ينبغي لإسرائيل وحماس والولايات المتحدة وقطر كشف الفوضى وتسويتها

دعم ترامب المُستمر لحرب نتنياهو والإبادة الجماعية في غزة يُثير قلقا بالغا لدى العديد من دول العالم.
الثلاثاء 2025/09/16
بعد الضربة ليس كما قبلها

يثير الهجوم الإسرائيلي السافر على أعضاء فريق حماس التفاوضي في قطر أثناء مداولاتهم حول اتفاق وقف إطلاق نار جديد مع إسرائيل تساؤلات جدية ليس فقط بخصوص قانونية الهجوم الذي انتهك القوانين والأعراف الدولية ومخاوف بشأن سيادة قطر، بل أيضا حول التداعيات الإقليمية والدولية المحتملة.

إن إخطار إسرائيل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بهجومها الوشيك، ومنحها الضوء الأخضر للمضي قدمًا، يضيفان بُعدًا مقلقًا آخر لجميع المتضررين، وخاصة دول الخليج.

كان الهجوم الإسرائيلي مُخططًا لتحقيق عدة أهداف. أولًا، لم يُرِد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقف إطلاق نار جديد في وقت يشن فيه الجيش الإسرائيلي عملية توغل واسعة النطاق في مدينة غزة للقضاء على ما تبقى من قادة ومقاتلي حماس.

ثانيًا، أتاح له اجتماع كبار قادة حماس في مكان واحد فرصةً للقضاء على العديد منهم، وهو ما لم يُرِد تفويته.

ثالثا، أراد توجيه رسالة واضحة إلى الدول العربية الأخرى تفيد بأنه لن يتردد في اتخاذ إجراءات جريئة ضد من يعتبرهم عدوًا وجوديًا، بغض النظر عن مكان إقامتهم وكيفية تأثير ذلك على علاقاتهم مع الدول العربية المعنية.

دول الخليج تشعر الآن بالقلق إزاء التزام الولايات المتحدة بأمنها، بالنظر إلى أن إدارة ترامب سمحت لحليف وثيق -إسرائيل- بمهاجمة حليف آخر

رابعا، أراد تصوير إسرائيل كقوة مهيبة في الشرق الأوسط، إن لم تكن القوة المهيمنة، لاسيما في هذه المرحلة التي تحظى فيها إسرائيل بدعم شبه مطلق من إدارة ترامب.

خامسا، أراد نتنياهو منع انهيار حكومته من خلال الامتثال لمطالب اثنين من وزرائه المتطرفين هددا بالاستقالة إذا أوقف الحرب قبل القضاء على حماس و”محوها من وجه الأرض،” مهما كان هذا الهدف نبيلا وبعيد المنال. كان هجوم الدوحة مغريا للغاية إلى درجة يصعب تفويته.

يُعتبر من النفاق أن يهاجم نتنياهو حماس على الأراضي القطرية في حين أن المساعدات القطرية لقطاع غزة التي استمرت لسنوات عبر حماس والمخصصة لدفع رواتب الموظفين ومنع أزمة إنسانية حظيت بموافقة نتنياهو نفسه، وأُرسلت عبر الأراضي الإسرائيلية في حقائب مليئة بالنقود -كل ذلك في محاولة لخلق فجوة أوسع مع السلطة الفلسطينية ومنع قيام دولة فلسطينية.

أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الهجوم مشيرا إلى أن قطر لعبت دورا بنّاء في الجهود المبذولة لتأمين وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “الضربات الإسرائيلية… التي استهدفت قطر غير مقبولة، مهما كان السبب. أعرب عن تضامني مع قطر وأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. لا ينبغي تحت أي ظرف من الظروف أن تمتد الحرب إلى جميع أنحاء المنطقة.”

وستؤكد التداعيات السلبية للهجوم الإسرائيلي النظرة الدولية السائدة لإسرائيل كدولة مارقة تتجاهل بشكل صارخ معايير السلوك الدولية وتعتقد أنها تستطيع فعل ذلك مع إفلات تام من العقاب. ومع ذلك، سيأتي وقت يتعيّن فيه على إسرائيل أن تُحاسب على أخطائها.

لقد أدى الهجوم إلى المزيد من التوتر في العلاقات بين إسرائيل ومصر، وبالخصوص لأنها كانت ولا تزال متورطة في مفاوضات وقف إطلاق النار.

علاوة على ذلك أضرّ الهجوم، بالتأكيد، بفرصة تطبيع العلاقات مع دول الخليج العربية الأخرى، على الرغم من رغبة كل من نتنياهو وترامب في توسيع اتفاقيات أبراهام.

هذه الأفعال سوف تؤدي إلى عواقب لا يمكن لأي من واشنطن وتل أبيب تجاهلها، وسوف تعود لتطاردهما

وتشعر دول الخليج الآن بالقلق إزاء التزام الولايات المتحدة بأمنها، بالنظر إلى أن إدارة ترامب سمحت لحليف وثيق -إسرائيل- بمهاجمة حليف آخر، خاصة وأن قطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة.

ووفقًا لقناة الجزيرة، أدان الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني هجوم الثلاثاء الماضي على الدوحة واصفًا إياه بأنه “إرهاب دولة” يُزعم أنه بموافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقال إن الهجوم يتطلب ردًا إقليميًا حازمًا وحذر من أن قطر ستدافع عن أراضيها، محتفظة بحق الرد واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة.

ومن المؤكد أن مأزق كل هذه التطورات يتجاوز الحرب بين إسرائيل وحماس واحتمال وقف إطلاق نار جديد.

إن اغتيالات إسرائيل المُعتادة لأعدائها، بغض النظر عن بلد إقامتهم، تُثير تساؤلا جديا حول المدى الذي ستذهب إليه إسرائيل بدعم من إدارة ترامب في انتهاك قواعد السلوك والقوانين الدولية مع افتراض الإفلات من العقاب.

في الواقع، وبعيدا عن الضوء الأخضر الذي منحه ترامب لنتنياهو لمهاجمة قادة حماس في الدوحة، فإن دعمه المُستمر لحرب نتنياهو والإبادة الجماعية في غزة يُثير قلقا بالغا لدى العديد من دول العالم. فهي ترى الآن الولايات المتحدة -التي قادت النظام العالمي وحافظت عليه في أعقاب الحرب العالمية الثانية- كدولة ضلت طريقها وتُشكل خطرا هائلا على الاستقرار العالمي.

ولولا موافقة الولايات المتحدة لما تجرأ نتنياهو على مهاجمة أيٍّ من أعداء إسرائيل في المنطقة، سواء كانوا لبنان أو إيران أو اليمن أو سوريا، والآن قطر. إنهم يرون الولايات المتحدة هي المُذنبة ويشعرون بقلق بالغ إزاء ما قد يحدث لاحقا.

ولكن بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة كلّ هذا لا يبشر بالخير؛ لأن هذه الأفعال سوف تؤدي عاجلا أم آجلا إلى عواقب لا يمكن لأي من الدولتين تجاهلها، وسوف تعود لتطاردهما بطريقة حقيقية للغاية.

7