انتعاش لافت لسوق العقارات في دبي رغم التكاليف
خلال السنوات الأخيرة برز سوق العقارات في دبي كواحد من أكثر القطاعات ديناميكية ومرونة على مستوى العالم. ففي أعقاب اضطرابات وباء كورونا لم يكن أحد ليتوقع حجم وسرعة تعافيه، لكنه اليوم يشهد انتعاشا لافتا بفضل القدرة على تحمل التكاليف وجاذبية الملاذ الآمن.
دبي- شهدت دبي زيادة ملحوظة في أسعار العقارات بنسبة 122 في المئة بحلول منتصف عام 2025 مقارنةً بأدنى مستوياتها بعد الوباء، وفقًا لبلومبيرغ، ما يُمثل انتعاشًا تاريخيًا استحوذ على اهتمام دولي.
وهذه الزيادة ليست فقاعة مضاربة، بل هي مدعومة بمزيج فريد من القدرة على تحمل التكاليف، والحوافز المدفوعة بالسياسات، وثقة المستثمرين العالميين، وسمعة دبي المتنامية كملاذ آمن وفعال من حيث الضرائب في عالم متزايد التقلب.
وفي حين تُعاني مدن رئيسية أخرى من أزمات القدرة على تحمل التكاليف، والأعباء الضريبية، والإرهاق التنظيمي، رسخت دبي مكانتها كبديل عملي للمستثمرين والمغتربين والأفراد ذوي الملاءة المالية العالية حول العالم الباحثين عن الاستقرار والقيمة.
ولم يكن النمو الاستثنائي في سوق العقارات في دبي بمعزلٍ عن عوامل أخرى، بل هو نتاجٌ لعدة عوامل مترابطة جعلت الإمارة واحدةً من أكثر وجهات الاستثمار العقاري جاذبيةً في العالم.
ويكمن جوهر هذا النمو في القدرة النسبية على تحمل التكاليف. فحتى بعد أن تضاعفت الأسعار، لا تزال العقارات في الإمارة أرخص بكثير من العديد من المدن العالمية الكبرى مثل لندن ونيويورك وهونغ كونغ.
122
في المئة نمو الأسعار بالنصف الأول من 2025 مقارنة مع أدنى مستوى أثناء الوباء
ويمكن الحصول على عقارٍ فاخر، قد يزيد سعره عن 1400 دولار للقدم المربع في لندن، في دبي بأقل من 500 دولار بقليل، ما يجعل المدينة الخيار الأمثل للمستثمرين الدوليين الذين يبحثون عن قيمةٍ أكبر لأموالهم.
وبالإضافة إلى القدرة على تحمل التكاليف، أصبحت دبي أكثر جاذبيةً كملاذٍ ماليٍّ وآمنٍ لأسلوب الحياة، بحسب ما تظهره المؤشرات وتحليلات خبراء القطاع.
وفي ظل التوترات الجيوسياسية العالمية، وارتفاع الضرائب، والاضطرابات الاجتماعية في أجزاء أخرى من العالم، ينتقل العديد من الأفراد والشركات إلى دبي بفضل استقرارها الاقتصادي وبنيتها التحتية الحديثة وبيئتها الجاذبة للمستثمرين.
ويقول الخبراء إن الحياد السياسي ومستوى المعيشة المرتفع والأمان العالمي، كلها عوامل تجعل المدينة وجهة مثالية للأفراد والعائلات ذوي الثروات الكبيرة الذين يتطلعون إلى حماية رؤوس أموالهم مع الاستمتاع بأسلوب حياة عالمي.
كما لعبت سياسات حكومة الإمارة الداعمة للمستثمرين دورًا هامًا. فعلى مدار السنوات الأخيرة أدخلت إصلاحات متنوعة لتحرير ملكية العقارات وتيسير شروط الإقامة طويلة الأجل.
وساهمت التأشيرات الذهبية، وحقوق التملك الأجنبي الكامل، وخطط الدفع الجذابة بعد التسليم في تقليص عوائق الدخول بشكل كبير.
كما أصبح المطورون أكثر ابتكارًا، حيث يقدمون عروضًا جذابة مثل خطط الدفع الشهري بنسبة واحد في المئة، وبرامج الإيجار المنتهي بالتملك، وخيارات التمويل المرنة التي تُسهّل على كل من المشترين المحليين والأجانب دخول السوق.
ومن العوامل المساهمة الأخرى محدودية العرض، لاسيما في قطاع العقارات الفاخرة. فبينما توجد آلاف الوحدات الجديدة قيد التطوير، لا يزال توافر المنازل الفاخرة في المواقع المتميزة محدودًا.
