نتيجة البكالوريا فرصة للتسويق الانتخابي في مصر
في خضم التحضير لانتخابات مجلس الشيوخ المقررة الشهر المقبل، تحولت امتحانات البكالوريا إلى ساحة دعائية تستغلها أحزاب مصرية لحشد التأييد، من خلال التعهد بتقديم مكافآت مالية للمتفوقين، وهو ما يثير التساؤلات حول شفافية العملية الانتخابية.
القاهرة - خلقت نتيجة امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا) في مصر فرصة سانحة للتسويق السياسي قبل أيام من انطلاق انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) المزمع إجراؤها مطلع أغسطس المقبل، وسط برود سياسي، ولامبالاة شعبية بانتخابات ثلثا مقاعدها محسومة، ما دفع أحزابا قريبة من الحكومة المصرية للبحث عن أدوات جماهيرية يمكن من خلالها التعبير عن نفسها ومرشحيها، ووجدت ضالتها في نتيجة البكالوريا التي تهم الملايين من المواطنين.
وأعلن حزب مستقبل وطن، الذي يلعب دور الظهير السياسي للحكومة وصاحب أغلبية في البرلمان، منح مكافأة مالية قدرها 100 ألف جنيه (الدولار= 94.30 جنيه)، لكل طالب جاء ترتيبه ضمن قائمة الأوائل، وضمت 36 طالبا وطالبة، في إطار تبني فكرة تشجيع الطلبة المتفوقين وتحفيزهم على استكمال مسيرة التميز والتفوق العلمي.
وسار حزب الجبهة الوطنية على النهج نفسه، معلنا تقديم دعم مادي للطلاب الأوائل قيمته 50 ألف جنيه، وذهب أبعد من ذلك بتقديم مبادرة “توفير عدد من المنح التعليمية المجانية أو المدعومة في بعض الجامعات الخاصة، وفق ضوابط وشروط سيتم الإعلان عنها قريبا.”
وتحقق مسألة الارتباط السياسي بنتيجة البكالوريا أهدافا عديدة، ووضعت الأحزاب في بؤرة الاهتمام الشعبي للمواطنين المصريين الأيام الماضية، وهو اهتمام من المتوقع أن يستمر، حيث تتعدد مبادرات تكريم الأوائل وتواجدهم كضيوف في وسائل الإعلام، كطقس سنوي معتاد، ما يمنح فرصة للانتشار المجتمعي ربما يعوض شكاوى فئات شعبية من انفصال النواب والمرشحين عنهم.
ويحقق الحزب ومرشحوه مكاسب دعائية تفوق ما يتم إنفاقه على الإعلانات التقليدية في الطرق العامة وعبر مواقع التواصل ومن خلال المؤتمرات الجماهيرية، لأن طبيعة انتخابات مجلس الشيوخ لا تقوم على البرامج الانتخابية، فاختصاصات المجلس استشارية، ويهتم بقضايا لا تتعلق بالخدمات الرئيسية في أجندة المواطنين.
كما أن الترويج لتقديم الأموال يمنح فرصة للتعبير عن الثقل السياسي للحزب، وظهر ذلك من خلال تقديم حزب “مستقبل وطن” مبالغ مالية ضعف الرقم الذي قدمه حزب “الجبهة الوطنية”، وهما قريبان من الحكومة.
وليست هذه المرة الأولى التي توظف فيها الأحزاب مناسبات اجتماعية ترتبط بمنظومة البكالوريا من أجل الترويج السياسي لنفسها، فقد أقدمت قبل الامتحانات على منح دروس خصوصية في ساحات عامة، ورفعت شعاراتها، ما عد تدخلا سياسيا في التعليم، طالما كان هناك حرص من جانب الحكومة على عدم حدوثه، كما توظف بعض الأحزاب انطلاقات العام الدراسي لتوزيع الأدوات المدرسية على الأسر.
ولم تتبن الأحزاب مواقف إيجابية بشأن التعامل مع تعديلات قانون التعليم الذي مرّره البرلمان قبيل انتهاء أعمال مجلس الشيوخ، وتعليق جلساته استعدادا للانتخابات، وكان ذلك يمكن أن يحقق أثرا شعبيا يفوق ما يحدثه تقديم هدايا مادية للطلاب الأوائل دون أن تعم الفائدة على عموم المواطنين ممن لديهم مخاوف من تطبيق نظام جديد للبكالوريا ينطوي على مشكلات عند تنفيذه.
