ضغط العقوبات يضيق الخناق الاقتصادي على إيران

السلطات تكافح لتجنب الانهيار وسط سخط شعبي جراء المعاناة من ارتفاع الأسعار وتقلص الدخل.
الخميس 2025/10/23
لا نهاية للمعاناة مع التضخم

تواجه إيران تحديات اقتصادية متزايدة في ظل تصاعد وتيرة العقوبات الغربية، التي تستهدف قطاعات حيوية من اقتصادها مثل النفط والتمويل والتجارة الخارجية، ما قد يؤدي إلى مخاطر الركود وتجدد الاضطرابات الاجتماعية ضد السلطة جراء الضغوط المعيشية الخانقة.

طهران - يجمع مسؤولون ومحللون على أن الاقتصاد الإيراني يواجه خطر حدوث تضخم مفرط وركود عميق في آن واحد، في الوقت الذي يسعى فيه الحكام الدينيون للحفاظ على الاستقرار في ظل محدودية الخيارات المتاحة لهم بعد إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة.

ويأتي ذلك بعد انهيار المحادثات الرامية إلى الحد من أنشطة إيران النووية المثيرة للخلاف وبرنامجها للصواريخ الباليستية. ويقول الجانبان الإيراني والأميركي إن حل الأزمة عبر السبل الدبلوماسية لا يزال ممكنا، رغم أن الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي رفض عرض الرئيس دونالد ترامب إبرام اتفاق جديد.

وذكر ثلاثة مسؤولين إيرانيين كبار، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، أن طهران تعتقد أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين وإسرائيل يشددون العقوبات لتأجيج الاضطرابات في إيران وتعريض وجود البلاد للخطر.

وقال المسؤولون لرويترز إنه “منذ إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة في 28 سبتمبر، عُقدت عدة اجتماعات عالية المستوى في طهران بشأن كيفية تفادي الانهيار الاقتصادي وكذلك الالتفاف على العقوبات ومعالجة الغضب الشعبي المتصاعد.”

وأدت الفوارق الاقتصادية الآخذة في الاتساع بين الإيرانيين العاديين والنخبة الدينية والأمنية بالإضافة إلى سوء الإدارة الاقتصادية والتضخم المتسارع والفساد، الذي تناقلته حتى وسائل الإعلام الرسمية، إلى تأجيج السخط.

وقال أحد المسؤولين الثلاثة إن “المؤسسة الحاكمة تعلم أن الاحتجاجات حتمية، إنها مسألة وقت فقط… المشكلة تتفاقم، بينما تتقلص خياراتنا.” وتعتمد القيادة الإيرانية بشكل كبير على “اقتصاد المقاومة”، وهي إستراتيجية للاكتفاء الذاتي وتعزيز التجارة مع الصين وروسيا وبعض دول الجوار.

أومود شكري: تأثير عقوبات الأمم المتحدة سيكون شديدا ومتعدد الأوجه
أومود شكري: تأثير عقوبات الأمم المتحدة سيكون شديدا ومتعدد الأوجه

وتدعم موسكو وبكين حق إيران في الحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية، وندد البلدان بالضربات الأميركية والإسرائيلية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية في يونيو. لكن المحللين يحذرون من أن مثل هذه الحلول قد لا تكون كافية لحماية البلد مترامي الأطراف الذي يبلغ عدد سكانه 92 مليون نسمة من الضربة الاقتصادية المتجددة.

وقال أومود شكري المحلل في مجال الطاقة وزميل زائر بارز في جامعة جورج ميسون بالقرب من واشنطن “سيكون تأثير عقوبات الأمم المتحدة شديدا ومتعدد الأوجه، ما يزيد نقاط الضعف الهيكلية والمالية التي تعاني منها البلاد منذ فترة طويلة.”

وأضاف “تواجه الحكومة صعوبات كبيرة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، إذ تُعطل العقوبات الشبكات المصرفية وتُقيد التجارة وتحد من صادرات النفط -مصدر الدخل الرئيسي للبلاد- ما يؤدي إلى تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية.”

وتجنبت إيران الانهيار الاقتصادي التام منذ عام 2018 عندما أعلن ترامب خلال ولايته الأولى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع ست قوى عالمية عام 2015 وكذلك إعادة فرض العقوبات الأميركية.

لكن أحد المسؤولين قال إن “إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة الأوسع نطاقا تسببت في صدمات من شأنها إعاقة النمو الاقتصادي وتسريع التضخم وانهيار الريال، ما يدفع الاقتصاد نحو دوامة الركود.”

وانكمش الاقتصاد الإيراني بشكل حاد بعد عام 2018 بسبب إعادة فرض العقوبات الأميركية. وانتعش في عام 2020 ليسجل نموا متواضعا في بعض الأحيان، ويعود ذلك بشكل كبير إلى تجارة النفط مع الصين.

