العقارات الخضراء استثمار يدعم مسار الاستدامة في سلطنة عُمان
تحولت الاستدامة إلى محور أساسي في خطط التنمية بسلطنة عمان ولاسيما في العقارات التي تعد من أكثر القطاعات تأثيراً على الموارد الطبيعية، حيث يبرز التوجّه نحو الاستثمار في المباني الخضراء كخيار إستراتيجي يسهم في تحقيق توازن حقيقي بين النمو العمراني والحفاظ على البيئة انسجاما مع رؤية 2040.
مسقط – بدأت ملامح التحول إلى العقارات الخضراء في السوق العمانية تبرز بشكل أوضح مع تزايد الاهتمام بالاستدامة كأحد المحاور الأساسية في رؤية عُمان 2040.
وتمثل هذه الفئة من العقارات استثماراً ذكياً يدعم هذا التوجه الحكومي، حيث تدمج بين النمو الاقتصادي وحماية الموارد الطبيعية، ما يعزز جودة الحياة للمواطنين والمقيمين على حد السواء.
وتشكّل المباني الخضراء رؤية شاملة للتخطيط الحضري وتحفيز الابتكار في مجال الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام المياه، ما يدعم تطلع السلطنة إلى التنمية المستدامة والقدرة التنافسية للاقتصاد وتحفيز ممارسات البناء الصديقة للبيئة وحماية الموارد الطبيعية.
وترى فاتن الشالوانية المهندسة المعمارية في وزارة الإسكان والتخطيط العمراني أن المباني الخضراء أصبحت ضرورية اليوم لما لها من دور في تقليل الأثر البيئي، ورفع كفاءة استهلاك الطاقة والمياه، وتوفير بيئات صحية وأكثر استدامة للمجتمعات.
وفسرت أن المبنى الأخضر يقوم على مجموعة من الممارسات تشمل تحسين العزل الحراري وترشيد استهلاك المياه وإعادة استخدامها وتوظيف أنظمة إضاءة وتكييف عالية الكفاءة والاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة.
ونسبت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى الشالوانية قولها إن “اختيار مواد بناء مستدامة وصديقة للبيئة يحافظ على جودة البيئة الداخلية من خلال التهوية الجيدة والإضاءة الطبيعية.”
وأشارت إلى أن بلدها يسير بخطى واضحة نحو هذا الاتجاه عبر وضع اشتراطات ومعايير خاصة بالاستدامة وكفاءة الطاقة لتوجيه السوق نحو متطلبات قابلة للقياس.
كما يجري العمل على مواءمة التخطيط والتنمية مع المعايير العالمية للاستدامة في بناء مدن ذكية ومستدامة بما يتماشى مع مستهدفات رؤية 2040 في التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
وتُظهر البيانات، التي تناقلتها وسائل إعلام محلية، أن الطلب على شهادات البناء الأخضر بالبلد الخليجي ارتفع بنسبة حوالي 10 في المئة خلال الآونة الأخيرة، ما يدل على تزايد التزام القطاع العقاري بممارسات الاستدامة البيئية.
وتُشير دراسات محلية إلى أنَّ المباني الخضراء عند اعتماد تصميمات ومواد وأنظمة موفرة للطاقة قد تُقلل استهلاك الكهرباء والمياه بنسبة تصل إلى ما بين 40 و50 في المئة، كما يُمكن خفض الانبعاثات الكربونية بنحو 30 إلى 35 في المئة قياسا بالمباني التقليدية.
وفي دراسة تصميمية لمنزل فرد متوسط الدخل بتطبيق معايير إي.دي.جي.إي تم تحقيق وفورات تقدر بنحو 40.8 في المئة في الطاقة و22.2 في المئة في استهلاك المياه و26.39 في المئة في مواد الطاقة المضمنة وخفض الكربون بمعدل 35.4 في المئة.
وتقدر الإحصاءات أن إجمالي الانبعاثات في عُمان بلغ 90 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون عام 2021، موزّعة على قطاعات تشمل الصناعة بنحو 32 في المئة والنفط والغاز بنحو 26 في المئة والطاقة والمباني معا بواقع 19 في المئة والنقل بـ18 في المئة.
21
في المئة المعدل الذي تستهدفه الحكومة لخفض الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2030
وهدف عُمان الرسمي لخفض الانبعاثات تم تحديثه ليسعى إلى خفض 21 في المئة بحلول عام 2030 مقارنة بمسار الأعمال كالمعتاد، من ضمنها خفضات مشروطة تعتمد على الدعم الدولي والتكنولوجيا.