وقال أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة حسن سلامة إن اتجاه الأحزاب لدعم المتفوقين في امتحانات البكالوريا “أمر مستغرب ويمكن فهمه كمحاولة لشراء الأصوات، لأن هذا الفعل جديد، هدفه التسويق الانتخابي، وهو مشهد سياسي ليس في محله بالرغم من استفادة الطلاب كنوع من التكريم لهم.”
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة المصرية منوط بها القيام بهذا الدور وليس الأحزاب السياسية، ويمكن أن يتسبب هذا الفعل في ردود نتائج عكسية، لأن البعض قد ينظر إليه باعتباره إهانة مجتمعية، خاصة وأن المنح المالية تقدمها أحزاب تقود العمل السياسي الآن، وكان بإمكانها تنظيم رحلات ترفيهية للطلاب الأوائل أو أيّ شكل آخر للتكريم، بعيدا عن تقديم الأموال مباشرة.
وذكر سلامة أن ما حدث يوصف بأنه “استغلال” للطلاب المتفوقين ولا يجب الضحك على المواطنين بهذه الطريقة المكشوفة، وتأتي هذه التحركات الحزبية في وقت تسيطر فيه حالة من “الكسل” على مستوى الدعاية الانتخابية قبل أيام من انتخابات مجلس الشيوخ، وقد يكون التحرك على مستوى البكالوريا هدفه إحداث زخم شعبي غائب في الانتخابات.
ومن المقرر أن يبدأ تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس الشيوخ يومي 1 و2 أغسطس المقبل، على أن يبدأ الاقتراع في الداخل يومي 4 و5 من الشهر نفسه.
وحسب الجدول الزمني الذي أعلنته الهيئة الوطنية للانتخابات، تستمر فترة الدعاية لمدة 14 يومًا تنتهي الخميس 31 يوليو الجاري، تعقبها فترة صمت انتخابي.
حزب مستقبل وطن منح مكافأة مالية قدرها 100 ألف جنيه لكل طالب جاء ترتيبه ضمن قائمة الأوائل
ويبلغ عدد المرشحين على المقاعد الفردية 428 مرشحاً، بينهم 186 مرشحاً مستقلاً، و242 مرشحاً عن الأحزاب السياسية، وقائمة واحدة في كل من الدوائر المخصصة لنظام القوائم تحت اسم القائمة الوطنية من أجل مصر.
ويضم المجلس 300 عضو، بينهم 200 مقعد منتخب، ينتخب 100 بالنظام الفردي، و100 بنظام القائمة النسبية، ويعين 100 عضو مباشرة من قبل رئيس الجمهورية.
وأكد المحلل السياسي جمال أسعد أن قيام الأحزاب بمنح مكافآت مالية للمتفوقين تحدث لأول مرة هذا العام، ولا توجد علاقة للأحزاب والمرشحين بنزول هذا المزاد الذي يبرهن على أن كل حزب يحاول أن يزايد على غيره بمبلغ أكبر، ما يعزز غياب الدور الحقيقي للأحزاب التي تحولت مع قرب الانتخابات إلى تكايا مالية تغدق على الفقراء، وتهدف إلى الظهور في أيّ مناسبة، وهو حضور مالي – مجتمعي وليس سياسيا.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن صرف مبالغ ضخمة على بند واحد فقط من بنود الدعاية السياسية يطرح تساؤلات حول مصادر تمويل الأحزاب وميزانياتها واشتراكات الأعضاء الدورية، وما تتلقاه من تبرعات وفقا لما يحدده قانون الأحزاب المصري، بل إن المشهد الراهن يرسخ لسيطرة مجموعة من الرأسماليين يملكون ثروات ويفرضون رؤيتهم على سياسات الأحزاب، ويريد هؤلاء التباهي الاجتماعي وتفضيله على أيّ نشاط حقيقي يتماشى مع الممارسة السياسية المتعارف عليها.
ولم تتوقف مسألة الدعم المادي لمتفوقي شهادة البكالوريا على الأحزاب فحسب، بل إن عددا من المرشحين انخرطوا في تقديم مكافآت مالية للمتفوقين في دوائرهم الانتخابية، إذ قرر رجل الأعمال والمرشح ضمن القائمة الوطنية من أجل مصر أحمد أبوهشيمة صرف مبلغ 150 ألف جنيه للطلاب المتفوقين في محافظة بني سويف (جنوب القاهرة)، وهو ما تكرر مع المرشح أحمد محسن مبارك في المحافظة ذاتها لكنه اختار أن يقدم رحلة عمرة لأحد أفراد أسرة المتفوقين.