تنامي تذمر الليبيين من أزمة السيولة وتردي الخدمات المصرفية
يواجه المواطنون في ليبيا صعوبات متزايدة في الحصول على السيولة النقدية، وسط شكاوى متنامية من تراجع جودة الخدمات المصرفية. ويعكس هذا التذمر حالة الإحباط العام من استمرار الأزمة المالية، في ظل غياب حلول جذرية وفعالة من الجهات المعنية.
طرابلس – تُظهر مؤشرات الشكاوى المتزايدة من قبل الليبيين حالة من الامتعاض وعدم الرضا المتصاعد إزاء استمرار أزمة السيولة النقدية وتراجع جودة الخدمات المصرفية.
ويأتي هذا الوضع في سياق أزمة مالية أوسع تعكس اختلالات عميقة في البنية المصرفية، وضعفاً في السياسات النقدية، وسط تحديات سياسية واقتصادية تعيق جهود الإصلاح والاستقرار.
ويعاني البلد العضو في منظمة أوبك والذي ينتج أكثر من مليون برميل يوميا، من مشكلة جعلت منه عاجزا عن تسديد رواتب موظفيه وتوفير السيولة اللازمة للمواطنين.
وأعرب مواطنون عن استيائهم من السياسات والإجراءات المعتمدة في البنوك، مؤكدين في تصريحات لوكالة الأنباء الليبية الرسمية أن تعقيد خدمات السحب الإلكتروني، وارتفاع الرسوم يفاقمان من معاناتهم في ظل أزمة السيولة المالية الراهنة.
وتحدد البنوك سقفًا شهريًا للسحب عبر أجهزة الصراف الآلي بواقع ألف دينار (214 دولارا)، بالإضافة إلى ألفي دينار (428 دولارا) عبر الصكوك المصرفية، مع فرض رسوم خدمة تتم بموافقة مصرف ليبيا المركزي.
إلا أن إجراءات السحب عن طريق الصكوك تشهد تعثرًا مستمرًا نتيجة أزمة غير معلنة في توفر السيولة النقدية، خصوصًا مع سحب فئتي العشرين والخمسة دنانير من التداول تدريجيًا.
وتشهد ليبيا منذ سنوات أزمة سيولة خانقة ألقت بظلالها على الحياة المعيشية للناس، وفاقمتها حالة الانقسام المؤسسي بين المركزي في طرابلس ونظيره في بنغازي.
ويعني تشظّي السلطة المركزية غياب سياسة اقتصادية موحدة، وهذا يزيد التضخم وعدم استقرار العملة، فضلا عن اعتماد جزء كبير من اقتصاد ليبيا على عائدات النفط، التي غالبًا ما تُحاصر في النزاعات السياسية، ويبدو النظام المالي بأكمله في وضعٍ هشّ.
ويدفع نقص السيولة السكان للجوء بشكل متزايد إلى البطاقات المصرفية، في بلد غني بموارده الطبيعية، لكنه يعاني أزمة نقدية بعد أعوام من النزاع وعدم الاستقرار.
وأصبح سحب الأموال عملية تشوبها عقبات وتحديات في غالبية المدن، إذ يصطف المئات من الزبائن لساعات خارج فروع البنوك منتظرين دورهم للحصول على نقود غالبا ما تنفد سريعا.
ويُلاحظ الليبيون فرض رسوم على السحب الإلكتروني من أجهزة الصراف الآلي، حتى في حال استخدام بطاقة صادرة عن البنك نفسه، مع مضاعفة هذه الرسوم عند استخدام بطاقات تابعة لبنوك أخرى.
ويؤكد عبدالسلام دخيل المدرس البالغ 45 عاما أنه يضطر إلى استخدام ماكينة صراف آلي تابعة لبنك آخر بسبب عدم توفّر السيولة في فرع البنك الذي يتعامل معه نظرا لحسابه المفتوح لديه.
وأشار إلى أن رسوم سحب ألف دينار (214 دولارا) وصلت إلى 15 دينارًا (3.2 دولار)، توزّعت على ثلاث عمليات سحب متفرقة. واعتبر دخيل أن هذه الإجراءات “مُبالغ فيها وغير مبررة،” واصفًا ما يحدث بأنه “عملية إنهاك مالي للمواطن.”

