أبعاد الضربة الإسرائيلية على الدوحة

هذه ليست المرة الأولى التي يُفاجأ فيها ترامب ويغضبه تصرّف إسرائيل خارج حدودها فقد فوجئ بالمثل في يوليو 2025 عندما شنت إسرائيل ضربات على دمشق.
الجمعة 2025/09/12
هذا ليس قراري

لم تعجب الإسرائيليين العلاقة الاقتصادية الوثيقة التي نسجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك مع دول إقليمية عديدة. وقد شكّل وجود قاعدة العديد الأميركية في قطر، إلى جانب استضافة قادة حركة حماس، مصدر إزعاج لإسرائيل، بالنظر إلى أن قطر دولة صغيرة الحجم، وإن كانت تظن أن الحماية الأميركية تقيها من أي استهداف. لكن تجارب عديدة أثبتت أن الولايات المتحدة لا تورّط نفسها بسهولة.

ففي 23 يونيو 2025، نفّذت إيران ضربة رمزية استهدفت قاعدة العديد الأميركية في قطر. ثم جاءت الضربة الإسرائيلية لقادة حماس في الدوحة، في9 سبتمبر 2025، بحجة أنهم “قادة إرهابيون”، ما دفع قطر إلى إعادة النظر في دورها الخارجي بما يتواءم مع إمكاناتها وقدراتها. ولم يعد أمامها سوى الانكفاء نحو التنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي في إطار تكاملي، يتطلب إعادة تشكيل موازين القوى في الخليج.

اصطدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالعرب عندما أعلن مشروع “إسرائيل الكبرى”، وكانت البداية بضم الضفة الغربية. لكنه اصطدم بشكل خاص بالسعودية ومصر، رغم أن الضغوط السعودية نجحت في وقف إسرائيل عن تنفيذ عملية الضم. إلا أن نتنياهو لا يزال يشعر بفائض القوة الردعية التي حصل عليها من الولايات المتحدة، ما جعله يتجاوز الخطوط الحمراء في الصراع.

بدأ التصعيد باغتيال إسماعيل هنية في طهران، ثم استهدفت إسرائيل قادة حماس في الدوحة، دون مراعاة لدور الوسيط الذي تلعبه قطر. وقد وسّعت إسرائيل بذلك دائرة الغضب العالمي، رغم أنها كانت قد اكتسبت تعاطفًا دوليًا بعد عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، التي منحتها شرعية الدفاع عن النفس. لكنها سرعان ما تجاوزت تلك الشرعية، وبدأت تنتهج نهجًا دمويًا وإبادة جماعية لكل ما هو حيوي، بحجة استهداف مقاتلي حماس. واتجهت إلى التجويع والتهجير والحصار، حتى أثار الهجوم على الدوحة تضامنًا خليجيًا وعربيًا ودوليًا، اعتُبر بمثابة نهاية لمسار السلام.

الهدف الإسرائيلي الرئيسي هو ضرب العلاقة بين دول الخليج وترامب، الذي فرض على إسرائيل إنهاء الحرب في غزة نتيجة الضغط السعودي والعربي عليه. ولم يكن هذا الضغط سياسيًا فقط، بل شعبيًا عالميًا أيضًا

الضربة التي نفّذها نتنياهو كانت فاشلة، نتيجة نجاح استخبارات إقليمية في إحباط العملية. وتحوّلت العملية التي تفاخر بها نتنياهو، والذي يروّج لقوة استخباراته في استهداف المواقع الخارجية، إلى أكبر فضيحة له، خصوصًا بعد أن كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن استخبارات إقليمية أرسلت تحذيرًا مباشرًا لقيادات الحركة في قطر قبل ساعات من العملية. وهو ما اعتُبر صفعة سياسية وأمنية لإسرائيل، وأثار إحباطًا واسعًا من نتائج الهجوم على الدوحة.

وقد صرّحت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، بعد ظهر الثلاثاء، أن الرئيس ترامب وجّه المبعوث الخاص ستيف ويتكوف فورًا لإبلاغ القطريين بالهجوم الوشيك، وهو ما فعله. لكن قطر أعلنت لاحقًا أنها لم تكن على علم مسبق بالغارة. ثم نشر ترامب بيانًا محدثًا على منصة “تروث سوشيال”، أشار فيه إلى أن مكالمة ويتكوف مع القطريين كانت للأسف متأخرة جدًا لوقف الهجوم. كما حرص على توضيح أن قرار شن الضربة اتخذه رئيس الوزراء نتنياهو، قائلاً: “هذا ليس قراري.”

وليست هذه المرة الأولى التي يُفاجأ فيها ترامب ويغضبه تصرّف إسرائيل خارج حدودها، فقد فوجئ بالمثل في يوليو 2025 عندما شنت إسرائيل ضربات على العاصمة السورية دمشق، وكذلك على الكنيسة المسيحية في غزة.

كان الهدف الإسرائيلي الرئيسي هو ضرب العلاقة بين دول الخليج وترامب، الذي فرض على إسرائيل إنهاء الحرب في غزة نتيجة الضغط السعودي والعربي عليه. ولم يكن هذا الضغط سياسيًا فقط، بل شعبيًا عالميًا أيضًا. وقد ساد غضب داخل البيت الأبيض من آثار الضربة الإسرائيلية للدوحة، وحينما سُئل ترامب من قبل أحد الصحافيين، أجاب “لست سعيدًا بالوضع برمّته، إنه ليس جيدًا، لكنني سأقول هذا نريد عودة الرهائن، لكننا لسنا سعداء بالطريق التي سارت بها الأمور.”

وبموجب المبادئ التي طرحها ترامب، طالب بإطلاق سراح 48 رهينة في اليوم الأول من وقف إطلاق النار، وأن تجمّد إسرائيل هجومها على غزة. وبموجب الاقتراح، تبدأ إسرائيل وحماس مفاوضات فورية لإنهاء شامل للحرب، ولن يُستأنف القتال ما دامت المفاوضات مستمرة، وسيضمن الرئيس ترامب استمرار وقف إطلاق النار.

وسبق أن قدمت مصر وقطر مقترحًا لوقف إطلاق النار، قبلته حماس، يقضي بوقف النار لمدة 60 يومًا مقابل إطلاق سراح 10 أسرى أحياء و18 رهينة متوفين. وفي المقابل، تفرج إسرائيل عن عدد من السجناء الفلسطينيين. لكن إسرائيل أصرت على أنها لن تقبل إلا باتفاق جزئي يسمح لها بمواصلة الحرب. وفجأة، طالب نتنياهو باتفاق شامل يلبّي مطالبه القصوى، بينما كانت حماس تطالب بضمان مسبق بانتهاء الحرب بعد قرابة عامين من الصراع.

8