نحالو المغرب في اختبار مقاومة تغير المناخ لإنعاش أعمالهم

القطاع يحتاج إلى خطط فعالة للنهوض بإنتاج العسل.
الثلاثاء 2025/09/16
لا مكاسب دون مخاطرة

يواجه نحالو المغرب تحديا متصاعدا في ظل التقلبات المناخية التي تعصف بقطاع تربية النحل وتؤثر مباشرة على الإنتاج ومردودية الخلايا. فرغم التنوع البيئي والنباتي الذي تزخر به البلاد، إلا أن تغير المناخ بات يضع هذا النشاط الحيوي في اختبار حقيقي، مما يتطلب البحث عن حلول مبتكرة وأساليب تكيف جديدة لإنعاش أعمالهم وضمان استمرارية مصدر دخلهم.

الرباط - يسجل قطاع تربية النحل في المغرب تراجعا حادا رغم تساقط الأمطار الربيعية التي أنعشت المراعي ومنحت آمالا بوفرة الإنتاج، إذ انخفض المحصول في بعض المناطق بما يصل إلى 80 في المئة، بحسب معطيات التعاونيات والبيانات الرسمية.

وهذه المفارقة تثير قلق النحالين الذين كانوا ينتظرون موسما جيدا بعد شتاء جاف، لكنهم اصطدموا بواقع مختلف، حيث لم تُظهر مستعمرات النحل الحيوية المعهودة في تحويل الأزهار إلى رحيق، ما انعكس بشكل مباشر على كفاءة الخلايا وجدوى الاستثمار في هذا النشاط.

وبحسب وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، يشكل نشاط تربية النحل مصدرا كليا أو جزئيا للدخل بالنسبة لأكثر من 36 ألف مزارع، على ما أوردت وكالة الأنباء المغربية الرسمية.

ويقول الخبراء وأوساط القطاع إن ذلك الوضع يسلّط الضوء على الأهمية الاجتماعية والاقتصادية لهذا القطاع، خاصة في المناطق القروية.

إنتاجية الخلية الواحدة، التي كانت تصل إلى 50 كيلوغراما في المناخ المستقر، باتت لا تتجاوز 5 إلى 10 كيلوغرامات فقط

وقد راهنت الإستراتيجية الزراعية الوطنية، التي انطلقت قبل أكثر من 17 سنة، على رفع إنتاج العسل إلى عشرة آلاف طن سنويا، إلا أن هذا الهدف ظل بعيد المنال.

ولم يتجاوز الإنتاج في أفضل المواسم سقف ثمانية آلاف طن، على الرغم من تضاعف عدد الخلايا من 160 ألفا إلى نحو نصف مليون خلية خلال العقدين الأخيرين.

ويبدو أن الزيادة في عدد الخلايا لم تُترجم إلى مردودية فعلية، وهو ما يُعزى إلى العوامل المناخية المعاكسة بالدرجة الأولى، وإلى اختلالات في التوازن البيئي المؤثر في دورة حياة النباتات والنحل معا.

والعديد من مربّي النحل يؤكدون أن إنتاجية الخلية الواحدة التي كانت تصل سابقا إلى 40 أو 50 كيلوغراما في المواسم الجيدة، تراجعت اليوم إلى حدود 5 أو 10 كيلوغرامات فقط، ما يجعل من الاستمرار في هذا النشاط تحديا حقيقيا.

ويقول أحد النحالين في منطقة سيدي قاسم إن “النحل أصبح يخرج باكرا بحثا عن الرحيق، لكن الزهور تذبل سريعا بفعل الحرارة، والنتيجة أن الخلايا تعود شبه فارغة”.

ويضيف أن “الانحباس الحراري يضرب الموسم في بدايته، فيما تُربك الأمطار الصيفية المتفرقة نظام المستعمرات، فلا تعرف النحلات توقيت الإزهار الطبيعي، ولا تتوافر لهن الظروف الملائمة لجمع الغذاء”.

ويشير مربّون آخرون إلى أن تقسيم الخلايا بات ضرورة لتفادي انهيارها، رغم أن هذا الإجراء يُعد في الأصل إستراتيجية لتوسيع الإنتاج وليس للبقاء.

وتُجمع التعاونيات على أن موجات الحرّ الممتدة التي يعرفها المغرب منذ سنوات أصبحت تهديدا مباشرا لاستقرار النشاط.

وإلى جانب جفاف التربة وتراجع الغطاء النباتي، تؤثر الحرارة المرتفعة على جودة الرحيق نفسه، وقدرته على جذب النحل، وتُحدث اضطرابا في النظام المناخي الذي تعتمد عليه النباتات في الإزهار.

