المركزي الليبي يطرح شهادات إيداع مضاربة لمعالجة تحديات السيولة

مصرف ليبيا المركزي يسعى إلى معالجة تحديات السيولة وتفعيل أدوات السياسة النقدية.
الخميس 2025/09/25
محاولة أخرى لضبط الحسابات

طرابلس - يخطط مصرف ليبيا المركزي إطلاق شهادات إيداع بصيغة المضاربة المطلقة بقيمة تصل إلى 15 مليار دينار (نحو 2.78 مليار دولار)، في خطوة تهدف إلى معالجة تحديات السيولة وتفعيل أدوات السياسة النقدية.

وتأتي هذه المبادرة في إطار رؤية أوسع لترشيد الكتلة النقدية المتداولة خارج النظام المصرفي، وتحفيز الادخار والاستثمار في قنوات شرعية ومنظمة، خاصة في ظل تفاقم ظاهرة الاكتناز النقدي، والتي انعكست سلبًا على قدرة البنوك على الإقراض والتمويل.

ويعتزم المركزي طرح شهادات إيداع المضاربة المطلقة ابتداءً من شهر أكتوبر المقبل وإلى غاية نهاية العام الجاري، بحسب بيان أوردته وكالة الأنباء الليبية الرسمية الخميس.

الهدف من الشهادات استثمار مدخرات الليبيين بشكل آمن ومتوافق مع الشريعة الإسلامية
الهدف من الشهادات استثمار مدخرات الليبيين بشكل آمن ومتوافق مع الشريعة الإسلامية

وذكر في بيانه المنشور على حسابه في منصة فيسبوك أن الشهادات ستُطرح وفقًا للضوابط المحددة، على أن يكون هامش الربح السنوي المتوقع لهذه الشهادات 7.5 في المئة للبنوك و6.5 في المئة للمتعاملين أصحاب حسابات الاستثمار.

ويسعى المركزي من خلال هذا الطرح إلى امتصاص جزء من السيولة الفائضة التي يقدّر حجمها بمليارات الدينارات المتداولة خارج القطاع الرسمي، والتي غالبًا ما يُعاد توجيهها نحو المضاربة في سوق العملات الأجنبية أو في أنشطة غير منتجة اقتصاديًا.

وتُعد شهادات الإيداع بهذه الصيغة أداة مالية مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية، حيث يشارك المكتتبون في أرباح الأنشطة التي توظف فيها أموالهم دون تقاضي فوائد ثابتة، ما يجعلها جاذبة لشريحة واسعة من المتعاملين الذين يفضلون الابتعاد عن المنتجات المالية التقليدية.

وأوضح البنك في بيانه أن “هذه الشهادات تهدف إلى استثمار مدخرات المواطنين بشكل آمن ومتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، مع تحقيق عوائد عادلة ومجزية.”

وأشار إلى أنها ستسهم في حماية القوة الشرائية للعملة المحلية من خلال توجيه السيولة الفائضة نحو قنوات منظمة ومنتجة، وتطوير أدوات العمل المصرفي، وتمكين المصارف الليبية من توظيف السيولة بكفاءة أعلى.

ويعاني الليبيون، المنهكون من فوضى مستمرة منذ عام 2011، من تدهور خطير في قدرتهم الشرائية بعد خفض قيمة الدينار، والذي يعزو الخبراء سببه إلى الإنفاق المفرط للحكومتين المتنافستين في شرق البلاد وغربها.

ويعني تشظّي السلطة المركزية غياب سياسة اقتصادية موحدة، وهذا يزيد التضخم وعدم استقرار العملة، ناهيك عن اعتماد جزء كبير من اقتصاد ليبيا على عائدات النفط، التي غالبًا ما تُحاصر في النزاعات السياسية، ويبدو النظام المالي بأكمله في وضعٍ هشّ.

ويندرج القرار أيضًا ضمن سعي المركزي إلى تقوية قدرته على التأثير في مؤشرات الاقتصاد الكلي، خصوصًا ما يتعلق بسعر الصرف والتضخم.

ويقول خبراء إن تقليص حجم الكتلة النقدية في السوق يخفف من الطلب الزائد على النقد الأجنبي في السوق الموازية، وبالتالي يدعم استقرار الدينار الليبي.

كما يُنتظر أن يؤدي إدخال هذه الشهادات إلى تحسين مؤشرات السيولة لدى البنوك التجارية، ويمنحها مجالًا أكبر للحركة في تمويل المشاريع والأنشطة الاقتصادية الحقيقية.

وبحسب صناع السياسة النقدية فإن إطلاق شهادات إيداع المضاربة المطلقة يعكس حرص المركزي على تحقيق التوازن بين مسؤوليته في إدارة السياسة النقدية ودوره في حماية أموال الليبيين.

ويفترض أن توفر هذه الأداة فرصة مميزة للادخار والاستثمار وفق أسس شفافة ورقابة صارمة، بما يعزز ثقة الجمهور بالقطاع المصرفي الليبي.

وأكد البيان أن هذا الإصدار يُعد رسالة واضحة تفيد بأن حماية الدينار الليبي ومدخرات المواطنين تقع في صميم أولويات المركزي، وأنه ماضٍ في إطلاق المزيد من السياسات والأدوات والبرامج التي من شأنها حماية وتطوير القطاع المصرفي ودعم استدامة التنمية.

ورغم الترحيب بهذه الخطوة، فإن بعض المراقبين عبّروا عن مخاوف تتعلق بمدى فاعلية البرنامج في ظل ضعف الثقة بين المواطنين والجهاز المصرفي، إضافة إلى وجود إشكاليات متكررة في القدرة على سحب الأموال من الحسابات البنكية.

2.78

مليار دولار حجم الشهادات التي سيتم طرحها بداية من أكتوبر المقبل وإلى غاية نهاية عام 2025

ويعتقدون أن مثل هذا المسار قد يُقيد رغبة الأفراد في إعادة أموالهم إلى الدورة المصرفية، حتى في ظل الحوافز والعوائد المنتظرة من هذه الشهادات.

كما تثير الصيغة المقترحة تساؤلات فقهية من بعض الجهات الشرعية والاقتصادية، خاصة ما يتعلق بتحديد العائد سلفًا في عقود المضاربة، وهو ما يتعارض مع جوهر هذه الصيغة التي تُبنى على المشاركة في الربح والخسارة.

ومع ذلك، يُنظر إلى هذا الطرح على أنه محاولة جادة لإدخال أدوات مالية إسلامية متطورة في السوق الليبية، وتمثل خطوة باتجاه استعادة زمام المبادرة في إدارة الاقتصاد الوطني بعد سنوات من الاضطراب المالي والمؤسساتي.

وستظل فاعلية هذه المبادرة رهينة بقدرة المصرف المركزي على استعادة ثقة المتعاملين، وضمان الشفافية في توظيف الأموال، مع توفير الضمانات الكافية لصون حقوق المودعين وتحقيق عائد عادل لهم.

وفي حال نجاح هذه التجربة، قد تمهد الطريق أمام إدخال منتجات مصرفية مبتكرة أخرى، تُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني وتنمية الثقافة الادخارية والاستثمارية لدى المواطنين.

وبحسب ديوان المحاسبة، نما حجم الاحتياطيات الكلية، بما في ذلك الاحتياطيات الرسمية لدى المصرف المركزي، في نهاية العام الماضي بنحو 6 في المئة على أساس سنوي ليبلغ 89.67 مليار دولار.