أهمية العدالة المجالية كركيزة أساسية لضمان تنمية متوازنة يستفيد منها جميع المغاربة، دون استثناء. كما جدد التأكيد على أن الوحدة الترابية للمملكة خط أحمر لا مساومة عليه، وأن اليد الممدودة للجارة الجزائر وللشعب الجزائري الشقيق تعكس إيمان المغرب العميق بمستقبل مغاربي موحد ومزدهر. هذه الرؤية الملكية، المدعومة بتلاحم شعبي لا يتزعزع، تضع المغرب على مسار صاعد نحو تحقيق طموحاته الكبرى، وتعزز مكانته كفاعل إقليمي ودولي موثوق به، قادر على مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص لتحقيق التقدم والرخاء. فعيد العرش هو محطة متجددة لتأكيد الولاء، وتجديد البيعة والعهد، واستلهام الإرادة  لمواصلة مسيرة البناء تحت قيادة ملكية حكيمة، نحو مستقبل أكثر إشراقًا للمغرب وللشعب المغربي.

7