العقارات في الإمارة لا تزال أرخص بكثير من العديد من المدن العالمية الكبرى مثل لندن ونيويورك وهونغ كونغ
وفي مناطق مثل خليج جميرا ونخلة جميرا تندر الفيلات الفاخرة للغاية والوحدات السكنية ذات العلامات التجارية الفاخرة بشكل متزايد، ما يدفع الأسعار إلى الارتفاع أكثر.
ويتسابق المطورون لتلبية الطلب، ولكن مع امتداد مواعيد التسليم حتى عام 2026، فإن نقص العرض الحالي يدعم نمو الأسعار.
وتمثل الاتجاهات الديموغرافية والاقتصادية عاملا آخر محفزا، حيث يستمر عدد سكان دبي في النمو، مدفوعًا بتدفق مستمر من المغتربين والمهنيين الأجانب.
وجعلت إستراتيجية التنويع الاقتصادي للمدينة، التي تعتمد بشكل أقل على النفط وتركز بشكل أكبر على التجارة والسياحة والتكنولوجيا والعقارات، منها وجهةً جاذبةً للمواهب العالمية.
ومع تزايد عدد العائلات والمهنيين الذين يختارون العيش والعمل في دبي، يستمر الطلب على العقارات السكنية والاستثمارية في الارتفاع.
ويتميز السوق بتنوعه وشموليته، إذ يلبي احتياجات شريحة واسعة من المشترين، من أصحاب الثروات الضخمة إلى متوسطي الدخل.
وشهد قطاع العقارات الفاخرة نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. ومع قلة المعروض وارتفاع الطلب من المستثمرين الدوليين، شهدت مناطق رئيسية مثل تلال الإمارات ونخلة جميرا وخليج جميرا مبيعات قياسية.
من الاتجاهات الجديرة بالملاحظة في قطاع العقارات في دبي الفجوة المتزايدة بين العقارات الجاهزة والعقارات على الخارطة
وأصبحت العقارات التي تزيد أسعارها عن 10 ملايين دولار شائعة في هذه المناطق، ومع توفر بضع مئات فقط من هذه المنازل في أي وقت، اشتدت المنافسة بين نخبة المشترين.
ويواصل هذا التفرد دفع الأسعار إلى الارتفاع، ما يعزز مكانة دبي كوجهة عقارية فاخرة تضاهي موناكو أو بيفرلي هيلز.
وفي حين تتصدر العقارات الفاخرة عناوين الصحف، برز قطاع العقارات الفاخرة متوسطة الدخل وبأسعار معقولة كمحرك حيوي للنمو.
ونجح مطورون عقاريون مثل دانوب وبنغاتي وعزيزي في تلبية تطلعات المهنيين الشباب والوافدين من الطبقة المتوسطة من خلال تقديم شقق مصممة بذكاء وبأسعار تنافسية.
وغالبًا ما تأتي هذه المشاريع بخطط دفع جذابة تتطلب أقساطًا شهرية منخفضة تصل إلى واحد في المئة، ما يجعل التملك متاحًا لفئة أوسع من المشترين.
وأصبحت مناطق مثل واحة دبي للسيليكون وقرية جميرا الدائرية وأرجان نقاطًا رئيسية لمثل هذه المشاريع، حيث توفر مساحات معيشة عصرية مع وسائل راحة مثل الصالات الرياضية والمسابح والحدائق العامة.
وشهد سوق الإيجارات أيضًا مسارًا تصاعديًا سريعًا. ومع النمو السكاني وتزايد الطلب على المساكن عالية الجودة، ارتفع متوسط الإيجارات في جميع أنحاء المدينة، في بعض الحالات بأكثر من 20 في المئة على أساس سنوي.
وأدى ذلك إلى زيادة كبيرة في عوائد الملاك، وخاصة في المناطق التي لا يزال فيها عرض الإيجار محدودًا. ومع ذلك أفرز هذا ضغوطًا على قدرة المستأجرين على تحمل التكاليف.
ويُجبر العديد من سكان الدخل المتوسط الآن على إعادة النظر في خياراتهم السكنية، حيث ينتقل بعضهم إلى مناطق نائية أو حتى يفكرون في العودة إلى بلدانهم الأصلية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
ورغم القيود الحكومية المفروضة على الإيجارات، تُظهر اتجاهات السوق الفعلية أن مُلّاك العقارات غالبًا ما يجدون طرقًا لرفع الأسعار من خلال الانتقال وعقود الإيجار الجديدة.
ومن الاتجاهات الجديرة بالملاحظة في قطاع العقارات في دبي الفجوة المتزايدة بين العقارات الجاهزة والعقارات على الخارطة.