صفقات الإدراج تحت اختبار مكاسب البورصة المغربية
تزايدت مكاسب البورصة المغربية بشكل مطرد، وهو ما يعكس حيوية السوق، لكنها تثير تساؤلات حول قدرتها على الحفاظ على زخمها بشكل مستدام في الفترة المقبلة وتعزيز الثقة والاستثمار، ما يضع صفقات الإدراج تحت اختبار فعلي.
الرباط - حققت البورصة المغربية أداء لافتا هذا العام، مسجلة مكاسب قياسية على مستوى مؤشرها الرئيسي والقيمة الإجمالية وقاعدة المستثمرين. ومع ذلك، فإن محدودية وتيرة الإدراجات، تظل عاملا كابحا لتوسيع عمق السوق، وتحقيق دور أكبر في تمويل الاقتصاد.
وفي نهاية العام الماضي، كان المؤشر الرئيسي مازي عند 14773 نقطة، والآن يُحلق فوق 19 ألفا، ما يجعل مكاسب سوق الأسهم تتجاوز حتى العاشر من أغسطس 34 في المئة. وبات اختراق المؤشر لسقف 20 ألف نقطة مسألة وقت فقط.
وجعلت هذه القفزة قيمة البورصة تتجاوز تريليون درهم (100 مليار دولار تقريبا) الشهر الماضي، وأضافت حتى الآن أكثر من 3 مليارات دولار فوق ذلك لتحافظ على مكاسبها وتمضي نحو تحطيم رقم قياسي جديد.
أما المستثمرون فهم كثر وخاصة الأفراد. ففي يوليو طرحت أسهم شركة فيسين للتجهيزات الطبية بنحو 55 مليون دولار وتلقت طلبات بقيمة 3.2 مليار دولار من طرف 37 ألف مستثمر.
وخلال الشهر ذاته، فتحت الأشغال العامة للبناء بالدار البيضاء (تي.جي.سي.سي)، أكبر شركة بناء مُدرَجة، عملية زيادة رأسمالها بقيمة 234 مليون دولار للجمهور، حيث استقطبت 82 ألف مستثمر بطلبات اكتتاب بقيمة 9.2 مليار دولار.
ويوازي الرقم الضخم من قيمة الطلبات التي تلقتها الشركة ما استقطبته الطروحات منذ 2022 بنحو 9.8 مليار دولار.
وهذا يُبرز اهتمام المستثمرين بشركات قطاع الصحة، وقطاع البناء الذي يشهد زخما مدعوما بمشاريع ضخمة تنفذها البلاد استعدادا لاستضافة كأس العالم 2030.
ويرى فريد مزوار، المدير التنفيذي لمكتب التحليل المالي والبورصة أف.أل ماركتس أن “الزخم الذي تشهده البورصة يُوفر فرصةً لا تُعوض للشركات التي تفكر في الإدراج للإسراع بذلك”.
وقال لبلومبيرغ الشرق إن “العامين الحالي والمقبل قد يشهدان رقما قياسيا من الطروحات، فهناك العديد من الشركات التي عبّرت عن نيتها للإدراج”.
وتستفيد البورصة هذا العام من توقعات نمو اقتصادي مرتفعة إذ سيتجاوز نمو الناتج المحلي 4 في المئة، مُقابل 3.8 في المئة العام الماضي.
كما أن التضخم في مستوى مقبول وهو أقل من المستهدف اثنين في المئة، وأسعار الفائدة في مستويات منخفضة عند 2.25 في المئة، ما يدفع المستثمرين إلى ترجيح كفة الاستثمار في الأسهم بعيدا عن السندات.
وسبق أن قال طارق صنهاجي المدير العام للبورصة إن “البورصة تتمتع بقدرة فعلية على مواكبة المشاريع الاستثمارية الكبرى في المملكة، فضلا عن دعم الشركات مهما كان حجمها”.
وأوضح أن “الشركات تكبر وتزدهر كلما التحقت بالبورصة، بما يُتيح لها فرصا أوسع للنمو والتمويل، والمؤشر الرئيسي يحقق أرباحا تفوق 30 في المئة، ما يعكس ثقة المستثمرين في متانة الاقتصاد المغربي وآفاق تطور الشركات”.
وتسعى الحكومة إلى حث المزيد من الشركات على الإدراج وخصوصا الصغيرة والمتوسطة، مع توفر شروط مرنة خاصة تلك التي لا تتجاوز إيراداتها 50 مليون دولار.
ومن بين الحوافز خفض بنسبة 50 في المئة من الضريبة على الشركات لمدة ثلاث سنوات، إضافة إلى 50 في المئة للرسوم المطلوبة لإنجاز الطرح العام الأولي.
ويُلاحَظ أن الطروحات الأخيرة غابت عنها الحكومة، رغم أنها وضعت منذ سنوات برنامجا لتفويت مساهماتها في عدد من الشركات عبر خيارات عدة من ضمنها الإدراج في البورصة أو تفويت حصص من شركات مُدرَجة.
ويعتقد مزوار أن الحُكومة مطالبة بالمساهمة في ديناميكية البورصة بطرح شركات الدولة لتمويل خططها الاستثمارية، كمجموعة ميناء طنجة المتوسط والخطوط الملكية المغربية وشركة الطرق السيارة.
