فاروق الشرع: التاريخ يتغير لكنه لا ينتهي

مذكرات وزير خارجية سوريا الأسبق.. وثيقة تكشف الكثير من الحقائق.
الأحد 2025/08/10
رجل يختزل ذاكرة مرحلة كاملة

تكشف مذكرات السياسيين الكثير من الخفايا وكواليس الحكم، ولذا تعتبر وثائق تاريخية غاية في الأهمية. مذكرات وزير خارجية سوريا الأسبق فاروق الشرع من تلك الأعمال التي تمثل شهادة على حقبة محورية في تاريخ سوريا التي لا تزال تواجه تبعاتها وتبعات الثورة العارمة والصراعات.

الحراك الاجتماعي والجماهيري ليس غريبا عن طبيعة الكيانات البشرية بل شهد التاريخ في مراحله المختلفة النهوض الثوري على الأفكار والأنظمة التي تداعى بنيانها القيمي من الداخل. ومع ذلك يبدو أن الثورة لها طابع مباغت، لا يمكن تحديد أعراضها ببساطة، وقد يكمن السبب في ذلك في أن الأصوات المعارضة لا تعلن عن غضبها ولا تعبر عن سخطها إلى أنْ تشتعل الشرارة الأولى. قبل هذا الموعد يصعب استشفاف أي تباشير تنبئ بالتفجر البركاني. القشرة تلوح بعكس ما يعتمل في الأعماق. الأمر الذي تكرر مع الانتفاضات العربية التي انطلقت من تونس وامتدت موجة الاحتجاجات الشعبية إلى بقية البلدان التي ازدهر فيها ما يسمى بالربيع العربي، مطيحة بالحكام المتربعين على كرسي السلطة لعقود.

وبعد سقوط نظام حسني مبارك وزين العابدين بن علي أثيرت التساؤلات عن موقع سوريا على الخارطة المتحركة. فقد صرح الرئيس السابق بشار الأسد قبل بداية الأحداث في سياق حوار مع جريدة “وول ستريت جورنال” بأن سوريا ليست كتونس أو مصر مستبعدا تكرار انضمام بلده إلى حزام الربيع العربي. لكن هبت الرياح بما لم يشتهها النظام السوري، وسرعان ما بدأت بوادر النفس الاحتجاجي في مدينة درعا الحدودية.

غير أن ما تبعها من المظاهرات في مدن سوريا لم يكن إلا بداية لحالة الاستقطاب بين مكونات المجتمع السوري وهذا ما صعد بالعنف إلى مستويات كارثية إلى أنْ تداخلت الأجندات الإقليمية والدولية في الملف السوري وتأكد للجميع أن في سوريا يطبخ سيناريو آخر لا يطابق ما مرتْ به تونس أو مصر.

بدأت المحاولات فعليا للانتقال بالحراك الشعبي نحو الصراع الطائفي والمذهبي، وهذا ما انجرف بالوضع إلى ما يسميه جبلير الأشقر بـ”صدام الهمجيات”.

من المعلوم أن فصول نظام بشار الأسد أرخي الستار عليها يوم 8 ديسمبر 2024، لكن تداعيات الأحداث وما عاشته سوريا في غضون سنوات العنف من دمار وتهجير لا تزال ماثلة، وقد يمضي زمن طويل قبل أنْ ينهض البلد من أنقاض الكارثة، ليس على مستوى البنية التحتية فحسب بل على صعيد السلم الأهلي والتكوين المجتمعي، فهذا شأن آخر يكون من اختصاص المتابعين الإستراتجيين للملف السوري.

وما هو بالإمكان في الوقت الراهن لا يعدو أكثر من الحفر في الروايات التي قد تجلي شيئا من اللبس عن عقدة الحدث السوري. وبالطبع فإن مذكرات وزير خارجية سوريا الأسبق فاروق الشرع التي صدرت حديثا، تعد وثيقة كاشفة لتفاصيل المسارات التي أخذها الحراك الشعبي من البداية إلى اللحظة التي لم يعد فيها الشك بالنسبة إلى الشرع بأن الحل السياسي قد استنفدت ممكناته. لذلك قرر الانسحاب من المشهد دون أن يكون بروتوس أو أنطونيو.

