تنويع الإيرادات يفرض حوكمة إدارة الأصول السيادية في الكويت
عادت خطط إصلاح الاقتصادي في الكويت إلى الواجهة مع تجدد النقاشات بشأن توجه الحكومة لتأسيس صندوق سيادي جديد، حيث تتباين آراء أوساط الخبراء مع دوائر صناع القرار حول ما إذا كان توجها قد يبدد موارد الدولة أم أنه سيسهم في دعم القطاع الخاص.
الكويت - تدرس الحكومة الكويتية مسألة تأسيس صندوق سيادي ثالث لتوظيفه على النحو الأمثل في دعم الشركات الخاصة، بما يقطع مع رؤيتها القديمة للتنمية الاقتصادية المتعطشة إلى تنويع الإيرادات من مصادر غير النفط.
وسيكون الكيان الاستثماري الجديد الذي يحمل اسم “شركة الكوت للاستثمار”، حال إقراره، أحدث الوافدين إلى نادي الصناديق السيادية الخليجية، برأسمال يبلغ 50 مليار دينار (164 مليار دولار).
ومن المزمع أن يعمل الصندوق في مجالات متنوعة تشمل الطاقة والنقل والبنية التحتية والمدن الذكية والمناطق الصناعية.
وحسب دراسة أعدتها وزارة المالية وعرضتها على لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس الوزراء، فإن الشركة يمكنها تخفيف العبء المالي عن الميزانية العامة بنسبة قد تصل إلى 30 في المئة، وستحقق إيرادات سنوية بدءاً من عام 2030 تبلغ 3.3 مليار دولار.
وتملك الكويت تاريخا عريقا في إدارة الصناديق السيادية منذ خمسينات القرن الماضي، حين أطلقت أول كيان من نوعه في العالم، والذي تديره حالياً الهيئة العامة للاستثمار (صندوق الثروة السيادي).
وتنبه البلد مبكراً لخطورة الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات العامة فأسس صندوق الأجيال القادمة، وهو اسم يحمل دلالات تشير إلى هدفه وإستراتيجيته بعيدة المدى.
لكن الصندوق شهد في السنوات الثلاث الأخيرة تباطؤاً في النشاط وسط تغييرات في إدارته تركت آثارها على قراراته، بينما كانت صناديق الثروة الخليجية تسجل قفزات جعلت الرياض وأبوظبي والدوحة قبلة للمؤسسات المالية الباحثة عن صفقات ضخمة.
وسبق أن ذكر دييغو لوبيز، المدير الإداري لمؤسسة صناديق الثروة السيادية العالمية (أس.دبليو.أف.أي)، أنه “نظرا لحجم ميزانيته وتاريخه كمستثمر عالمي، يمكن القول إن الصندوق الكويتي يفقد بريقه مقابل الصناديق السيادية الإقليمية الأكثر استقراراً ونشاطا.”
وأوضح أن أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك هو التغييرات السياسية العديدة التي مرّت بها الكويت مؤخراً، وخيّمت بدورها على مجلس الإدارة والقيادة التنفيذية في كل من هيئة الاستثمار والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي.
ومع ذلك لا تزال هيئة الاستثمار رغم التراجع تحتفظ بمكانتها بأصول تقترب من تريليون دولار، وفق تقديرات أس.دبليو.أف.أي، ما يضعها ضمن أكبر خمس مؤسسات من هذا النوع في العالم.
وتدير الهيئة صندوقي الأجيال القادمة البالغ حجمه 700 مليار دولار، والاحتياطي العام، الذي يعمل كأمين للخزانة العامة للدولة.
وسيركز صندوق الكوت استثماراته على السوق المحلية مع اهتمام ببقية أسواق المنطقة، على عكس استثمارات الهيئة التي تتركز منذ تأسيسها في الخارج.
وتتوزع حالياً بين الولايات المتحدة، التي تستحوذ وحدها على أكثر من نصف الاستثمارات الكويتية السيادية، وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي.
ووفق مصدر مطلع تحدث لبلومبيرغ الشرق الأحد، فإن الحكومة لم تتخذ قراراً حتى الآن بالمضي قدماً في تأسيس الصندوق أو رفض الاقتراح، رغم استقالة وزيرة المالية نورة الفصام التي أشرفت على إعداد الدراسة.
واستبعد أن يؤثر تغيير الوزيرة على القرار لأن الاقتراح لم يكن مبادرة فردية وإنما هو دراسة متكاملة اشتركت كل أجهزة الوزارة في إعدادها.
لكن المصدر، الذي لم يتم الكشف عن اسمه، أشار إلى أن المخاوف الحقيقية هي من تأثير عدم الاستقرار في هذا المنصب، حيث يمكن أن تؤدي عمليات الإطاحة السريعة المتكررة بحامل حقيبة المالية إلى التشكيك في القدرة على إدارة الصندوق الجديد بكفاءة.
وجاءت استقالة الفصام بعد أقل من عام من توليها منصبها، وعلى مدى العامين الماضيين فقط شهدت وزارة المالية تعاقب 4 وزراء على شغل المنصب فضلاً عن آخرين تولوه بالوكالة.
164
مليار دولار قيمة الكوت للاستثمار، وستكون أحدث المنضمين إلى الصناديق الخليجية
ويعتقد المصدر أن القرار الحكومي سيتوقف في النهاية على دراسة المكاسب والمخاطر من إطلاق الصندوق، وفق النقاش الواسع بين الأوساط الشعبية منذ تسرب الخبر.
