الفقر يدفع الشباب العراقي إلى أتون الحرب الروسية - الأوكرانية

المعادلة ليست مجرد "شباب بلا عمل" بل استغلال منظم من قبل شبكات جريمة حولت العراق إلى سوق للاتجار بالبشر مرة تحت عناوين عقائدية كما حدث في سوريا ومرة تحت الحاجة المعيشية.
الثلاثاء 2025/09/09
بانتظار فرصة عمل لن تأتي

انتشرت مؤخرا مقاطع مصوّرة تُظهر شبانا عراقيين وهم يرتدون الزي العسكري الروسي ويرفعون العلم العراقي في جبهات القتال بأوكرانيا، لتفجّر قضية تجنيد المرتزقة من العراق وتعيد إلى الأذهان مشاهد مشابهة من حروب سوريا ولبنان.

الأوضاع الاقتصادية المتردية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، دفعت العديد من الشباب العراقي إلى البحث عن أي مصدر دخل، حتى لو كان عبر الانضمام كمرتزقة في صراعات لا تعنيهم. وتشير التقديرات إلى وجود ما يقارب 500 عراقي في روسيا منذ عام 2023، جرى استقطاب بعضهم عبر وسطاء محليين.

اللجنة النيابية للعلاقات الخارجية أقرت بوجود هذه الظاهرة وأعلنت متابعتها رسميا، لكن الواقع يكشف أن المشكلة أعمق بكثير. فالمعادلة ليست مجرد “شباب بلا عمل”، بل استغلال منظم من قبل شبكات الجريمة السياسية التي حولت العراق إلى سوق مفتوحة للاتجار بالبشر، مرة تحت عناوين عقائدية كما حدث في سوريا، ومرة تحت الحاجة المعيشية كما يحدث اليوم.

تعطيل الاقتصاد العراقي عمدا، وإهمال الصناعة والزراعة والتجارة، جعل الآلاف من الشباب يقعون فريسة لليأس. بعضهم التحق بميليشيات حزبية مسلحة، وآخرون صاروا سلعة تُباع وتُشترى في أسواق الحروب. وحين يغيب الضمير الوطني، يتحول أبناء الشعب إلى وقود لمعارك الآخرين، إما كمرتزقة أو كلاجئين، بينما تجني بعض القوى السياسية أرباحا طائلة من دماء الفقراء.

◄ الأوضاع الاقتصادية المتردية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، دفعت العديد من الشباب العراقي إلى البحث عن أي مصدر دخل، حتى لو كان عبر الانضمام كمرتزقة في صراعات لا تعنيهم

ما يجري ليس عشوائيا، بل سياسة ممنهجة وجريمة منظمة، تقودها أحزاب فاقدة لأي التزام وطني أو أخلاقي، تفوقت ببطشها وفسادها على كل الأنظمة السابقة. هذه القوى زرعت الفساد في كل مكان، وشجعت على البطالة والتهميش كي يبقى الشباب تحت رحمة الميليشيات وشعاراتها الخادعة.

المؤلم أن بعض رجال الدين والسياسة يلتزمون الصمت حيال هذه الكارثة، وكأن المتاجرة بالشباب أصبحت أمرا طبيعيا. لكن الحقيقة أن البلد صار مستباحا، وأن أخطر ما في الأمر أن هذه الظاهرة ليست جديدة، بل جرت التغطية عليها لسنوات، حتى بات المجندون بالمئات وربما بالآلاف.

العراق غني بخيراته، لكنه فقير بأيدي ساسته. بدل أن يكون الإنسان فيه هو رأس المال الأعظم، يُترك الشباب ليُستنزفوا في الحروب أو يُحطموا بالمخدرات أو الضياع في المقاهي. إن التاريخ لن يرحم من أوصلهم إلى هذا المصير، وسيظل العار يلاحق من حوّل أبناء البلد إلى سلعة في أسواق الدم.

والمشكلة لا يمكن حلها إلا من خلال حكومة وطنية حقيقية تعالج جذور الأزمة، عبر إعادة بناء الاقتصاد، وتفعيل الصناعة والزراعة، وتوفير ضمان اجتماعي وخدمات أساسية، وفتح مراكز للشباب تعيد إليهم الأمل بدل أن تدفعهم نحو الهجرة أو الارتزاق.

إن العراق بحاجة إلى نظام وطني جامع يتجاوز الطائفية والقبلية، ويعيد للشباب ثقتهم بوطنهم. فاستمرار هذا النهج لا يعني سوى المزيد من الانحدار، والمزيد من نزيف الطاقات البشرية التي كان يفترض أن تكون عماد المستقبل.

9