عودة الابن

الشرع يسرد متابعته للتطورات على الصعيدين العالمي والإقليمي من موقعه الدبلوماسي المتمكن في قراءة الخلفيات

 تكمن أهمية الجزء الثاني من مذكرات فاروق الشرع في التوثيق لمرحلة شهدت فيها سوريا مدا وجزرا على المستوى الداخلي، فكان عهد أسد الأب قد أوشك على الأفول، والتوقعات بخليفة الرئيس الذي أثقل المرض كاهله لم ترشحْ غير الابن الآيب من لندن إذ حصل بشار الأسد على رتبة عقيد بعد دراسته سنتين في الأكاديمية العسكرية العليا، وعهد إليه بإدارة الملف اللبناني، كما تم الاستغناء عن القادة العسكريين الذين كانوا غير مستسيغين لصعود نجم الابن. وكان رئيس الأركان حكمت الشهابي حسب كلام الشرع من أبرز الوجوه التي تم إقصاؤها. ولا شك أن الرئيس القادم يجب أن ترتب له أوراقه دوليا، لذا كان بشار يتجول بعدة عواصم عربية وأوروبية موفدا لوالده.

يؤكد الشرع أن تواصله مع الأسد الابن لم يبدأ إلا عندما أخبره حافظ الأسد بأن بشار يود التعرف عليه. فعلا يستقبل الرئيس القادم في بيته. عندما يلتقي به مجددا قبل الإعلان عن تشكيلة وزارية يعرض عليه بشار أن يصبح عضوا للقيادة القطرية مع التخلي عن حقيبة الخارجية لأنه لا يجوز الجمع بين المنصبين، وما من الشرع إلا أن يعلق موضحا أن هذا حصل من قبل؛ قد جمع عبدالحليم خدام بين المنصبين.

بعد تشييع حافظ الأسد بغياب شقيقه رفعت الذي أخطأ في حساباته وبالتالي فاتته فرصة تولي مقاليد السلطة. منحت عضوية القيادة القطرية لبشار الأسد، وبذلك يكون الابن قاب قوسين أو أدني من القصر. ويفهم مما يذكره الشرع أن رئيس الجمهورية بالوكالة عبدالحليم خدام قد لعب دورا بارزا في تطبيخ المادة الدستورية التي يوافق مقاسها سن الأسد الابن ويضمن مشروع انتقال السلطة إلى العائد من لندن.

ما حمل فاروق الشرع على الشعور بالاطمئنان هو ما ورد بخطاب الرئيس الشاب عن مكافحته للفساد. ويقول بأن حافزه الوحيد للإدلاء بصوته لصالح بشار في استفتاء 2000 كان الأمل بتنفيذ برنامجه الإصلاحي. وعلى الرغم من نجاح الاستفتاء والإعلان عن كسب بشار الأسد للتأييد بالأغلبية الساحقة لكن يعترف فاروق الشرع بأنه كان يعتقد بأن نسبة المقاطعين للصناديق فاقت عدد المصوتين، غير أن الإعلام الرسمي تجاهل هذه النسبة الكبيرة من الممتنعين.

لا ينكر صاحب الكتاب شعوره بالتفاؤل بما نقل عن استجابة الرئيس لعدد من مطالب الناس وما زاد من الروحية الإيجابية في دائرة المواطنين أن الحكومة السورية دشنت برامج تنموية في مجالات السياحة والتعليم العالي والاقتصاد وهيئة تخطيط الدولة ووزارة الخارجية. وارتأى الشرع عرض تفاصيل هذا المشروع الإصلاحي على مجالس الجامعة العربية، وفعلا لقيت ورقته قبولا واستحسانا لدى عمرو موسى.

