من الدوحة إلى نيويورك: موقف عربي إسلامي يعيد تشكيل المعادلة
لم تكن قمة الدوحة الطارئة مجرّد محطة في سجلّ القمم العربية والإسلامية، بل لحظة مفصلية حملت إشارات ورسائل عميقة، بعضها قيل صراحة وأكثرها تُرك ليفهم ضمناً. فقد بدا لافتًا أنّ المجتمعين -على اختلاف مشاربهم وتباين حساباتهم- وقفوا صفًا واحدًا في مواجهة عدوان وقح استهدف قلب الدوحة، دوحة العروبة الشامخة، التي خرجت من المحنة أقوى مما دخلتها، مكلّلةً بوقوف الأشقاء إلى جانبها باعتبارها المعتدى عليها لا المعتدية.
ما ميّز هذه القمة لم يكن البيان الختامي فحسب، بل وعي المجتمعين الذين أدركوا أنّ العدوان الإسرائيلي لم يكن سوى محاولة يائسة لجرّ المنطقة إلى مواجهة عسكرية تُخفّف الضغط عنه أمام الغرب، في توقيت بالغ الحساسية يسبق مؤتمر نيويورك المرتقب بشأن حل الدولتين وتشكيل دولة فلسطينية تحظى بتزايد الاعتراف الدولي يومًا بعد يوم.
قمة الدوحة الطارئة مجرّد محطة في سجلّ القمم العربية والإسلامية، بل لحظة مفصلية حملت إشارات ورسائل عميقة، بعضها قيل صراحة وأكثرها تُرك ليفهم ضمناً
لقد سعت إسرائيل، كما فعلت سابقًا حين اعتدت على إيران، إلى عرقلة مساعي المجتمع الدولي نحو تسوية عادلة. لكنها أخطأت الحساب مجددًا؛ فالمؤتمر الذي رعته فرنسا والسعودية، والهادف إلى فتح نافذة أمل نحو السلام، لم تُثنه هذه المحاولات البائسة. بل إنّ الاعتداء على الدوحة بدا امتدادًا لمحاولات سابقة، كالهجوم على طهران، يهدف إلى إرباك الإقليم وجرّه إلى معارك محدودة لا غاية منها سوى إنقاذ تل أبيب من عزلتها المتزايدة.
ما لم يُقَل صراحة في قمة الدوحة هو أنّ إسرائيل باتت في مواجهة مباشرة مع منطق التاريخ، حيث تتسارع حملات المقاطعة والرفض، وتتعمّق عزلة الكيان حتى داخل مجتمعه، كما أقرّ بذلك بعض مفكّريه.
بل إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه اعترف مؤخرًا بأن إسرائيل “تدخل في نوع من العزلة،” مشيرًا إلى أنّها قد تُضطر إلى التكيّف مع اقتصاد مكتفٍ ذاتيًا، في ظل تراجع الثقة الدولية وتزايد العقوبات. هذا الاعتراف النادر، الذي جاء في مؤتمر رسمي لوزارة المالية، يعكس حجم القلق داخل المؤسسة الإسرائيلية من تآكل مكانة إسرائيل عالميًا، ليس فقط سياسيًا، بل اقتصاديًا وتكنولوجيًا أيضًا.
لم تكن قمة الدوحة مجرّد تعبير عن التضامن، بل لحظة تأسيس لوعيٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ جديد، يُدرك أنّ مواجهة إسرائيل لا تكون بالانجرار إلى ردود فعل متسرّعة، بل بالتماسك والذكاء الإستراتيجي، وتحويل كل فعل عدواني إلى ورقة قوة إضافية في مسار الاعتراف الدولي بفلسطين وحقها الطبيعي في الدولة.