كراهية النساء داء بنيوي يصيب المجتمعات العربية

الكتاب الجريء لا يتناول الكراهية كشعور فردي أو شخصي فحسب، بل يصفها كمنظومة ثقافية وأسرية متوارثة.
الخميس 2025/08/14
تعاطف وجداني مع النساء المنسيات

يؤسس عنوان “في كراهية النساء” لبنية تحليلية متينة، تنطلق من اعتبار كراهية النساء مكونا بنيويا راسخا في الثقافة الأسرية والاجتماعية العربية. ويُحسب لمؤلفته الكاتبة عايدة الجوهري شجاعتها في طرح قضايا مسكوت عنها أو غير مصرح بها صراحة.

ترى الجوهري أن هذه الكراهية ليست مجرد استثناء، بل هي واقع حتمي ومتجذر، وإن لم يُعترف به علنا. ويُعزز هذا الطرح التناص الحاصل بين عنوان الكتاب ومقطع من أغنية كاظم الساهر: “يكرهون الحب/ يكرهون الحياة/ يكرهون الورد/ يكرهون النساء”، بما يشير إلى مشاعر عامة من الرفض والاضطهاد لا تقع فقط ضمن تأويل الكاتبة، بل تمثل قضية وجودية إنسانية يتقاطع فيها الظالم والمظلوم.

لا تتناول المؤلفة في هذا الكتاب الكراهية كشعور فردي أو شخصي فحسب، بل تصفها كمنظومة ثقافية وأُسَرية متوارثة عبر الأجيال، تجعل من النساء ناقصات بحدّ ذاتهنّ، ولا تقتصر أعراضها على الشعور بالنقص المستند إلى تحيُّزات عاطفية أو معرفية فحسب.

يهدف الكتاب إلى كشف البنية الجندرية الكارهة للنساء وتشريحها من الداخل، عبر تحليل عميق للآثار النفسية والمعرفية لكراهية النساء، والدعوة إلى تفكيك هذه المنظومة بالوعي والتعلم والعمل، بدلا من الإنكار أو الصمت أو التماهي.

شهادات واقعية وسرديات أدبية
شهادات واقعية وسرديات أدبية

تنتهج المؤلفة في هذا الكتاب منهجا تحليليا – تفكيكيا يُعنى بتفصيل آليات التنشئة الأسرية والاجتماعية التي تُنتج شعورا عميقا لدى الأنثى بالنقص والدونية. فالتنشئة هنا قائمة على كبت حاجات النساء النمائية والوجدانية والجسدية (مثل التقدير، القبول، الاعتراف، العطف، اللذة، الإشباع)، مع اعتبار الإفصاح عنها خزيا وانتهاكا لقيم الذكورة المهيمنة.

وقد استعانت الكاتبة بشهادات واقعية وسرديات أدبية (مثل حكاية “جنان”) كنماذج تطبيقية توضّح ديناميكيات هذا القمع البنيوي.

يمتاز الكتاب بجرأته في تناول الممنوعات، لا سيما حين يتطرق إلى مفهوم “الأمومة”، حيث تبرز الكاتبة كيف يُدرَّب جسد الأنثى منذ ولادتها ليكون في خدمة الذكر، سواء كان ابنا أو زوجا، على حساب حاجاتها الطفولية وتطورها النفسي والجسدي.

أما لغة الكتاب، فهي أكاديمية رصينة وواضحة في آن، وتستعين بمفاهيم ومصطلحات دقيقة ذات طابع نفسي واجتماعي، مثل: “الشعور بالنقص”، “الأم السامة”، “السيطرة على الجندر”، “التماهي”، “النرجسية الأمومية” وغيرها.

تسرد الكاتبة أحداثا واقعية من خلال قصص شخصية لأطفال إناث كقصة الطفلة “رُدينة” وتوظف هذه القصص لبثّ تعاطف وجداني مع النساء المنسيات، مما يُكسب العمل بعدا إنسانيا شعوريا عميقا.

تُشخّص الكاتبة داء الشعور بالنقص كنتيجة مباشرة لممارسات مجتمعية ونفسية معادية للأنثى، وتُبرز كيف يؤثر هذا الداء على المهارات الإدراكية، ويؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي، واضطراب اتخاذ القرار، وتدني احترام الذات.

ويُبين الكتاب كيف تُصاغ الأنوثة المجروحة تحت ضغط التهميش الأسري والاجتماعي، فتتمظهر في أنماط نسقية مثل: “الناكرة لذاتها”، “المتخاذلة”، “المهزومة”، “العدوانية”، و”الخاسرة في الحب.”

ورغم الصورة القاتمة، يختتم الكتاب برؤية خلاصية مشروطة: وعي المرأة بذاتها، وبجسدها، وبالجندر، والعمل، والتعليم؛ بوصفها سُبلا للنجاة من المجتمع الذكوري واستعادة الذات المغتصبة.

في الختام، يجمع هذا العمل المكثّف بين العمق النظري والتحليل النقدي، وبين اللغة الاجتماعية المتعاطفة، ما يجعله يفتح أفقا معرفيا وإنسانيا للتفكير في معاناة المرأة العربية وفهمها في آن واحد.

12