نوبل 2025 تكافئ تأثير التكنولوجيا على النمو الاقتصادي المستدام
كللت جائزة نوبل للاقتصاد في موسم هذا العام أعمال أكاديميين يعملون في الولايات المتحدة وبريطانيا، لمساهمتهم الكبيرة في تفسير تأثير تبني التكنولوجيا على اتجاهات الاقتصاد المستدام، والتي باتت أمرا واقعا في مسارات التنمية في ظل التحديات القائمة.
ستوكهولم - توج موسم جوائز نوبل 2025 والذي اختتم الاثنين بالعاصمة السويدية ستوكهولم ثلاثة أكاديميين، وهم أميركي وفرنسي وكندي، لدورهم في شرح اتجاهات النمو الاقتصادي القائم على الابتكار.
وأعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم فوز كلٍّ من الأميركي جويل موكير والفرنسي فيليب أغيون والكندي بيتر هويت عن دراساتهم المتعلقة بتأثير التكنولوجيا على النمو الاقتصادي المستدام.
وحصل موكير على نصف الجائزة “لتحديده المتطلبات الأساسية للنمو المستدام من خلال التقدم التكنولوجي”، بينما تقاسم أغيون وهويت النصف الآخر “لنظريتهما المتعلقة بالنمو المستدام من خلال الهدم الخلاق،” بحسب لجنة التحكيم.
وهذه الجائزة المرموقة، المعروفة رسميًا باسم جائزة البنك المركزي السويدي في العلوم الاقتصادية تخليدًا لذكرى ألفريد نوبل، هي الجائزة الأخيرة التي تُمنح هذا العام، وتبلغ قيمتها 11 مليون كرونة سويدية (1.2 مليون دولار).
وقالت اللجنة المانحة للجائزة “لقد علّمنا الفائزون أن النمو المستدام لا يمكن اعتباره أمرًا مفروغًا منه، فقد كان الركود الاقتصادي، وليس النمو، هو القاعدة في معظم تاريخ البشرية.”
وأضافت في بيان أوردته على منصتها الإلكترونية “يُظهر عملهم ضرورة إدراك التهديدات التي تواجه النمو المستمر ومواجهتها.”
ويعمل موكير أستاذا في جامعة نورث وسترن، في إيفانستون بالولايات المتحدة، بينما أغيون أستاذ في كوليج دو فرانس ومعهد إنسياد في باريس، وفي كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية في بريطانيا، وهاويت أستاذ في جامعة براون، في بروفيدنس بالولايات المتحدة.
وبطرق مختلفة، يُظهر الفائزون بالجائزة كيف يُنشئ التدمير الخلاق صراعات تجب إدارتها بطريقة بناءة. وإلا ستُعيق الشركات الراسخة وجماعات المصالح الابتكار، ما يُعرّضها لخطر التخلف.
وقال جون هاسلر عضو لجنة نوبل “استخدم جويل موكير الملاحظات التاريخية لتحديد العوامل اللازمة للنمو المستدام القائم على الابتكارات التكنولوجية.”
وأضاف “لقد أوضح جويل أنه إذا أردنا للابتكارات أن تتعاقب في عملية ذاتية التوليد، فإننا لا نحتاج فقط إلى معرفة أن شيئًا ما يعمل، بل نحتاج أيضًا إلى تفسيرات علمية لأسباب ذلك.”
وتابع “كان هذا التفسير العلمي غائبًا في الكثير من الأحيان قبل الثورة الصناعية، وهو ما جعل من الصعب البناء على الاكتشافات والاختراعات الجديدة.” كما أكد على “أهمية انفتاح المجتمع على الأفكار الجديدة والسماح بالتغيير.”
وتُعتبر التكنولوجيا من أبرز العوامل التي تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام، حيث تلعب دورًا محوريًا في تحسين الإنتاجية وزيادة الكفاءة في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ومن خلال الابتكارات التكنولوجية تتمكن الدول من تطوير صناعات جديدة وتحسين جودة المنتجات والخدمات، ما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وتعزيز التنافسية في الأسواق العالمية.
كما تسهم التكنولوجيا في تحسين استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الهدر، وهو ما يتماشى مع مبادئ التنمية المستدامة التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة.