لكن البنك الدولي توقع هذا الشهر انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.7 في المئة في عام 2025 و2.8 في المئة في عام 2026، بانخفاض حاد عن توقعاته في أبريل بنمو عند 0.7 في المئة العام المقبل.

وفي حين أن طهران لا تزال تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط إلى الصين، أكبر زبائنها وإحدى الدول القليلة التي لا تزال تتعامل معها على الرغم من سياسة “أقصى الضغوط” التي يمارسها ترامب، إلا أن الشكوك تحوم حول استدامة هذه التجارة.

1

ورغم بيع النفط الخام بسعر مخفض، إلا أنه لا يزال مصدرا حيويا للدخل بالنسبة إلى طهران، حيث شكل النفط والبتروكيماويات حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024.

ورغم التأكيدات العلنية بأن مبيعات النفط إلى الصين ستستمر، قال أحد المسؤولين الإيرانيين إن العقوبات العالمية التي أعيد فرضها قد تعيق هذا التدفق.

ويعتقد شكري أنه إذا سعت الصين إلى تخفيف التوتر مع إدارة ترامب، فقد تتشدد في موقفها من النفط الإيراني -عبر المطالبة بتخفيضات أكبر أو قطع الواردات تماما.

وأشار إلى أنه بالنسبة إلى طهران قد تكون التكاليف مدمرة. وقال إن “كل دولار يتم اقتطاعه من سعر النفط يُترجم إلى خسارة في العائدات السنوية تُقدر بنحو نصف مليار دولار.”

وهبط الريال الإيراني إلى مستوى 1115 ألف ريال للدولار، من 920 ألفا في أغسطس، ما أدى إلى ارتفاع التضخم إلى 40 في المئة على الأقل رغم أن بعض التقديرات تضعه عند 50 في المئة وتراجع القوة الشرائية.

1.7

في المئة الانكماش الاقتصادي المتوقع هذا العام و2.8 في المئة العام المقبل وفق البنك الدولي

ويؤدي انخفاض قيمة العملة والعقوبات التجارية المستمرة إلى ارتفاع الأسعار وتقويض ثقة المستثمرين. ولا يستطيع الكثير من الإيرانيين التغلب على الصعوبات، إذ يسود شعور اليأس في المجتمع ويؤثر على المهنيين في المناطق الحضرية وتجار البازارات والمزارعين الريفيين على حد سواء.

وقال علي رضا (43 عاما) عبر الهاتف من طهران “إلى أي مدى يفترض أن نتحمل المزيد من الضغوط؟ إلى متى؟ أنا موظف حكومي، وأتقاضى 34 مليون تومان (عملة يستخدمها الإيرانيون) (حوالي 300 دولار أميركي) فقط شهريا.”

وكغيره، طلب عدم الكشف عن هويته خوفا من انتقام السلطات. وأضاف “زوجتي بلا عمل. أغلقت شركة الاستيراد والتصدير التي كانت تعمل فيها الشهر الماضي. براتبي فقط أنا وطفلاي، نحن نعاني حتى لدفع الإيجار ومصاريف المدرسة. ماذا عسانا أن نفعل؟”

وأظهرت البيانات الرسمية في سبتمبر أن أسعار 10 سلع أساسية، من بينها اللحوم والأرز والدجاج، ارتفعت بنسبة 51 في المئة في عام واحد. كما ارتفعت تكاليف السكن والمرافق. ويصل سعر كيلو اللحم البقري الآن إلى 12 دولارا، وهو سعر باهظ للغاية بالنسبة إلى الكثير من الأسر.

وقال المسؤول الثاني إن “النخبة الدينية تشعر بقلق متزايد من احتمال أن يشعل العوز الشعبي المتزايد من جديد الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت بشكل متكرر منذ عام 2017 بين الإيرانيين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط.”

ويشعر الكثير من الإيرانيين بالقلق من أن تدفعهم العقوبات الموسعة إلى ما بعد نقطة الانهيار، ومن بينهم سيما (32 عاما) التي تعمل في مصنع بمدينة شيراز في وسط البلاد وأنهكتها سنوات من الضغوط الاقتصادية.

وقالت سيما “يقولون الآن إننا نواجه عقوبات جديدة مرة أخرى، لكننا نواجه بالفعل صعوبات لإعالة أطفالنا الثلاثة. فالأسعار ترتفع كل يوم ولا يمكننا حتى شراء اللحم لهم مرة واحدة في الشهر.”

ويخشى الكثيرون من أصحاب الأعمال من تفاقم العزلة الدولية والمزيد من الضربات الجوية الإسرائيلية إذا لم تنجح الجهود الدبلوماسية في حل الأزمة النووية.

وقال مهدي، الذي يشحن الفاكهة إلى بلدان مجاورة، “مع الخوف المستمر من هجوم محتمل وعدم معرفة ما إذا كنت سأتمكن حتى من التصدير هذا الشهر أو الشهر المقبل، كيف يمكنني الحفاظ على استمرار تجارتي؟”

4