لا تنتهي خطوات فاتحة العهد الجديد عند هذه النقطة بل بزغ ربيع دمشق وانتشرت المنتديات والمنابر المتنوعة، غير أنه ما لبث طويلا حتى أغلقت منصات المعارضة، لأن الأسد الثاني قد أدرك بأن الشخصيات الصاعدة تحظى بالمصداقية. وبالطبع إن الأحداث التي داهمت العالم والمنطقة قد قلبت الأوضاع رأسا على عقب، وكان الإصلاح مرادفا مشوبا بالوعيد الأميركي.

o

ومن المواقف المحرجة التي يشير إليها الشرع عودة المعارض السوري المعروف هيثم مناع وما وصل إلى الشرع بأن الرئيس يطلب إلغاء زيارة هيثم في اليوم الذي شد الأخير الرحال نحو دمشق. وبعد أن تمر الزيارة على خير يستلم فاروق الشرع مغلفا من القصر يحتوي على تسجيلات صوتية لمقابلات هيثم في سوريا وما يفهم من ذلك إلا تعبير عن انزعاج القصر من آراء مناع الذي يمت بصلة القرابة للشرع بحكم أن الاثنين من مدينة درعا.

ما لا يفوته فاروق الشرع التذكير بأن مرافقه الشخصي حسان زكريا قد اعتقل في 2002 لأنه كان يحتفظ بأرقام المرافقين لوزير الخارجية العراقي سعيد صحاف. ويسأل الشرع مباشرة الرئيس مستفسرا هل الاتصالات الهاتفية ممنوعة بين بلدين عربين؟ وما من الأسد إلا أن يرد بكلمات مبهمة مؤكدا أن الموضوع أكبر من جزئياته البسيطة. ومن الشخصيات التي يسجل الشرع كواليس زيارتها إلى سوريا بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني الذي كان وجوده قد أثار حفيظة لدى القيادة السورية لأنه يعيد إلى الأذهان زيارته إلى مسقط رأسه بولندا وما خلف ذلك موجة من الاحتجاجات.

يستعيد الشرع مشاركته في مؤتمر ديربان العالمي لمناهضة العنصرية مسلطا الضوء على مساعي أميركا وإسرائيل لفرض كلمتهما في البيان الختامي وخروج موفد دولتين احتجاجا على الحديث عن تاريخ العنصرية والعبودية في أميركا. وكل ما تم تحقيقه في المؤتمر يتبدد مع المنعطف الخطير الذي دخل إليه العالم بعد هجمات 11 سبتمبر، وكانت الأضواء كلها انصرفت نحو العالم العربي والإسلامي وما يجدر بالذكر في هذا الصدد أن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل يسأل نظيره السوري قائلا: هل يعقل أن خمسة عشر من تسعة عشر متطرفا هم من السعوديين؟ بالطبع إن هذا الحوار يكشف عن حالة الترقب الممزوج بالقلق الذي كان يسود في العالم الإسلامي.

ويستحضر الشرع النقاش بشأن هذا الحدث ومقارنته بهجمات بيرل هاربل التي برحت أميركا على إثرها المنطقة الرمادية وانخرطت فعليا في الحرب العالمية الثانية. ويناقش إلى أي مدى ستصل المشاعر الثأرية للقوة العظمى بعدما طالت الهجمات عقر دارها. يقول الشرع بأنه كان من حق الدول العربية والإسلامية أنْ تشعر بالقلق على ضوء الاتهامات للإسلام كما أن الساكن في البيت الأبيض جورج بوش الابن أحاط به غلاة المحافظين الجدد الذين كانوا يتحينون فرصة لحرب جديدة على حد تعبير الشرع.

غطاء السلام

شن الحروب والغزوات يسبقه إطلاق المشاريع الوهمية. بموازاة ضرب أفغانستان والتحضيرات لاحتلال العراق أخرجت الإدارة الأميركية خارطة الطريق من جرابها لاستئناف مشروع السلام بين فلسطين وإسرائيل. ويفرد فاروق الشرع فصلا من مذكراته لتناول مقررات القمة العربية في بيروت 2002 وما دار حول المبادرة العربية للسلام.

