تعاون عسكري مغربي - فرنسي بمناورات "شركي 2025"
الرباط - انطلقت مناورات عسكرية كبرى تحت اسم “ شركي 2025”، مشتركة بين القوات المسلحة الملكية المغربية والجيش الفرنسي، والتي تأتي في ظل التحديات الأمنية الإقليمية والدولية المتزايدة ما يجعلها محطة محورية في تعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين.
ولطالما شكل التعاون العسكري بين المغرب وفرنسا نموذجا يحتذى به في المنطقة حيث يشمل مجالات متعددة مثل التدريب المشترك، والتنسيق العملياتي، وتبادل الخبرات. وتمثل مناورات “شركي 2025” امتدادا لهذا التعاون القوي، ويهدف إلى تعزيز الجاهزية القتالية والتنسيق المشترك لمواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة.
وتتضمن المناورات تدريبات برية وجوية لتعميق الفهم العملياتي المشترك وتعزيز التنسيق الميداني وتنقسم إلى مرحلتين رئيسيتين، المرحلة الأولى تمرين القيادة والمحاكاة، يتم تنفيذه داخل مراكز القيادة، حيث سيتم محاكاة سيناريوهات عملياتية معقدة، ويهدف إلى تحسين قدرة القوات على اتخاذ القرارات تحت الضغط وتعزيز التنسيق بين قيادات الجيشين المغربي والفرنسي.
أما المرحلة الثانية فهي التمرين الميداني الحي ويشمل تنفيذ تدريبات عملية ميدانية بمشاركة الوحدات البرية والجوية، ويركز على اختبار الجاهزية القتالية وتعزيز التعاون العملياتي في بيئات محاكاة قتال حقيقية. وأعلن الجيش الفرنسي أن مناورات “شركي2025” تكتسب أهمية خاصة نظرا إلى التحديات الأمنية المتزايدة في منطقة الساحل والصحراء، والتي تعتبر بؤرة للتهديدات الإرهابية والجريمة العابرة للحدود.
وتهدف التدريبات إلى تحسين قدرات القوات المسلحة على مواجهة هذه التحديات بفاعلية، من خلال: تعزيز تبادل المعلومات والتنسيق الاستخباراتي بين المغرب وفرنسا، وتطوير إستراتيجيات مكافحة الإرهاب والتصدي للجماعات المسلحة في المناطق الحدودية، وتحسين الاستجابة السريعة للأزمات الأمنية والإنسانية.
وأكد هشام معتضد، الأكاديمي والخبير في الشؤون الإستراتيجية، أن “هذه المناورات تجسد رؤية إستراتيجية متكاملة وفهما عميقا للتحولات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، وتعكس وعيًا متزايدًا بضرورة إضفاء ديناميكية جديدة على الشراكة الثنائية، وفرصة عملياتية لتعزيز القدرات البرية في إطار سعي المغرب للتموقع كقوة إقليمية قادرة على إحداث توازن إستراتيجي إقليميا وعلى مستوى الساحل والصحراء.”
وأضاف لـ”العرب” أن “هذه المناورات والجغرافيا التي تقام فيها تهدف إلى ترسيخ الاستقرار في منطقة تعتبر حيوية ليس فقط لأمن المغرب، بل للأمن الأوروبي والعالمي، بناء على رؤية مشتركة حول مفهوم الأمن الإقليمي والطرق المثلى لمواجهته، في ظل التعاون العملياتي المغربي – الفرنسي الذي لا يقتصر فقط على مواجهة التحديات الأمنية الآنية، بل يشمل رؤية مستقبلية مشتركة تتماشى مع تطورات البيئة الأمنية العالمية.”
