تحول تركي في استيراد الغاز يهدد آخر سوق أوروبية كبيرة لروسيا وإيران

أنقرة تأمل في تأمين أكثر من نصف احتياجاتها بحلول نهاية عام 2028 عبر تنمية الإنتاج وزيادة الواردات الأميركية.
الخميس 2025/10/09
الإمدادات تتدفق دون مشاكل

تشهد سوق الطاقة في أوروبا تحولا لافتا مع اتخاذ تركيا خطوات إستراتيجية جديدة في سياسة استيراد الغاز، مما ينذر بتداعيات واسعة على مصالح كبار المصدّرين، ولاسيما روسيا وإيران، الأمر الذي لا يعكس فقط تغيّرا في الحسابات الاقتصادية لأنقرة، بل يشير إلى إعادة تشكيل خارطة الإمدادات، وسط متغيرات جيوسياسية متسارعة.

إسطنبول – تسعى تركيا إلى تنويع مصادر توريد الغاز مع بروز اتجاه إلى الولايات المتحدة، ما يجعل آخر معقلين كبيرين للإمدادات وهما روسيا وإيران على مشارف هزة محتملة في غضون ثلاث سنوات.

وربما تتمكن أنقرة من تلبية أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز بحلول نهاية عام 2028 من خلال زيادة الإنتاج وزيادة الواردات من الولايات المتحدة في تحول يهدد بتقليص آخر سوق أوروبية رئيسية للموردين الروس والإيرانيين.

وتمارس واشنطن ضغوطا علنية على حلفائها، بمن فيهم تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، لقطع علاقاتها في مجال الطاقة مع موسكو وطهران.

صحبت كربوز: تركيا تريد استغلال وفرة الغاز الطبيعي المسال العالمية
صحبت كربوز: تركيا تريد استغلال وفرة الغاز الطبيعي المسال العالمية

وحث الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائهما في البيت الأبيض يوم 25 سبتمبر الماضي على خفض مشتريات الطاقة الروسية.

ومن شأن تنويع المصادر أيضا تعزيز أمن الطاقة في تركيا ودعم طموحاتها لتصبح مركزا إقليميا للغاز.

ويقول محللون إن أنقرة تهدف إلى إعادة تصدير الغاز الطبيعي المسال المستورد وتصدير إنتاجها المحلي من الغاز إلى أوروبا، مع استهلاك الغاز الروسي والإيراني محليا.

وقال صحبت كربوز من المنظمة المتوسطية للطاقة والمناخ (أو.أم.إي)، ومقرها باريس، لوكالة رويترز إن “تركيا تشير إلى أنها ستستغل وفرة الغاز الطبيعي المسال (العالمية)”.

وتظل روسيا أكبر مورد للغاز إلى تركيا، لكن حصتها في السوق انخفضت من أكثر من 60 في المئة قبل 20 عاما إلى 37 في المئة في النصف الأول من عام 2025.

وأوقفت معظم الدول الأوروبية وارداتها من الغاز الروسي في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا مطلع العام 2022، لكن المحللين لا يعتقدون أن كل أعضاء التكتل بمقدورهم الاستغناء عن هذه الموارد.

ويقترب أجل عقود خطوط الأنابيب طويلة الأجل المبرمة بين روسيا وتركيا لضخ 22 مليار متر مكعب سنويا عبر خطي أنابيب بلو ستريم وترك ستريم، من الانتهاء.

وينقضي أجل عقد مع إيران لضخ 10 مليارات متر مكعب في منتصف العام المقبل، بينما تستمر عقود أذربيجان، البالغة 9.5 مليار متر مكعب في المجمل، حتى عامي 2030 و2033.

أليكسي بيلوجورييف: بوتاش لن تتوقف عن التوريد لأن الغاز الروسي تنافسي
أليكسي بيلوجورييف: بوتاش لن تتوقف عن التوريد لأن الغاز الروسي تنافسي

ويرى كربوز أن تركيا ستمدد على الأرجح بعض هذه العقود، مع السعي إلى شروط أكثر مرونة وأحجام أصغر لزيادة تنوع إمداداتها.

وفي الوقت نفسه، توسع أنقرة بسرعة مصادرها البديلة، إذ تعزز مؤسسة البترول التركية إنتاجها من حقول الغاز المحلية، بينما وسعت الشركات الحكومية والخاصة محطات استيراد الغاز الطبيعي المُسال لجلب الغاز من الولايات المتحدة والجزائر.