وأورد الشرع كل ما شهدته أروقة مجلس الأمن من النقاشات الحامية بشأن اتهامات إدارة بوش للعراق بحيازته لأسلحة الدمار الشامل مشيدا بكلمة هانس بليكس وصراحته بأنه لم يتبلور لديه أي دليل ملموس بوجود أسلحة الدمار الشامل في العراق. فيما كانت كلمة محمد البرادعي مخيبة للأمل. يقابل الشرع بين تسونامي المظاهرات التي عمت البلدان الأوروبية رفضا لغزو العراق والشارع العربي الذي كان تحركه خجولا.

المحصلة الأخيرة للمساعي الدولية واستعداد العراق لإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية والبيولوجية والمبادرة العربية للسلام لم تكن سوى انهيار النظام العراقي وتعيين بول بريمر حاكما مدنيا للبلد، فقد أعلن بريمر عن تشكيله لمجلس الحكم الذي كان أعضاؤه تحت إمرته يتحركون. وهذا ما أظهر صورة تراجيكوميدية للمعارضة العراقية. إذن فالشعور بالإحباط الذي أصبح ظاهرة مهيمنة منذ نكسة يونيو 1967 على الوعي العربي حسب تشخيص محمد عابد الجابري يتعمق جاثما على المجتمعات العربية مع سقوط بغداد على مرأى العالم.

أهمية الجزء الثاني من مذكرات فاروق الشرع تكمن في التوثيق لمرحلة شهدت فيها سوريا مدا وجزرا كبيرين

لا ينكر بأن مشهد الجنود الأميركيين في العاصمة العراقية قد وضع شرعية الحكام العرب على المحك أمام شعوبهم. وما يسرده فاروق الشرع في الفصل الخامس عن تعثر انعقاد القمة العربية في 2004 ومصير ورقة الإصلاح العربي التي باتت قيد المجهول كل ذلك يؤكد أن ارتداد الغزو الأميركي للعراق سيلقي بظلاله القاتمة على مستقبل المنطقة.

خلف الكواليس

متابعة الشرع للتطورات على الصعيدين العالمي والإقليمي لن تكون إلا من موقعه الدبلوماسي المتمكن في قراءة خلفية القرارات المثيرة للجدل. إذ تلاحظ مما يذكره عن ردود الفعل العاصفة على تمديد ولاية الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود وإصدار قرار 1559 بأنه كان هناك خلاف وحساسية بين لحود ورئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وبداية الخلاف كما سمعها الشرع من الرئيس لحود تعود إلى وصول حقيبة من الحريري إلى العماد إميل لحود عندما كان قائدا للجيش فوجد فيها كدسة من الدولارات فسلمها بوصفها هبة إلى الجيش اللبناني ما يعني أن المال السياسي ضمن أجندة الشخصيات المؤثرة.

ويعترف الحريري أمام فاروق الشرع بأنه قد وضع اسم لحود على رأس الأسماء المرشحة لرئاسة لبنان لأنه كان متأكدا بأن الرئيس حافظ الأسد يرفضه حين يمرره جاك شيراك في قائمة المرشحين التوافقيين. ومما يذكره الشرع من لقاءات شخصية مع الحريري زيارة الأخير إلى شقته في دمشق وتعليقه على ما يراه من الصالون والأثاث البسيط بأنه لا يليق بوزير خارجية سوري. وقد تجاهل تلميحاته بتقديم المساعدة.

لا شك أن الحريري كان رجل أعمال ناجحا ويشهد له بدوره في إعادة إعمار بيروت وهو يخبر الشرع بأن أول مليون حصل عليه قد أدى إلى غيابه عن الوعي لعدة دقائق، ولكن مع تراكم الأموال لا تهز ملايين الدولارات شعرة من رأسه. وفي ذات السياق يشير إلى صداقة متينة بين الحريري وعبدالحليم خدام وتضلع الأخير في إصدار قرارات ضد سوريا.

يكرس الشرع فصلا كاملا من كتابه لرصد تداعيات اغتيال الحريري على علاقات سوريا مع الجوار العربي والعالم، وفتور التواصل بين النظام السوري والدول الصديقة. ويقدم بسرد بانورامي متسلسل وبلغة منسابة الملفات والأحداث التي تفصل المنطقة عن لحظة الانفجار العظيم بدءا من حرب 2006 إلى ضرب إسرائيل لدير الزور ومحاولات إحياء خط السلام مع سوريا ودور تركيا على هذا الصعيد مرورا بقمة الدوحة.

