رمسيس الثاني يستقبل زوار المتحف المصري الكبير
تمثال رمسيس الثاني، أحد أبرز ملوك مصر القديمة، اكتُشف عام 1820 في ميت رهينة، ونُقل إلى القاهرة عام 1955، ثم إلى المتحف المصري الكبير عام 2018 بعد ترميمه. يرمز التمثال إلى عبقرية الفنان المصري ويستقبل الزوار شامخًا في بهو المتحف.
في بهو المتحف المصري الكبير، يقف تمثال الملك رمسيس الثاني شامخًا، يرحّب بزوار أحد أعظم صروح الحضارة المصرية الحديثة، ويُجسّد عبقرية الفنان المصري القديم الذي نحت هذا التمثال قبل نحو ثلاثة آلاف عام. إنه ليس مجرد قطعة أثرية، بل شاهد حيّ على تاريخ طويل من القوة والرمزية والتنقل، من قرية ميت رهينة إلى قلب القاهرة، ثم إلى موقعه النهائي قرب أهرامات الجيزة.
وينتمي رمسيس الثاني إلى الأسرة التاسعة عشرة، وقد حكم مصر لمدة تقارب 66 عامًا (1279–1213 قبل الميلاد)، خلفًا لوالده الملك سيتي الأول. يُعدّ من أعظم ملوك مصر القديمة، إذ ترك إرثًا ضخمًا من المعابد والنقوش والتماثيل التي وثّق فيها معاركه العسكرية، وإنجازاته السياسية والدينية. ومن بين أبرز هذه التماثيل، ذلك المصنوع من الجرانيت الوردي، المستخرج من محاجر أسوان، والذي يبلغ طوله 11.35 مترًا ويزن نحو 83 طنًا.
وفي عام 1820، عثر المستكشف الإيطالي جيوفاني باتيستا كافيليا على التمثال مدفونًا تحت الرمال أمام معبد الإله بتاح في قرية ميت رهينة، التابعة لمركز البدرشين بمحافظة الجيزة. وقد وُجد التمثال في ستة أجزاء منفصلة، وظل في موقعه الأصلي لأكثر من 135 عامًا، ليبقى شاهدًا على عظمة الحضارة المصرية في قلب الريف الجيزي.
تمثال رمسيس الثاني لا يستعرض القوة فقط، بل يروي قصة مصر التي لا تزال تنحت حضورها في ذاكرة العالم
وفي عام 1955، قررت السلطات المصرية نقل التمثال إلى ميدان باب الحديد في وسط القاهرة، ليحل محل تمثال “نهضة مصر” الذي كان قائمًا هناك. جرى نقل التمثال راقدًا فوق عربات ضخمة، ثم بدأت عمليات ترميمه وتجميع أجزائه، بما في ذلك استكمال التاج الملكي وبعض القطع المفقودة. نُصب التمثال في وضع الوقوف أمام محطة سكك حديد مصر، وتحوّل إلى معلم بارز في العاصمة، حتى تغيّر اسم الميدان إلى “ميدان رمسيس”، وأُقيمت أمامه نافورة متدفقة، لتصبح صورته رمزًا شهيرًا للمدينة، تتصدّر البطاقات البريدية التي تُرسل من القاهرة إلى أنحاء العالم.
ومع مرور الوقت، بدأت تتزايد مخاوف خبراء الآثار من تأثير التلوث البيئي في وسط القاهرة على بنية التمثال ونقوشه، بالإضافة إلى الاهتزازات الأرضية الناتجة عن حركة القطارات اليومية وتشغيل مترو الأنفاق. وفي عام 2004، بدأت دراسات جادة لنقله إلى موقع أكثر أمانًا، تمهيدًا لضمه إلى مقتنيات المتحف المصري الكبير الذي كان قيد الإنشاء آنذاك.
وفي يوليو 2006، نفّذت شركة المقاولون العرب محاكاة لعملية النقل باستخدام مجسم مطابق للتمثال الأصلي، يزن 83 طنًا. وبعد تحضيرات واسعة لتمهيد الطريق، بدأت عملية النقل الفعلية في 25 أغسطس من العام نفسه. أُحيط التمثال بقميص حديدي ورغوة مطاطية لحمايته، ونُقل على مدى 11 ساعة، قاطعًا مسافة 30 كيلومترًا عبر شوارع القاهرة، في موكب ليلي مهيب تابعه الملايين عبر شاشات التلفزيون، حتى وصوله إلى موقعه المؤقت قرب ميدان الرماية.
وبعد ترميم التمثال وتجهيز موقعه الجديد في بهو المتحف المصري الكبير، نُفذت عملية النقل الثانية في 25 يناير 2018، بالتعاون بين شركة المقاولون العرب والهيئة الهندسية للقوات المسلحة. جرى نقل التمثال لمسافة 400 متر، واستقر فوق قاعدة جديدة، ليصبح الملك رمسيس الثاني أول من يستقبل الزوار في هذا الصرح الثقافي الضخم، الذي يُعدّ من أكبر المتاحف الأثرية في العالم.
رحلة تمثال رمسيس الثاني ليست مجرد قصة نقل أثر، بل هي سردية وطنية وثقافية تعبّر عن احترام مصر لتراثها، وقدرتها على الحفاظ عليه في مواجهة الزمن والتحديات. التمثال الذي عبر من الريف إلى العاصمة، ومن قلب المدينة إلى المتحف، يُجسّد ليس فقط عظمة الملك، بل أيضًا عظمة الحرفية المصرية القديمة، والوعي الحديث بأهمية صون التاريخ.