78
شركة مدرجة ولا يتجاوز عدد الطروحات عملية واحدة سنويا تتم غالبا بالنصف الثاني من العام
وقال إن “الإدراج سيُغني الحكومة عن اللجوء إلى القروض الخارجية التي تُمثل مخاطر من حيث الفائدة المرتفعة واستنزاف العملة الصعبة”.
وتضع الحكومة سنويا ضمن مشروع الميزانية توقعات الإيرادات من عمليات الخصخصة، وضمن الشركات التي تُخطط لبيع حصص فيها مرسى المغرب واتصالات المغرب وهما مُدرَجتان بالفعل.
ومن بين الشركات الأخرى فندق المامونية الشهير بمدينة مراكش وشركة الطاقة الكهربائية لتهدارت وشركة الإنتاجات البيولوجية والصيدلية البيطرية، إضافة إلى الشركة الوطنية لتسويق البذور.
وتُعاني سوق الأسهم من نقطة ضعف رئيسية تتمثل في محدودية العرض مقابل الطلب المتزايد من المستثمرين. فالبورصة تضم 78 شركة مُدرجة فقط، في وقت لا يتجاوز فيه عدد الطروحات الجديدة عملية واحدة سنويا تتم غالبا في النصف الثاني من العام.
ورغم تحديد هدف طموح برفع عدد الشركات المدرجة إلى 300 بحلول عام 2035، فإن تحقيقه يتطلب إدراج شركتين جديدتين كل شهر على مدى العقد المقبل.
ويقول مزوار إن الطروحات في السنوات الماضية حققت نجاحا كبيرا وشجعت شركات أخرى على اتخاذ نفس المسار، وهو ما عزز ثقة المستثمرين، لكنه أشار إلى أن “وتيرتها يجب أن ترتفع للاستفادة من الزخم المسجل حاليا”.
ولم تشهد الشركات المدرجة في السنوات الأخيرة أي تراجع يُذكر. ففي عام 2022 تم طرح أكديطال، أكبر مُشغلة للمستشفيات الخاصة بسعر 30 دولارا، ووصل بنهاية يوليو فوق 150 دولارا.
وفي حين أن بنك سي.أف.جي طرح أسهمه عام 2023 بسعر 10 دولارات وهو يُتداول حالياً عند 25 دولارا، فإن شركة فيسين، وهي أحدث وافد إلى البورصة في يوليو الماضي، فقد تضاعف سعرها إلى 46.5 دولارا بداية أغسطس.
ويأتي الأداء بينما تعززت ثقة المُستثمرين بشكل أكبر في ظل تنفيذ مشاريع ضخمة تُقدّر قيمتها بنحو 170 مليار دولار قبل استضافة المونديال.
وأغلب تلك المشاريع في البنية التحتية إضافة إلى منشآت تحلية مياه البحر والطاقات المتجددة ما قفز بأسهم قطاعي البنوك والبناء، بحسب تقرير للتجاري غلوبال ريسرش، وحدة الأبحاث التابعة للتجاري وفا بنك، أكبر بنوك البلاد.
والشهر الماضي، أصدرت شركة سي.آي.أتش كابيتال مانجمنت، التابعة لمصرف القرض العقاري والسياحي، تقريرا حذرت فيه من مخاوف بشأن التقييم المفرط لبعض القطاعات على رأسها البناء والرعاية الصحية، ولم تستبعد حُدوث تصحيح في المدى القصير.
وقال عبدالرزاق مغراوي، الرئيس التنفيذي لشركة سرفل أسيت مانجمنت، إن “هذا التحذير ليس بجديد”. وأضاف “ليست المرة الأولى التي يتم الحديث فيه عن تقييم مبالغ فيه في البورصة وتوجهها نحو التصحيح”.
وتابع “الزخم الحالي يعتمد على أسس اقتصادية متينة وآفاق جيدة وثقة قوية من طرف المستثمرين”. وأوضح أن بعض الشركات شهدت ارتفاعا في أسهمها وكان ذلك نتيجة النمو الكبير في أعمالها.
ومن بين الشركات أكديطال التي بدأت بالاستثمار خارج المغرب بما في ذلك السعودية، بالإضافة إلى تي.جي.سي.سي التي لديها مشاريع تطويرية كبيرة قيد الإنجاز.
وبحسب مغراوي، هناك تحول ملحوظ في تفضيلات المُستثمرين في سوق الأسهم، لقد أصبحوا يميلون نحو الشركات التي تحقق نموا ملموسا في أعمالها وتوسعا في مشاريعها الاستثمارية.
وأضاف “هذا الاتجاه يظهر بوضوح في إعلانات الشركات عن الصفقات والمشاريع الكبيرة وتأثيرها على حركة الأسهم، مما يعكس تحولا في إستراتيجيات الاستثمار نحو البحث عن فرص النمو المستدامة”.
وتستعد شركات محلية لعمليات طرح السنوات المقبلة، من بينها ديسلوك العاملة بمجالات المواد الغذائية والصحية والنظافة، وكاش بلسوهي أكبر شركة تحويل أموال وتغيير العملات ودفع الفواتير، إضافة إلى شركة أونكوراد العاملة بالقطاع الصحي الخاص.
أمام النمو المطرد للبورصة، تظهر من حين إلى آخر تحذيرات من تقييم مبالغ فيه لأسهم بعض الشركات.