ووفقا لحسابات رويترز، يتجه الإنتاج المحلي وواردات الغاز الطبيعي المسال المتعاقد عليها لتجاوز 26 مليار متر مكعب سنويا اعتبارا من عام 2028 مقارنة مع 15 مليار متر مكعب هذا العام.

ومن شأن ذلك أن يغطي أكثر من نصف الطلب التركي على الغاز، مما يقلل الفجوة في واردات خطوط الأنابيب إلى نحو 26 مليار متر مكعب، وهو أقل بكثير من 41 مليار متر مكعب من الإمدادات المتعاقد عليها حاليا من روسيا وإيران وأذربيجان مجتمعة.

ولدعم هذا التحول، وقعّت تركيا سلسلة من صفقات الغاز الطبيعي المسال مع موردين أميركيين بقيمة 43 مليار دولار، بما في ذلك اتفاقية مدتها 20 عاما مع شركة ميركوريا في سبتمبر.

وذكرت بورصة الطاقة التركية أن البلاد بنت قدرة استيراد سنوية للغاز الطبيعي المسال تبلغ حوالي 58 مليار متر مكعب، وهو ما يكفي لتغطية الطلب بالكامل.

ورغم ذلك، يواصل الغاز الروسي التدفق بكامل طاقته إلى السوق التركية، ويقول الكرملين إن التعاون مع أنقرة لا يزال قويا.

حح

وقال أليكسي بيلوجورييف من معهد الطاقة والتمويل في موسكو إنه “نظرا لأن تركيا تحتاج إلى كميات أقل من الغاز الروسي، فإن شركة بوتاش التركية ربما تتوقف نظريا عن الاستيراد من موسكو في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام”.

وأضاف بيلوجورييف “لكنها لن تفعل ذلك، لأن الغاز الروسي تنافسي من حيث الأسعار ويتيح فائضا يمكن لشركة بوتاش أن تستغله للضغط على الموردين الآخرين”.

ويزداد الاعتماد التركي على الغاز، وتوقع وزير الطاقة ألب أرسلان بيرقدار أن يصل معدل الطلب خلال العام الجاري إلى 60 مليار متر مكعب، ارتفاعا من استهلاك قدره 53 مليار متر مكعب العام الماضي.

وقال بيرقدار خلال مقابلة تلفزيونية في وقت سابق من أكتوبر الجاري “إن تركيا يجب عليها أن تحصل على الغاز من جميع الموردين المتاحين، بما في ذلك روسيا وإيران وأذربيجان”، لكنه أشار إلى أن الغاز الطبيعي المسال الأميركي يتيح بدائل أرخص.

60

مليار متر مكعب استهلاك هذا العام ارتفاعا من 53 مليارا في 2024، وفق وزارة الطاقة التركية

وأحجمت وزارة الطاقة عن التعليق على صفقات التوريد المستقبلية والأسعار. ولم ترد غازبروم، الشركة الروسية المحتكرة للتصدير عبر أنابيب الغاز، على طلب التعليق.

وقال كربوز إن “تركيا ربما تستهلك الغاز الروسي والإيراني محليا وتصدر إنتاجها وتعيد تصدير الغاز الطبيعي المسال بعد أن تحظر أوروبا واردات الطاقة الروسية بحلول عام 2028”.

ووقّعت بوتاش بالفعل صفقات لتزويد المجر ورومانيا بكميات صغيرة من الغاز في محاولة لأن تصبح مركزا إقليميا لتجارة الغاز.

وإلى جانب الغاز، ترتبط أنقرة بعلاقات وطيدة مع موسكو، إذ تبني شركة روس آتوم الروسية أول محطة للطاقة النووية في تركيا، وتمثل روسيا أكبر مورد للنفط الخام والديزل للبلاد.

وإلى جانب الإمدادات الروسية يشكل الغاز الإيراني مصدرا رئيسا لإمدادات تركيا، ويربط البلدين اتفاق توريد طويل الأجل يوشك على الانتهاء خلال العام المقبل.

وفي خضم التوترات الجيوسياسية، وتصاعد وتيرة الحرب بعد الهجمات الإسرائيلية على إيران في يونيو الماضي، أرسل بيرقدار رسالة طمأنة بشأن انتظام الواردات، مؤكدا تلقي بلاده واردات الغاز من طهران بصورة منتظمة.

ويربط البلدين اتفاق توريد طويل الأجل ينتهي بحلول شهر يوليو 2026، والتزمت إيران من خلاله بتزويد السوق التركية بنحو 9.6 مليار متر مكعب سنويا.

وبحسب بيانات منظم الطاقة التركي، تبلغ حصة الغاز الإيراني 10 في المئة من إجمالي واردات تركيا من الغاز الطبيعي أو المسال.

4