وهذه الأرقام تبيّن أن الاستثمار في العقارات الخضراء ليس مجرد خيار بيئي، بل هو استثمار ذو مردود اقتصادي ملموس ويمكن أن يسهم بشكل كبير في أهداف الاستدامة والحدّ من الانبعاثات والنفقات التشغيلية على المديين المتوسط والطويل.
وقال ربيع بن محمد الرحبي مدير مركز المعايير والمقاييس البيئية بهيئة البيئة إن “محفزات التوجه نحو البناء الأخضر تعود إلى تحقيق ميزة تنافسية للمؤسسات العاملة في قطاع البناء والإسكان عبر حصولها على شهادة الجودة للأبنية الصديقة للبيئة.”
وأضاف في تصريحات لوكالة الأنباء العمانية الرسمية أن الدراسات تشير إلى “زيادة الطلب عليها بنسبة 10 في المئة مقارنة بالتقليدية.”
وأوضح أن هذه المباني تمتاز بكفاءة استخدام الطاقة عبر العزل الجيد والاختيار المناسب للنوافذ والاعتماد على استخدام الطاقة النظيفة في التدفئة والتبريد.
وأكد أنها تساعد في ترشيد استخدام المياه عبر أنظمة أكثر كفاءة لضخها وإعادة استعمالها بما يساعد في تخفيض الآثار الضارة لاستعمال المياه على البيئة المحيطة.
وفضلًا عن ذلك، فإنها تتوافق مع المعايير الصحية والإضاءة والتهوية الطبيعية، ما ينعكس على زيادة إنتاجية الأفراد العاملين فيها بنسبة تصل إلى 12 في المئة قياسًا بما هو عليه الحال في المباني التقليدية.
وأشار إلى أن المباني الخضراء تحقق عوائد اقتصادية مهمة في جذب التمويل الأخضر القائم على صفر مخاطر بيئية، ما يؤهلها للحصول على قروض خضراء وحوافز من مؤسسات تمويل دولية، وخفض المخاطر المالية المتعلقة بضرائب انبعاث الكربون.
ومن المتوقع أن يسهم ذلك في زيادة القيمة الشرائية للعقارات، بحسب الرحبي، إلى جانب توفير التكاليف التشغيلية لخدمات الكهرباء والمياه، وإيجاد فرص عمل محلية في إدارة المرافق الخضراء وصيانتها.
أما عن العوائد البيئية فأوضح أنها تساعد على خفض انبعاث الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وتقليل نفايات البناء والتشغيل، إلى جانب دعم التنوع البيولوجي الحضري من خلال المساحات والسقوف الخضراء.
وبيّن أنها تسهم في تحقيق أهداف المناخ والتنمية المستدامة لسلطنة عُمان بما يعزز تقليل البصمة الكربونية، ويخفف الضغط عن البنية الأساسية عبر التكامل مع سياسات النقل والتخطيط الحضري المستدام وحماية المناطق الحساسة بيئيًّا.
ويعمل نظام المباني الخضراء “روزنة” الذي دشنته هيئة البيئة على تقييم الأبنية وفق 7 معايير رئيسية للاستدامة مع اعتماد آلية لاحتساب النقاط تؤهل للحصول على شهادة المباني الخضراء، ويشمل ذلك المباني السكنية والتجارية والحكومية والمصانع والمدن المستدامة.

وحصل عدد من المشاريع العمرانية والسياحية ومشاريع الضيافة على شهادات المباني الخضراء العالمية بمستوياتها المختلفة، ونال شهادة البلاتينيوم كلٌّ من المقر الرئيسي لشركة عمانتل وسيتي سنتر مسقط ومول عُمان.
كما حصل مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض وفندق دبليو مسقط ومشروع الواجهة البحرية بالحي الدبلوماسي في مسقط على شهادة الذهبية.
وحصل أيضًا فندق أليلا الجبل الأخضر على شهادة الفضية، بينما حاز مشروع إسكان شركة تنمية نفط عُمان على شهادة المباني الخضراء، وتواصل مدينة يتي المستدامة أعمالها التنفيذية التي تهدف إلى صفر انبعاثات وفق معايير الاستدامة.
وتسعى هيئة البيئة إلى رفع مؤشر الأداء البيئي للمساهمة في تحقيق خطة التنمية المستدامة 2030 التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما تمضي في تنفيذ الأهداف الإستراتيجية لرؤية 2040 للمساهمة في خفض الكربون وتشجيع مالكي ومشغلي المباني على الاستغلال المستدام للموارد الطبيعية. وتعمل الهيئة حاليًّا على إعداد آلية لتقييم المدن الخضراء المستدامة اعتمادًا على معايير تصنيف الأبنية الخضراء.