أزمة الشرعية في العراق: ميليشيات مسلحة تهدد الديمقراطية

المشهد السياسي العراقي يكشف مفارقة خطيرة؛ فالكثير من الأحزاب التي تشكل البرلمان اليوم ليست سوى أذرع لتنظيمات مسلحة، ما يثير تساؤلات جدية حول شرعية النظام بأكمله.
الثلاثاء 2025/07/22
أي شرعية في ظل سطوة الأحزاب المسلحة

تجري التحضيرات في العراق لإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهي محطة يُفترض أن تكرّس مبدأ الشرعية المستمدة من الإرادة الشعبية عبر أحزاب مدنية تمثل مختلف أطياف المجتمع.

غير أن المشهد السياسي العراقي يكشف مفارقة خطيرة؛ فالكثير من الأحزاب التي تشكل البرلمان اليوم ليست سوى أذرع لتنظيمات مسلحة، ما يثير تساؤلات جدية حول شرعية النظام بأكمله، في ضوء مخالفة واضحة للدستور، وتقاعس بعض المؤسسات الرقابية والقضائية عن أداء أدوارها الحاسمة.

في سياق النظام الحالي يبدو التمييز بين الأحزاب السياسية والميليشيات المسلحة غير واضح، حيث يتم دمج الميليشيات في المؤسسات التشريعية، وهو ما يؤدي إلى طمس مفاهيم التمثيل السياسي، وهذا يشكك في شرعية النظام.

إن الفشل في إنشاء أحزاب سياسية مدنية، كما نعرفها في الديمقراطيات الحديثة، ترك فجوة في التمثيل السياسي، ملأتها غالبًا أحزاب تمتلك ميليشيات مسلحة. فالدستور العراقي نص في المادة (9/أ/أولاً) على حظر المشاركة السياسية للتنظيمات المسلحة، حيث جاء نص المادة المذكورة: “يُحظر تشكيل ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة،” ويمنع أي تنظيم مسلح من العمل السياسي أو المشاركة في الانتخابات. هذا النص يعكس التزام الدولة المفترض بالفصل التام بين العمل السياسي والعمل العسكري، وضمان أن تكون الساحة السياسية مدنية بالكامل.

على أرض الواقع نرى أحزابًا كبرى تشارك في العملية السياسية ولها تشكيلات مسلحة تمارس نشاطها بوضوح. ورغم أن بعضها يُدرج ضمن هيئة الحشد الشعبي، فإن ارتباطها السياسي والولائي بهذه الأحزاب يجعلها في حالة تضارب مصالح خطير، حيث يُستخدم السلاح في الكثير من الأحيان لترهيب الخصوم أو فرض الأمر الواقع.

◄ وجود الميليشيات المسلحة في البرلمان يمثل حالة شاذة خطيرة، ويشير إلى أزمة سياسية مستمرة نتيجة عدم احترام سيادة القانون، ويتسبب في انعدام الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي

وفي هذا السياق تقع مسؤولية مخالفة النصوص الدستورية على عاتق المحكمة الاتحادية، بصفتها الجهة الرقابية العليا على دستورية العملية السياسية وسلامة تنفيذ القوانين. فغياب الإجراءات القضائية بحق الأحزاب التي تخالف الدستور وتشارك في الانتخابات رغم امتلاكها أذرعًا مسلحة يشير إلى قصور واضح، سواء على مستوى الرقابة أو على مستوى المتابعة القانونية. كان يُفترض أن يباشر القضاء بإجراءات قانونية لحظر أو تحجيم دور هذه الأحزاب المخالفة، حمايةً للدستور وصيانةً للنظام الديمقراطي.

كما أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تتحمل مسؤولية مباشرة في السماح لأحزاب مرتبطة تنظيميًا أو عمليًا بجهات مسلحة بالمشاركة في الانتخابات. فالدستور، إلى جانب قوانين الأحزاب وقانون الانتخابات، يمنح المفوضية صلاحيات واسعة في التدقيق والتحقيق في ملفات الأحزاب والمرشحين، بما في ذلك مدى امتثالهم لشروط العمل السياسي المدني. لكن إحجام المفوضية عن فرض هذه المعايير، نتيجة الضغوط السياسية، أسهم في استمرار مخالفة الدستور.

كل ذلك انعكس سلبًا على شرعية النظام السياسي، حيث إن وجود برلمان تشكله قوى تخرق المبادئ الدستورية يفقد النظام السياسي شرعيته الفعلية، حتى لو توفرت مظاهر شكلية كالانتخابات أو تشكيل الحكومات. فحين تتحكم قوى مسلحة في العملية السياسية، يتحول الاقتراع إلى وسيلة لتثبيت سلطة مفروضة لا خيار حر، وهو ما يبطل جوهر الديمقراطية ويحول النظام البرلماني إلى واجهة لنفوذ غير دستوري.

وإذا أضفنا عمليات التزوير المنهجية للانتخابات، يتبين لنا عظم الخروقات الدستورية وانتهاك الأعراف الدولية.

إن وجود الميليشيات المسلحة في البرلمان يمثل حالة شاذة خطيرة، ويشير إلى أزمة سياسية مستمرة نتيجة عدم احترام سيادة القانون، ويتسبب في انعدام الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي.

إذا كانت شرعية أي نظام ديمقراطي تُقاس بمدى التزامه بالدستور واحترامه لحق المواطن في اختيار ممثليه بحرية، فإن النظام العراقي يقف اليوم على مفترق طرق؛ فإما أن يُعاد ضبط مساره على أسس مدنية دستورية حقيقية، وإما أن يبقى خاضعًا لقوى الأمر الواقع المسلحة، وهو ما يهدد بانهيار الدولة ومؤسساتها، ويدفع بمستقبل البلاد نحو المجهول.

 

اقرأ أيضا:

       • الانتخابات العراقية المقبلة: أزمات الواقع ورهانات التحول

8