عمان تصعد أدراجها نحو الجمال والهوية

أمانة عمان الكبرى تواصل تنفيذ أعمال صيانة الأدراج المنتشرة في مختلف مناطق العاصمة.
الاثنين 2025/09/22
ترميم ذاكرة

تواصل أمانة عمان الكبرى صيانة الأدراج التاريخية ضمن خطة لإعادة تأهيلها وربطها بالمسارات السياحية والثقافية، والأدراج التي تحمل أسماء وحكايات، باتت منصات ثقافية تجمع بين الجمال المعماري والوظيفة الاجتماعية، وتُحيي ذاكرة المدينة.

عمان - تواصل أمانة عمان الكبرى تنفيذ أعمال صيانة الأدراج المنتشرة في مختلف مناطق العاصمة، ضمن خطة شاملة لإعادة تأهيلها، في إطار سعيها المستمر لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، والحفاظ على الطابع المعماري والتاريخي للمدينة.

وفي هذا السياق، أطلقت الأمانة مطلع الأسبوع الماضي من مدرج الملك الحسين وسط البلد، سلسلة ملتقيات بعنوان “أدراج عمّان.. مدينة الأدراج التاريخية”، بتنظيم من مديرية مشاريع أحياء عمّان والمسارات السياحية، بهدف تسليط الضوء على الإرث العمراني للمدينة، وإعادة إحياء هذه المواقع كجزء من الهوية الثقافية والحضرية للعاصمة.

وفي بيان صدر الأحد، أعلنت الأمانة أنها تعمل على إعادة تأهيل 150 درجًا في مناطق متعددة تشمل: اليرموك، رأس العين، بدر، نزال، طارق، العبدلي، زهران، صويلح، المدينة، وأبو نصير. وقد تم الانتهاء من صيانة 50 درجًا حتى الآن، فيما يتجاوز عدد الأدراج في العاصمة 14 ألف درج، ما يجعل المشروع طويل الأمد ويستدعي جهودًا متواصلة لضمان السلامة العامة والديمومة.

وتشمل أعمال الصيانة إزالة الأدراج الخرسانية القديمة والمتهالكة، وإعادة إنشائها وفق تصاميم حديثة تراعي الطابع المعماري للمدينة، وتضفي عليها لمسة جمالية تحاكي روح عمّان وتاريخها.

وقال مدير مدينة عمّان بالإنابة، المهندس نبيل الجريري، إن الأمانة تحتفي اليوم بأحد الأدراج العريقة التي تحمل ذاكرة حيّة وروح المدينة، مشيرًا إلى أن هذه الأدراج ليست مجرد مسارات حجرية، بل تشكل جزءًا من هوية عمّان الحضرية والثقافية. وأضاف أن اختيار هذه المواقع يهدف إلى إبراز معالم المدينة القديمة كمنصات للحياة الثقافية والإبداعية، ومنح الأجيال الجديدة فرصة لاكتشاف جمال مدينتهم.

وتضفي الأدراج في عمّان طابعًا فريدًا على المدينة، فهي ليست مجرد ممرات تربط بين الأحياء، بل أبواب تقود إلى قلب العاصمة، حيث تتنفس المدينة بدايات نهارها عبر القادمين من جبالها السبعة. لكل درج اسم وحكاية، اكتسبهما عبر الزمن، من “درج الكلْحة” الشهير إلى “درج الياسمين”، مرورًا بأدراج ارتبطت بجبال عمّان، كدرج “جبال عمّان” الذي يفضي إلى شارع الملك طلال، أحد أقدم شوارع العاصمة.

ويُقدّر عدد الأدراج الشهيرة في عمّان بنحو 17 درجًا، منذ تأسيس بلدية المدينة عام 1909، عدا الأدراج التاريخية التي تعاقبت على المدينة في جبل القلعة ومنطقة الشابسوغ وغيرها، والتي شهدت تطورًا معماريًا مع توسع المدينة، حتى باتت تمثل سمة من سماتها، ويتراوح طولها بين 120 و350 درجة.

الأدراج في عمّان لم تعد مجرد ممرات
الأدراج في عمّان لم تعد مجرد ممرات

لم تعد الأدراج في عمّان مجرد ممرات، بل تحولت إلى وجهات سياحية وثقافية محببة للمواطنين والزوار، بعد أن تم ترميمها وطلاؤها بألوان مبهجة، وتحولت البيوت المطلة عليها إلى مقاهٍ ومسارح ودور سينما، مثل درج “سينما الأردن” و”فيرساي”، الذي أصبح يُعرف لاحقًا بمسرح البلد.

وتُقام على هذه الأدراج فعاليات فنية وثقافية، منها عزف موسيقى الجاز في الهواء الطلق، بهدف إعادة الحياة إلى المدينة القديمة، وإحياء السهرات والجلسات التي كانت تقام عليها في الماضي، حيث كانت تجمع الناس، وبالأخص الشباب الأردني.

وقد تم اختيار أدراج عمّان القديمة لعراقتها ومكانتها الثقافية والتاريخية، واهتمامًا بإعادة إحياء رونقها، حيث كانت وما تزال تربط بين جبال عمّان وسوقها التجارية، وتشكل نقطة التقاء بين الماضي والحاضر.

ولكل درج في عمّان اسم يروي جزءًا من تاريخ المدينة، فـ”درج الكلْحة” يعود إلى عائلة الكلحة التي سكنت البيوت المحيطة به منذ أربعينات القرن الماضي، و”درج جويبر” أو “الكواكب” يعود إلى بيت الشيخ جويبر جازي العتيبي الحجازي، أحد رجالات الثورة العربية الكبرى.

أما “درج منكو”، فيشرف على أول سوق تجارية أُنشئت في عمّان منتصف العشرينات، و”درج الشرعية” سُمي نسبة إلى المحكمة الشرعية التي تتربع على ربوة في أعلاه، فيما يقع “درج المحكمة” قرب قصر العدل القديم، و”درج الاستقلال” قرب البريد المركزي، وسُمي نسبة إلى مكتبة الاستقلال، أقدم مكتبة في عمّان.

تسعى أمانة عمّان الكبرى، من خلال أعمال الصيانة والترميم، إلى الحفاظ على هذه الأدراج كجزء من ذاكرة المدينة، وإعادة إحيائها لتكون فضاءات نابضة بالحياة، تجمع بين الجمال المعماري والوظيفة الاجتماعية والثقافية.

وبينما تستمر أعمال التأهيل، تبقى أدراج عمّان شاهدة على تحولات المدينة، ومرآة تعكس روحها، وتربط بين ماضيها العريق وحاضرها المتجدد، في مشهد حضري لا يشبه إلا عمّان.

12