دعوة الحكومة المغربية إلى الحوار مع "جيل زد" تفتح الطريق إلى التهدئة
الرباط- مثل التجاوب الحكومي مع احتجاجات “جيل زد” ودعوة رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى الحوار خطوة مهمة لتهدئة الخواطر لدى مجموعات شبابية انساقت إلى التظاهر احتجاجا على التهميش وغياب قنوات الحوار مع المؤسسات بما في ذلك الحكومة والبرلمان.
وقال متابعون للاحتجاجات إن الكثير من المشاركين اعتبروا أن رغبة الحكومة في الحوار هي أول الحل، لأن ذلك يمثل اعترافا بمشروعية الاحتجاجات والشعارات المرفوعة، وإن الحوار من شأنه أن يهدّئ النفوس ويمتص حالة الغضب التي حاول البعض دفعها إلى أن تتحول إلى صدام مع قوات الأمن والاعتداء بالحرق والتخريب على المؤسسات العامة والخاصة.
وبادر المحتجون إلى التبرؤ من العنف والتخريب والتمسك بالتحرك السلمي، وهو ما من شأنه أن يسحب البساط ممن يعملون على اختراق الاحتجاجات وإظهارها كما لو أنها تصعيد ضد الدولة ومؤسساتها ومحاولة استثمارها في تشويه صورة المغرب إعلاميا وسياسيا.
حسن خرجوج: المشكلة تكمن في صعوبة تحديد الجهة التي تدير هذا الخطاب التوجيهي بسبب كثرة الحسابات الوهمية
وحث المتابعون الحكومة على التحرك وفتح قنوات الحوار مع المحتجين من خلال لقاء ممثلين عنهم في كل المدن التي شهدت تظاهرات، وعرض خططها لتطوير وضع الصحة والتعليم والبنية التحتية، مثلما جاء في الموقف الحكومي مساء الخميس، وإظهار رحابة الصدر في الاستماع إلى مشاغل المحتجين وبناء الثقة معهم وطمأنتهم إلى أن مطالبهم مشروعة، مع إقناعهم بالسعي إلى النأي بالاحتجاجات عن الأجندات المشبوهة والتبرّؤ منها وفضحها أمام الرأي العام.
لكن الاعتراف بمشروعية الاحتجاجات لا يعني إغفال النظر عن وجود أياد خارجية تعمل على استثمارها لاستهداف صورة المغرب وتشويهها عبر التضخيم وافتعال فيديوهات بهدف تذكية الغضب وتوجيه المحتجين.
وفي هذا السياق، كشف المجلس المغربي لحقوق الإنسان عن رصده للعديد من التعبيرات الرقمية التي تضمّنت محتوى مضللا ودعوات صريحة وخطيرة للعنف والتحريض عليه، بالتزامن مع الاحتجاجات التي شهدتها مدن مغربية. وأوضح المجلس في خلاصات وتوصيات أولية أن فرقه رصدت عبر منصات التواصل الاجتماعي دعوات لإحراق مؤسسات حكومية واستهداف مسؤولين والتهديد بالتصفية، مشيرا إلى أن التدقيق أظهر أن أصل العديد من الحسابات المستخدمة يعود إلى دول أجنبية.
وأشار المجلس إلى أن هذه الحسابات تميزت بكونها حديثة الإنشاء، أو مغلقة، أو لا تحتوي على أيّ منشورات، ما يثير تساؤلات حول الجهات التي تقف خلفها، كما أكد أن احتجاجات الشباب انطلقت في بدايتها بشكل سلمي للمطالبة بحقوق مشروعة، لكن بعضها عرف لاحقا أعمال عنف وانحرافات خطيرة.
وخرجت مسيرات في بعض المدن المغربية قادها شبان ما يُعرف بـ”جيل زد”، مطالبين بتحسين خدمات الصحة والتعليم وضمان الحق في العيش الكريم، سرعان ما انحرفت إلى العنف وأعمال تخريب طالت الممتلكات العامة والخاصة، بينها سيارات أمنية وخاصة ومحلات تجارية ومؤسسات إدارية وبنوك.
وأعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، في تصريح له الخميس، عن سقوط 3 قتلى و354 مصابا وإحراق 446 سيارة وتخريب 80 مرفقا عاما وخاصا في 23 إقليما، وذلك في حصيلة رسمية للمواجهات وأحداث العنف والتخريب، مشيرا إلى أن ما بين 70 و100 في المئة من مثيري الشغب قاصرون.
ودعا نبيل الأندلوسي رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية الشباب إلى أن يحصنوا أشكالهم النضالية، ويقطعوا الطريق عن أيّ محاولة لاستغلال أو توظيف هذا الحراك الشبابي للمس بالاستقرار، كما أن الحكومة مطالبة وبشكل استعجالي بالتفاعل إيجابيا مع مطالب هؤلاء الشباب، بكل مسؤولية وجدية.
نبيل الأندلوسي: على المحتجين منع توظيف حراكهم للمس بالاستقرار
ولفت نبيل الأندلوسي، في تصريح لـ”العرب”،إلى أن أصوات الشباب تعكس حيوية المجتمع وتطلعه نحو العدالة الاجتماعية والكرامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولا يمكن النظر إلى هذه التعبيرات إلا باعتبارها جزءا من الديناميكية الديمقراطية التي راكمها المغرب عبر سنوات، غير أن هذا الحق لا ينفصل عن المسؤولية، ومن الواجب، الحرص على سلمية الفعل الاحتجاجي وصونه من أيّ انزلاق نحو العنف أو استهداف الأشخاص والمؤسسات.
وعلى المستوى التقني أكد حسن خرجوج، خبير في الأمن السيبراني والتحليل الرقمي، أن الحسابات الوهمية لا تنشط فقط عبر الاختراق المعلوماتي للمستخدمين من الشباب وغيرهم، بل تشتغل على الاختراق الفكري، من خلال توجيه الأفكار والنقاشات نحو التحريض على العنف وخطاب التخريب.
وأوضح حسن خرجوج، لـ”العرب”، أن المشكلة تكمن في صعوبة تحديد الجهة التي تدير هذا الخطاب التوجيهي بسبب كثرة الحسابات الوهمية.
وأعلن وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء للرأي العام أنه تم إيقاف شخص من طرف عناصر الشرطة القضائية حيث أبانت الأبحاث أن المعني بالأمر يتوفر على مجموعة من الحسابات بمواقع التواصل الاجتماعي، وأنه كان يقوم بنشر صور وفيديوهات للاحتجاجات ببعض الدول الأجنبية التي شهدت أحداث عنف ودمجها مع مظاهر للاحتجاج داخل التراب المغربي بغاية تحريض الأشخاص للخروج إلى الشارع للاحتجاج.
وبخصوص التمييز بين الحسابات الحقيقية والافتراضية في منصة “ديسكورد” التي استعملها عدد من شباب “جيل زد”، قال حسن خرجوج، الخبير في الأمن السيبراني والتحليل الرقمي إن كل من ينشر خطاب كراهية أو يحرّض على العنف يتم حظره فورا، ممّا يساهم في الحد من انتشار هذه الحسابات الوهمية.
وسجل المجلس المغربي لحقوق الإنسان في إفادته وقوع أعمال شملت رشق الحجارة والسرقة وإحراق سيارات وإتلاف ممتلكات، بالإضافة إلى ما وصفه ببعض أشكال التدخل غير الملائمة، معتبرا الفضاء الرقمي حاضنا أساسيا لانخراط الشباب وتعبيراتهم.