أدرك الشرع أن حركة عدم الانحياز قد انتهى عهدها نهاية بقمة سرت 2010 ذلك كله يقع في إطار مذكراته دون أن يغض الطرف عن واقع سوريا وتعاظم دور الدولة العميقة في إدارة ملفاتها الأمنية والاقتصادية. لعل نقطة التنوير في الفصل الذي يتناول قمة سرت هي ما يقوله الشرع بأنه لم ير طوال العقود الماضية لامبالاة في القمم العربية كما شاهده في سرت. ويختم هذا القسم بتعقيب على ما قرأه في أحد المواقع الإلكترونية عن قمة سرت “قمة سرت مكانك سرت” قائلا بأن من كتب هذه الجملة لم يعرف بأن العالم العربي لن يبقى في مكانه بل سيهتز قريبا بكل من عليه لأن التاريخ حسب رأي الشرع يتغير لكنه لا ينتهي.

الشرع يقدم في مذكراته بسرد بانورامي وبلغة منسابة الملفات والأحداث التي تفصل المنطقة عن لحظة الانفجار العظيم

المتوقع من كتاب ينشره وزير خارجية سوريا الذي يصبح نائبا لرئيس الجمهورية لاحقا أن يتضمن معلومات عن شخصية الرئيس ومنهجه في ملعب السياسة الداخلية والخارجية. فعلا لا يخيب ما يرد في مذكرات الشرع أفق توقع القارئ لكنه لا يسرد سيرة الأسد الثاني بقدر ما يقدم تلميحات تغنيك عن التفصيل. منها أنه تستهويه المعلوماتية ولم يكن مفتونا بالبزة العسكرية مثل عمه رفعت ولا بركوب الخيل كأخيه الراحل باسل، لكن اتضخ مبكرا بأنه مولع مثلهما بالسلطة والثروة معا.

وربما ليس أمرا طارئا أن يصاب الحاكم في الشرق بالانفصال عن الجماهير بينما كانت مدينة درعا تغلي بالغضب ما انفك الرئيس السابق يكرر بأنه لا يهمه سوى الاعتداء على تمثال الوالد أما صوره الشخصية فأمر ثانوي. وما اعتاد عليه بشار الأسد هو الموافقة بلطف ولباقة مع محاوريه وجها لوجه في اللقاء الرسمي والتراجع عن الموافقة بعد مغادرة الوفد لمطار دمشق.

يعترف فاروق الشرع بأنه قد تأخر في معرفة أعراض سايكوباتية في شخصية الرئيس ونرجسيته المفرطة. ويحيلك إلى جملة من المواقف والسلوكيات التي تؤكد انفصام بشار الأسد عن واقع شعبه وتماهيه مع الصورة المتخيلة عن ذاته. ولا مغالاة في القول بأن كل حاكم أيا كان حجم مسؤولياته عنده استعداد للانجراف نحو الافتتان بالذات والانفصال عن الواقع حين ينفرد بالقبض على مفاتيح السلطة.

ما يستحق التنويه في مذكرات الشرع هو أسلوبه المهذب ولغته السامية في التعبير وذكر الشخصيات السياسية حتى ولو كانت من معسكر الخصم. وينأى بنفسه في سرده للمواقف عن العبارات المبتذلة ويبتعد عن الإساءة لأي شخصية من سوريا أو خارجها وفي ذلك درس لمن يريد معرفة صيغة التحليل ورواية التاريخ.

وما يستدعي الاستغراب أن القراءات التي نشرت لمذكرات الشرع لم تكن إلا انتقائية ومبتسرة بحيث توهم المتابع بأن الكتاب بفصل واحد. وهذه محنة ما بعدها محنة. يذكر فاروق الشرع في الصفحات الأخيرة بأن السوريين كانوا في الماضي لاعبين محنكين وهذا ما اعترف به الأصدقاء والأعداء. ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه كيف تكون صورة سوريا في المستقبل؟ هل تحتفظ بدورها في الواقع الإقليمي والعالمي؟

10