انتعاش بطيء لسوق العقارات الأردني بفعل التكاليف

القطاع يواجه تحديات كبيرة تتعلق بتكاليف البناء المرتفعة وضعف القدرة الشرائية وارتفاع نسب الفائدة على التمويل العقاري.
الأربعاء 2025/07/09
المباني جاهزة للبيع، أين الزبائن

عمّان- يشهد سوق العقارات في الأردن حالة من التباين الواضح في الأداء منذ عامين تقريبا، وسط مزيج من العوامل الاقتصادية المحلية والتأثيرات الإقليمية والدولية، التي ألقت بظلالها على القطاع.

ورغم المؤشرات التي تظهر تعافيًا تدريجيًا في بعض المناطق، لاسيما في العاصمة عمّان والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية، لا يزال القطاع يواجه تحديات كبيرة تتعلق بتكاليف البناء المرتفعة، وضعف القدرة الشرائية، وارتفاع نسب الفائدة على التمويل العقاري.

وبحسب تقرير دائرة الأراضي والمساحة الشهري، نمت حركة مبيعات العقارات في النصف الأول من العام 2025 بنسبة واحد في المئة فقط على أساس سنوي. وتظهر البيانات أن الصفقات المتعلقة بالشقق بلغت 6 في المئة ومبيعات الأراضي بنسبة أقل من واحد في المئة خلال الفترة بين يناير ويونيو، وذلك مقارنة بمستوياتها قبل عام.

وبلغ حجم التداول في السوق مع نهاية النصف الأول نحو 3.13 مليار دينار (4.56 مليار دولار) بارتفاع قدره 4 في المئة على أساس سنوي، في حين بلغ حجم التداول لشهر يونيو نحو نحو 792 مليون دولار.

وعلى المستوى الشهري، سجلت قيمة الإيرادات خلال يونيو ارتفاعا بنسبة 29 في المئة بمقارنة سنوية، لتبلغ قرابة 1725.3 مليون دولار. وذكر تقرير الدائرة الذي أوردته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية الثلاثاء أن إجمالي عدد العقارات المباعة خلال الربع الأول من العام الحالي بلغ 5552 عقارا.

والقطاع العقاري أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد، حيث يسهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي ويوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لآلاف الأردنيين، فضلاً عن ارتباطه الوثيق بقطاعات أخرى مثل البنوك والمقاولات والصناعات التحويلية.

4.56

مليار دولار حجم المبيعات في النصف الأول من العام 2025 بارتفاع 4 في المئة بمقارنة سنوية

ولكن الظروف الاقتصادية الصعبة، وارتفاع أسعار المواد الأساسية المستوردة نتيجة للتضخم العالمي، ساهمت في ارتفاع تكاليف تطوير المشاريع، ما انعكس على أسعار الشقق والأراضي، وأدى إلى تراجع الطلب، خاصة من الفئات ذات الدخل المتوسط والمحدود.

في المقابل، شهد السوق العقاري تحسنًا ملحوظًا في فئة الاستثمارات الكبرى والمشاريع الموجهة لغير الأردنيين، وتحديدًا في مناطق مثل عبدون ودير غبار والشميساني. ولا تزال هذه المناطق تستقطب مستثمرين عربًا، خصوصًا من دول الخليج، يبحثون عن ملاذ آمن لاستثماراتهم في ظل التوترات السياسية والإقليمية.

ويرى خبراء أن الاستقرار الأمني في الأردن في ظل التوترات الإقليمية قد يلعب دورًا مهمًا في تعزيز ثقة المستثمرين، إضافة إلى التسهيلات الحكومية التي منحتها الدولة للمستثمرين الأجانب، كالإعفاءات الضريبية وتقليص شروط التملك.

وأطلقت الحكومة عدة مبادرات لتحفيز الطلب المحلي، من بينها برنامج السكن الميسر المدعوم من البنك المركزي الأردني، وتخفيض رسوم التسجيل وضريبة بيع العقارات في بعض الحالات. وتهدف السلطات من وراء هذه التحفيزات تنشيط السوق وتحريك عجلة التداول العقاري، التي شهدت جمودًا خلال فترات من جائحة كورونا وما تلاها من آثار اقتصادية.

ورغم هذه المحاولات، لا تزال معدلات الطلب أقل من المتوقع، حيث تشير تقارير رسمية إلى انخفاض عدد المعاملات العقارية مقارنةً بسنوات الذروة التي سبقت عام 2016.

ويرى المختصون أن العامل الأساسي في هذا التراجع يعود إلى فجوة واضحة بين دخل الأفراد وأسعار العقارات، خاصة في ظل غياب مشاريع إسكانية كبرى مخصصة لذوي الدخل المحدود بأسعار مدروسة.

وبالإضافة إلى ذلك ارتفاع كلفة التمويل العقاري بعد قرارات رفع الفائدة التي اتخذها البنك المركزي والتي تبلغ حاليا 6.5 في المئة، متأثرًا بالسياسات النقدية العالمية.

◙ سوق العقارات يحمل إمكانات كبيرة، لكنه بحاجة إلى إصلاحات هيكلية ودعم سياسات تحفيزية لجعله أكثر جاذبية واستدامة

والطلب على الأراضي شهد هو الآخر حالة من الركود النسبي، خصوصًا في المناطق النامية والأطراف الحضرية للمدن، حيث يفضّل المستثمرون حاليًا التركيز على المشاريع ذات العائد السريع والمضمون.

ومع ذلك، فإن بعض الأراضي الواقعة ضمن مخططات تنظيمية مستقبلية تشهد ارتفاعًا تدريجيًا في الأسعار بسبب التوقعات بتحولها لمناطق جذب استثماري خلال السنوات المقبلة، خصوصًا في محيط العاصمة والمناطق الصناعية الجديدة.

ويبرز دور المغتربين الذين يشكّلون عاملًا مهمًا في تحريك السوق، حيث تزداد معدلات مشترياتهم فترات الصيف، إلا أن مساهمتهم تأثرت أيضًا خلال السنوات الأخيرة بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها بعض دول الخليج، وتقلبات أسعار صرف العملات. وعلى الرغم من ذلك، يبقى المغتربون أحد المحركات الرئيسية للطلب في السوق العقارية الأردني، لاسيما في المدن الكبرى.

ويبقى سوق العقارات يحمل إمكانات كبيرة، لكنه بحاجة إلى إصلاحات هيكلية ودعم سياسات تحفيزية لجعله أكثر جاذبية واستدامة في المرحلة المقبلة، خاصة مع ما يواجهه الاقتصاد من ضغوط داخلية وتحديات خارجية تتطلب توازنًا دقيقًا بين النمو والتنمية.

ويعتقد الخبراء أن تجاوز التحديات التي يواجهها القطاع يتطلب خطة واضحة تعتمد على شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص، وتطوير التشريعات العقارية، وتقديم حوافز مستدامة لبناء وحدات سكنية تتلاءم مع قدرات المواطنين.

كما يتطلب الأمر العمل على تحديث أنظمة التمويل العقاري، وتوسيع نطاق برامج الدعم، إضافة إلى ضرورة إعادة النظر في سياسة الأراضي وطرق توزيعها واستخدامها بشكل أكثر فعالية.

11