وسيتم تنظيم تدريبات في منطقتي رحمة الله وأردو قرب مدينة الرشيدية بالجنوب الشرقي، بمشاركة وحدات ميدانية وجوية لتعزيز التنسيق العملياتي وتبادل الخبرات، إذ تشارك دبابات أبرامز M1A2، ومروحيات غازيل المغربية، بالإضافة إلى مروحيات تايجر وNH90 الفرنسية. وتجري العملية برمتها في بيئة بالغة الصعوبة، تتميز بتضاريس جبال الأطلس شديدة الانحدار، وعواصف رملية، وتقلبات في درجات الحرارة تُختبر فيها قدرات الجنود والمعدات.
وشهدت المنطقة مناورات مماثلة في السنوات السابقة. وفي عام 2022، أُجريت مناورات “شركي 2022” في نفس المنطقة، بمشاركة وحدات من مشاة البحرية الفرنسية ومدرعات وطائرات هليكوبتر، فإلى جانب الجوانب التقنية، يعكس هذا التدريب التزامًا سياسيًا وإستراتيجيًا، فبالنسبة إلى باريس والرباط يُعدّ جزءًا من ديناميكية تعاون دفاعي تتجاوز البعد الثنائي البحت. ويهدف التدريب أيضًا إلى تطوير المعرفة التكتيكية والتقنية ومواجهة تحديات الأمن الإقليمي في سياق دولي غير مستقر.
وعقد ممثلون من الجيشين سلسلة من الاجتماعات التنسيقية استعدادًا للمناورات العسكرية المشتركة، والتي تشكل حسب بيان الجيش الفرنسي خطوة جديدة في مسار تعزيز العلاقات الدفاعية بين المغرب وفرنسا، بما يتماشى مع رؤية البلدين لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، كما تعكس التزامهما بتطوير قواتهما المسلحة وفقا لأحدث المعايير العملياتية والتكنولوجية، ما يسهم في ضمان الاستعداد لمواجهة مختلف التحديات الأمنية في المنطقة وما وراءها.
وأكد محمد الطيار، الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية، في تصريح لـ”العرب” أن “من شأن هذا التدريب المشترك جعل المسؤولين العسكريين الفرنسيين يعاينون الخبرة التي اكتسبها الجيش المغربي من حرب الصحراء المغربية، وهي منطقة لصيقة بمنطقة الساحل الأفريقي، ولا تختلف تضاريسها كثيرا عنها، وبحكم التحديات الأمنية والعسكرية المطروحة بالنسبة إلى فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي.”
وأوضح لـ”العرب” أن “التعاون العسكري المغربي – الفرنسي مع الإعلان عن إنشاء قاعدة – مطار في المغرب بمثابة إعادة ترتيب للتوازنات في المنطقة وعودة فرنسا والولايات المتحدة إلى الساحة، إلى جانب المغرب الذي يلعب دورًا مهمًا جدًا في استتباب الأمن في هذه المنطقة، وتمهيد الطريق أمام مشروع فتح المجال لدول الساحل للوصول إلى المحيط الأطلسي، وهو المشروع الذي طرحه المغرب بقوة.
وتهدف هذه المناورات للوقوف على مدى جاهزية القوات على مستوى القطاع وقدرتها على القيام بمهام في إطار متعدد الأسلحة والجنسيات، كما يهدف لتعزيز قابلية التشغيل البيني بين القوات المغربية والفرنسية، مع تعزيز قدرات التخطيط وتطوير التشغيل البيني التقني والعملياتي بين قوات البلدين، في وقت يعزز فيه المغرب تعاونه العسكري مع عدة قوى دولية على غرار الولايات المتحدة.
وضمن التعاون الإستراتيجي بين الجيشين المغربي والفرنسي، ستشارك باريس في مشروع بناء قاعدة – مطار في أقصى جنوب الصحراء لإطلاق عمليات جوية ضد الإرهاب الجهادي في منطقة الساحل، والذي يمثل جزءًا من تعزيز التعاون العسكري بين المغرب وواشنطن وباريس، ويهدف إلى تعزيز الحضور العسكري بالمنطقة الحساسة إستراتيجيًا، ما قد يغير من موازين القوى بها.