وأوضح أن كل عملية سحب هذا المبلغ تتم على ثلاث دفعات، حيث تُفرض 5 دنانير (1.07 دولار) كرسوم على كل عملية، ما يؤدي إلى خصم إجمالي المبلغ الشهري المتاح، داعيًا إلى إعادة تفعيل خيار السحب دفعة واحدة برسوم واحدة كما كان معمولًا به سابقًا.
وكان السحب من أجهزة الصراف الآلي كان متاحًا في السابق بقيمة ألف دينار دفعة واحدة، حتى مايو الماضي، قبل أن يتم تعديل نظام البرمجة ليصبح السحب على ثلاث دفعات.
والأمر لا يقتصر على هذه المشاكل، بل يشكو المتعاملون من مشاكل أخرى، حيث معاناتهم متزايدة أمام صرافات السحب الآلية.
وتقول سالمة علي الموظفة وأم لطفلتين إن مشهد الطوابير أمام الصرافات الآلية بات مألوفًا كل شهر، حيث تصل مدة الانتظار إلى ثلاث ساعات في بعض الأحيان.
مشهد الطوابير أمام الصرافات الآلية بات مألوفًا كل شهر، حيث تصل مدة الانتظار إلى ثلاث ساعات في بعض الأحيان
وأضافت السيدة البالغة من العمر 52 أن “الاضطرار إلى السحب على ثلاث مراحل يزيد من طول الطوابير ومعاناة المواطنين، دون مبررات منطقية.”
وإلى جانب نقص السيولة، غالبا ما يتلقى موظفو القطاع الحكومي الذين يشكلون حصة الأسد من السكان العاملين في ليبيا، أي 2.3 مليون من أصل 2.6 مليون، رواتبهم متأخرة.
ولا يملك النظام المالي ما يكفي من المعلومات والقدرات والشفافية لاتخاذ قرارات ائتمانية سليمة، كما أنه لا يمتلك أسسا قوية تتماشى مع المعايير الدولية في التعاملات المالية أو الإقراض أو الوساطة المالية.
ويعاني القطاع المصرفي نفسه من عدم كفاية رأس المال، وقيمة الأصول لدى البنوك المملوكة للدولة محل تساؤلات ولا يقين حولها.
وتشير بيانات الموقع الإلكتروني لاتحاد المصارف العربية إلى أن النظام المصرفي الليبي يضم 38 بنكا بينها 16 ليبية، منها المصرف الليبي الخارجي ومصرف الوحدة.
وانتقدت ابتسام منصور البالغة 41 عامًا آلية السحب المجزأة، ووصفتها بـ”غير العادلة وغير المبررة،” مشيرة إلى أن الظروف المناخية الصعبة، تزيد من حدة المعاناة، في ظل بقاء أجهزة السحب الآلي في الهواء الطلق.

وأبدت الموظفة في قطاع القوى العاملة استغرابها من خصم دينار واحد عن كل عملية شراء إلكترونية باستخدام البطاقة المصرفية، بغض النظر عن قيمة العملية، معتبرة ذلك تحميلًا إضافيًا غير مبرر للأعباء المالية على المواطنين.
وتواصلت وكالة الأنباء الليبية الرسمية مع عدد من المسؤولين في بنوك تجارية داخل نطاق طرابلس المركز، إلا أن معظمهم رفضوا التصريح أو تقديم توضيحات بشأن خلفيات التعديل، بحجة عدم اختصاصهم بالأمور الفنية.
ويرى متابعون وأوساط مالية واقتصادية محلية أنه رغم الخطوات التي اتخذها المركزي لا تزال الأزمات مستمرة داخل القطاع المصرفي وباتت تهدد الاستقرار الاقتصادي في البلاد.
وأكدوا أيضا أن الوضع الراهن يؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين، خاصة مع تراجع عدد أجهزة الصراف الآلي، وكثرة الأعطال الفنية، إلى جانب شح السيولة النقدية.