ولفت إلى أن غياب مجلس الأمة في الوقت الحالي يسمح للحكومة باتخاذ قرارات جريئة دون تعطيل، اعتادت عليه الكويت بسبب المشاحنات السياسية.
وكان وزير التجارة والصناعة خليفة العجيل قد أكد خلال افتتاح مؤتمر “إستراتيجية الكويت الاقتصادية الجديدة 2025″، في مايو الماضي، أن الحكومة تعمل على تنفيذ سياسات اقتصادية طموحة ونوعية.
وأشار إلى أنها تستهدف تحقيق التنوع وتسهيل بيئة الأعمال وتوسيع قاعدة المشاركة مع رفع كفاءة الإدارة المالية للدولة.
وقبل عامين طرحت الكويت فكرة إطلاق صندوق سيادي باسم “سيادة” ووعدت في برنامجها آنذاك بأن يعمل على “تسريع النمو وتحسين نوعية الحياة، وتعزيز التقدم في مختلف مجالات التنمية، من خلال التخطيط الإستراتيجي والتنفيذ الفعال للمشاريع الضخمة.”
إلا أن الفكرة لم تنفذ، وسرعان ما انضم الصندوق إلى العديد من المشاريع الطموحة التي أعلن عنها خلال العقدين الماضيين، مثل مدينة الحرير وخطة التحول إلى مركز مالي وتجاري، والتي لم يكتمل أي منها.
وكان حدوث ذلك وسط تبديل سريع للحكومات والوزراء وصدامات متتالية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. وساهم هذا السجل في تحفيز خبراء على معارضة المشروع خوفاً من عدم استكماله.
وحذر تقرير صادر عن وحدة البحوث في شركة الشال للاستشارات الكويتية، من أن “حصيلة دخول صندوق بهذه الضخامة قد تقوض فرصة نجاح أي مشروع تنموي في المستقبل.”
واستشهد بتجربة إطلاق رؤية 2035 التي صدرت عام 2017 وشملت 7 أهداف “لم يتحقق شيء منها.” كما أشار إلى تجربة أخرى غير ناجحة وهي صندوق المشاريع الصغيرة والمتوسطة الذي سجل خسائر مالية أتت على معظم رأسماله البالغ 6.6 مليار دولار.
ورأى معدو التقرير أن أهداف تأسيس الكوت غير واقعية، من ناحية فرص العمل التي ستوفرها والتي تبلغ، حسب وزارة المالية، 50 ألفا، أو من جهة قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية، فضلاً عن مخاوف تتعلق بالتمويل وتداعياته على موارد الدولة.
ولفتت الشال إلى ضعف العوائد الاستثمارية التي لا تتجاوز، وفق دراسة عرضت على الحكومة، اثنين في المئة فقط سنويا، من رأسمال الصندوق الذي ستدفعه الدولة بالكامل.
وبحسب وسائل إعلام محلية سيتم توسيع الشركة لتحصل على موارد مالية من القطاع الخاص والمؤسسات الدولية.
أما مؤيدو الاقتراح فيراهنون على أن إطلاق هذا الكيان يمكن أن يرفع معدل النمو في البلاد ويساعد على تحقيق تنمية شاملة.
ويقول جنيد أنصاري، مدير قسم إستراتيجية الاستثمار والبحوث في كوماك أنفيست، لبلومبيرغ الشرق إن المبادرة تهدف إلى تسريع وتيرة تطوير البنية التحتية في الكويت، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح لتسريع وتيرة الإصلاحات في البلاد.
وذكر أن البيانات تكشف ارتفاع حجم المشاريع خلال الأرباع الأخيرة. فقد بلغ إجمالي العقود الممنوحة العام الماضي نحو 8.8 مليار دولار، وهو أعلى مستوى منذ عام 2017.
وستكون الكوت بمثابة ذراع للحكومة يركز على هدف محدد يتمثل في تطوير السوق المحلية في البلاد وجذب التمويل من مصادر داخلية بالإضافة إلى مستثمرين إستراتيجيين آخرين، بما يعزز الثقة لدى المطورين المحليين والدوليين، وفق أنصاري.
وقال إن “استقلالية الكيان في اتخاذ قرارات الاستثمار ستمنحه مرونة تسرّع من وتيرة الإصلاحات في البلاد، التي طالما عانت من مشكلة تأخر المشاريع.”
وتتوقع الدراسة أن تبدأ العوائد المالية في التدفق من المشاريع التي ستقيمها الكوت خلال عام 2029، ثم في العام التالي يصل الصندوق إلى نقطة توازن تضمن الاستدامة المالية.
وستسهم المشاريع في تحقيق إيرادات سنوية عند نهاية العقد تصل إلى 3.3 مليار دولار، مع جذب استثمارات عربية وأجنبية تبلغ 32.8 مليار دولار وتوفير أكثر من 50 ألف فرصة عمل جديدة.
واعتبر المحلل الاقتصادي سعيد العبسي أن إطلاق عملاق استثماري يساعد على تحقيق مستهدف تنويع الاقتصاد، وتقليص الاعتماد على النفط كمصدر لدخل البلاد.
وقال إن “المبادرة تُعد خطوة إستراتيجية وجريئة ضمن مساعي دولة الكويت لتعزيز مكانتها كمركز مالي واستثماري إقليمي.”
وأكد العبسي أن هناك العديد من الأطراف ستستفيد من الخطوة، منها “الحكومة من خلال تخفيف العبء عن الميزانية العامة وتحقيق عوائد طويلة الأجل، وكذلك القطاع الخاص عبر شراكات وفرص تنفيذ مشاريع مشتركة، والشباب من خلال توليد وظائف جديدة.”