بحوث كل من جويل موكير وفيليب أغيون وبيتر هويت تظهر ضرورة إدراك التهديدات التي تواجه النمو المستمر ومواجهتها
وعلاوة على ذلك تمكّن التكنولوجيا الحكومات والمؤسسات من جمع البيانات وتحليلها بشكل دقيق، وهو ما يساعد في اتخاذ قرارات إستراتيجية مبنية على معلومات واقعية، تعزز فاعلية السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
ومع التقدم في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، تظهر فرص جديدة لتحقيق تنمية مستدامة تشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ومع ذلك يجب أن ترافق هذه التطورات جهود لضمان شمولية الوصول إلى التكنولوجيا وتوفير التعليم والتدريب المناسبين، لضمان استفادة جميع أفراد المجتمع من هذه الفرص، ما يعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل.
وبالنسبة إلى فيليب أغيون وبيتر هويت أكد هاسلر أنهما وضعا نموذجًا رياضيًا للتدمير الخلاق، وهي عملية لا نهاية لها تحل فيها المنتجات الجديدة والمحسّنة محل القديمة. ودرسا أيضًا آليات النمو المستدام.
وبحسب لجنة نوبل أشارا في مقال نُشر عام 1992 إلى أنه عندما يدخل منتج جديد ومُحسّن السوق، تخسر الشركات التي تبيع المنتجات القديمة.
وتعليقا على ذلك قال هاسلر “يُمثل الابتكار شيئًا جديدًا، وبالتالي فهو إبداعي. ومع ذلك، فهو مُدمّر أيضًا، حيث تُهزم الشركة التي تُصبح تقنيتها قديمة في المنافسة.”
وتشير الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يدعم تحقيق 128 هدفًا من أهداف التنمية المستدامة الـ17، ما يُبرز دوره في تعزيز الكفاءة والإنتاجية عبر مختلف القطاعات.
من المتوقع أن تُساهم التقنيات الرقمية في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 11 تريليون دولار بحلول عام 2030
ومن المتوقع أن تُساهم التقنيات الرقمية في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 11 تريليون دولار بحلول عام 2030، مع مساهمة قطاعات مثل السيارات والطيران بشكل كبير في هذا النمو.
وفي حين أن القليل من الاقتصاديين معروفون على نطاق واسع، إلا أن من بين الفائزين المعروفين نسبيًا رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) السابق بن برنانكي، وبول كروغمان وميلتون فريدمان.
ومُنحت جائزة الاقتصاد العام الماضي للأكاديميين الأميركيين سيمون جونسون وجيمس روبنسون ودارون أسيموجلو لأبحاثهم التي استكشفت العلاقة بين الاستعمار وإنشاء المؤسسات العامة لتفسير سبب غرق بعض الدول في براثن الفقر لعقود.
وسلطت لجنة الجائزة لسنة 2024 الضوء على تركيزهم على الدور الذي تؤديه المؤسسات المجتمعية في تفسير سبب ازدهار بعض البلدان دون سواها.
وذكرت خلال الإعلان عن الفائزين آنذاك أن من خلال فحص الأنظمة السياسية والاقتصادية المختلفة التي أدخلها المستعمرون الأوروبيون، تمكن الاقتصاديون الثلاثة من إثبات العلاقة بين المؤسسات والازدهار.
وأُنشئت الجوائز بناءً على وصية مخترع الديناميت ورجل الأعمال السويدي ألفريد نوبل، وقد تم منحها منذ عام 1901 مع بعض الانقطاعات التي تُعزى في الغالب إلى الحروب العالمية.
وعلى عكس جوائز نوبل الأخرى وهي الطب والفيزياء والكيمياء والأدب والسلام، لم يجر تأسيس جائزة العلوم الاقتصادية في وصية نوبل. ويتم تمويلها وتقديمها من قبل البنك المركزي السويدي.
وبعد إطلاق جائزة الاقتصاد فاز بها لأول مرة عام 1969 كل من النرويجي راجنار فريش والهولندي يان تينبرجن لعملهما في مجال النمذجة الاقتصادية الديناميكية.