كما أن تنقل الخلايا بين المناطق المختلفة، بحثا عن مواسم الإزهار القصيرة، أصبح مرهقا ومكلفا ماديا ولوجستيا، ولا يضمن نتائج مرضية.

ورغم ذلك، يحتفظ المغرب بمؤهلات طبيعية هامة في قطاع تربية النحل، بفضل تنوعه النباتي والمناخي، حيث تمتد موارده من غابات الأوكالبتوس وحقول عباد الشمس إلى النباتات الجبلية كالزعتر والخزامى والشيح.

وإلى جانب ذلك، تبرز النباتات البرية التي تنتج أنواعا متعددة من العسل كعسل الزعتر، الليمون، الخروب، العناب، والزيغوفيلوم.

وهذا الغنى يجعل من العسل المغربي منتجا مميزا، لكن ذلك لا ينعكس بالضرورة على دخل النحالين بسبب تراجع الإنتاج وثبات الأسعار في السوق المحلي.

وفي ظل غياب نظام تسويقي متطور وفعال، يشتكي النحالون من صعوبة تسويق منتوجاتهم بأسعار منصفة، في وقت ارتفعت فيه تكاليف الإنتاج بشكل كبير، نتيجة غلاء المواد المستعملة في التغذية الاصطناعية، وتكلفة التنقل، وارتفاع أسعار الخشب لصنع الصناديق.

ويضاف إلى ذلك تحد آخر متمثل في المنافسة غير العادلة التي يواجهها المنتج المحلي من قبل العسل المستورد، والذي غالبا ما يُروَّج له عبر قنوات غير رسمية، ومنصات التواصل الاجتماعي، دون رقابة كافية على الجودة أو المصدر.

ويضرّ ذلك بثقة المستهلك في المنتوج الوطني، ويؤدي إلى كساد لدى المنتجين الحقيقيين الذين يعملون في إطار قانوني وتنظيمي.

ووقّعت وزارة الفلاحة والفيدرالية البيمهنية لتربية النحل، عقد البرنامج الجديد لسلسلة النحل، يشمل الفترة ما بين 2021 و2030 في إطار مخطط الجيل الأخضر.

36

ألف مزارع يعملون في قطاع تربية النحل وخاصة في القرى، وفق وزارة الفلاحة

ويهدف البرنامج إلى تحقيق هدف رفع الإنتاج السنوي من العسل إلى 16 ألف طن، وتحسين إنتاجية خلايا النحل لتصل إلى نحو 16 كيلوغراما لكل خلية، فيما يتمثل الهدف الثالث في الرفع من عدد خلايا النحل الحديثة إلى مليون خلية بحلول نهاية العقد الحالي.

وبعض الأصناف المحددة مثل عسل الليمون أو عسل المروج العشبية أظهرت هذا العام جودة عالية مقارنة بالمواسم السابقة، لكن الكميات تبقى ضعيفة، مما يقلل من الأثر الإيجابي لذلك على دخل النحالين.

ويُعلّق الكثير من المربين آمالهم على إزهار شجرة الخروب المرتقب خلال الأسابيع المقبلة، باعتبار أن هذه الشجرة تنتشر في عدة مناطق من المغرب وتشكل موردا مهما للعسل عالي الجودة، قد يساهم في تحسين العائد العام لهذا الموسم المتعثر.

ومع ذلك، فإن التحديات البنيوية لا تزال قائمة، خاصة ضعف التأطير التقني، وقلة الدعم المباشر، وغياب برامج عمومية موجهة خصوصا للنحالين الصغار، وهم فئة تشكل العمود الفقري لهذا النشاط في المناطق القروية.

ويرى مربو النحل أن المطلوب اليوم هو الاعتراف الفعلي بدور هذا القطاع في التنمية القروية، ودمجه بشكل أعمق في السياسات الزراعية.

وسيحتاج ذلك الأمر إلى التركيز على تمويل مشاريع التكيف المناخي، وتطوير نظم ذكية لتربية النحل، وتوسيع برامج التكوين والمواكبة التقنية، وإنشاء أسواق منظمة تضمن تسويقا عادلا للمنتج المحلي.

ويؤكدون أن العسل المغربي لا يفتقر إلى الجودة ولا إلى التنوع، بل إلى رؤية واضحة تحمي المنتج والمستهلك معا، وتضمن استدامة نشاط بدأ منذ قرون ولا يزال يحمل وعدا اقتصاديا وبيئيا كبيرا، إذا ما توفرت له الشروط الملائمة والدعم الكافي.

11