الصناعة التونسية تواجه مفارقة زيادة الصادرات وتقلص الاستثمار
تونس - تواجه الصناعة التونسية مفارقة لافتة تتمثل في تزايد الصادرات خلال النصف الأول من العام الحالي رغم تراجع وتيرة الاستثمار المحلي والأجنبي في هذا القطاع الحيوي.
ويطرح هذا الوضع تساؤلات حول مدى استدامة النمو التصديري في ظل ضعف التجديد الصناعي والبنية التحتية الاستثمارية، ما يعكس اختلالات هيكلية قد تعيق تطور القطاع على المدى الطويل.
ويعاني البلد، البالغ حجم ناتجه المحلي الإجمالي السنوي نحو 53.4 مليار دولار، من أزمة اقتصادية بسبب تداعيات الأزمة الصحية ثم عمّقتها آثار الحرب في أوكرانيا، وسط محاولات من السلطات لتعديل الأوضاع.
ونمت صادرات القطاع في الفترة بين يناير ويونيو بنسبة 19 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى 29.47 مليار دينار (9.81 مليار دولار)، وفق بيانات صادرة عن وكالة النهوض بالصناعة والتجديد.
19
في المئة نسبة نمو الصادرات بالنصف الأول مقابل تراجع الاستثمار بواقع 9.1 في المئة
وأظهرت الإحصائيات التي أوردتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية أن قيمة مشتريات الشركات الصناعية زادت في الفترة المذكورة بواقع 8 في المئة بمقارنة سنوية لتصل إلى 9.87 مليار دولار.
ووفقا لذلك فإنّ عجز الميزان التجاري الصناعي قدّر بحوالي 850 مليون دولار في النصف الأول مقابل 237.3 مليون دولار قبل عام.
وزادت صادرات الصناعات المختلفة بنسبة 16.8 في المئة بقيمة 810 ملايين دولار، في حين تقلّصت الواردات بنسبة 3.3 في المئة لتستقر عند أكثر بقليل من المليار دولار.
وارتفعت صادرات الصناعات الكيميائية بنسبة 12 في المئة، والواردات بنسبة 5.3 في المئة، وقطاع مواد البناء والخزف والبلور بنسبة 17 في المئة، مقابل تراجع الواردات بنحو 3.1 في المئة بمقارنة سنوية.
كما نمت صادرات وواردات الصناعات الميكانيكية والمعادن على التوالي، بنسبة 6.2 و14.5 في المئة، وسجلت صادرات النسيج والملابس نموا طفيفا، بنسبة واحد في المئة و4 في المئة على التوالي.
مقابل ذلك تقلصت صادرات الصناعات الغذائية بنسبة 23.3 في المئة والواردات بنسبة 7 في المئة. وأيضا تراجعت صادرات صناعة الجلود والأحذية بنسبة 2.4 في المئة، في حين زادت الواردات بحوالي 5.3 في المئة على أساس سنوي.
وتتزايد رهانات تونس على تنمية قطاع الصناعة خلال المرحلة المقبلة بما يمكنها من جعله أحد المجالات المهمة إلى جانب السياحة، رغم الصعوبات والمنافسة من دول إقليمية على جذب المستثمرين وفي مقدمتها المغرب.
وتشهد البلاد منافسة مع العديد من الوجهات، في المنطقة وخارجها، على جذب الاستثمارات الصناعية، وباتت هذه المنافسة دولية أيضا.
ويعتمد الاقتصاد التونسي كثيرا على الصناعة كأحد القطاعات الإستراتيجية إلى جانب كل من السياحة والخدمات، والتي توفر العملة الصعبة للبلد المرهق ماليا.
كما أن القطاع الصناعي يساعد على امتصاص البطالة التي لا تزال تحوم عند أكثر بقليل من 15 في المئة، وهي نسبة تبدو معقولة قياسا بحوالي 18 في المئة خلال بعض الفترات، لاسيما أثناء الأزمة الصحية.
وتشير التقديرات الحكومية إلى أن الصناعة تساهم سنويا بنحو 28.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لتونس، وهي توفر قرابة 34 في المئة من فرص العمل للقوة العاملة النشطة في البلاد.
ومع ذلك سجلت الاستثمارات المصرّح بها في القطاع الصناعي، خلال النصف الأوّل من 2025، تراجعا بنسبة 9.1 في المئة بمقارنة سنوية لتقدر قيمتها بحوالي 317.8 مليون دولار.
الوضع يطرح تساؤلات حول مدى استدامة نمو القطاع، ما يعكس اختلالات هيكلية قد تعيق تطويره على المدى الطويل
وفيما يتعلّق بالاستثمارات ذات المساهمة الأجنبية، أشارت وكالة النهوض بالصناعة إلى تسجيل التصريح بنحو 179 مشروعا ذا مساهمة أجنبية (106 مشاريع أجنبية كليّا و73 مشروعا بالشراكة)، مقابل 181 مشروعا خلال الفترة ذاتها من 2024.
وبلغت قيمة هذا الصنف من الاستثمارات نحو 67.7 مليون دولار، مقابل 85.85 مليون دولار في النصف الأوّل من العام الماضي، أي بتراجع قدره 21.1 في المئة.
وستسمح هذه الاستثمارات بتوفير 4962 فرصة عمل مقابل 6266 فرصة خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2024، أي بتراجع بنسبة 26.4 في المئة.
أما بالنسبة إلى الاستثمارات التونسيّة المصرّح بها في القطاع الصناعي فقد قدّر حجمها بحوالي 250 مليون دولار بتراجع قدره 5.2 في المئة على أساس سنوي.
وبلغ عدد المشاريع المصرّح بها 1264 مشروعا خلال النصف الأوّل من 2025 مقابل 1505 مشاريع خلال النصف الأوّل من السنة الماضية.
وستمكن هذه المشاريع من توفير أكثر من 10.6 ألف فرصة عمل خلال النصف الأول من هذا العام مقابل أكثر من 11.8 ألف فرصة عمل في الفترة المقابلة من العام 2024.