الشرع يلتقي عبدي في دمشق لمنع مواجهة مفتوحة في حلب

دمشق وقسد تتفقان على وقف شامل لإطلاق النار برعاية أميركية.
الأربعاء 2025/10/08
رهان أميركي على نجاح التقارب مع الشرع

دمشق- عبّر اللقاء الذي جمع بين الرئيس السوري أحمد الشرع ووفد من الإدارة الذاتية الكردية يقوده قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، بحضور أميركي، الثلاثاء، عن رغبة الطرفين في تطبيع الأوضاع الميدانية في حلب وباقي خطوط التماس، دون الكشف عن أيّ خطوات عملية لتفعيل اتفاق العاشر من مارس لدمج قسد في مؤسسات الدولة السورية.

وتمت التهدئة بين دمشق وقسد بمتابعة أميركية تعكس رغبة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منع التصعيد بسوريا والمضي في تنفيذ اتفاق مارس الماضي.
وأعلنت الرئاسة السورية أن الرئيس أحمد الشرع اجتمع في دمشق مع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك وقائد القيادة المركزية الأميركية الأميرال براد كوبر.

التوتر الأمني يجري في ظل استعصاء سياسي، وتعثر المفاوضات بين الجانبين حول تطبيق اتفاق العاشر من مارس

وركزت المحادثات، التي حضرها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبوقصرة ورئيس المخابرات حسين السلامة، على مستجدات الأوضاع في سوريا ودعم العملية السياسية وجهود تعزيز الأمن والاستقرار.

ويسود توتر منذ فترة بين القوات الحكومية وقوات سوريا الديمقراطية، ووقعت مواجهات بين الجانبين على أكثر من جبهة كان أخطرها ما جد ليل الاثنين في حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب.

ويأتي هذا التوتر في ظل استعصاء سياسي وتعثر المفاوضات بين الجانبين حول تطبيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه في العاشر من مارس الماضي، والذي رسم الخطوط العريضة لشكل العلاقة المستقبلية بين الأكراد والدولة السورية.

وكان من المفترض أن يجري البناء على ذلك الاتفاق الذي نص على وحدة سوريا، وعلى دمج قوات سوريا الديمقراطية وباقي مؤسسات الإدارة الذاتية الكردية في الدولة السورية، من خلال لجان مكلفة من الطرفين، تتولى البحث في التفاصيل وتقدم رؤيتها قبل موفى العام الجاري.

لكن ذلك لم يتحقق وسط تبادل اتهامات بين الإدارة الذاتية ودمشق حول الطرف المسؤول عن تعطيل الاتفاق وعدم المضي فيه.
ويبدو أن اللقاء الذي جمع الثلاثاء بين الشرع وعبدي لم يسفر عن اختراق حقيقي، وأن كل ما تحقق هو التوصل إلى اتفاق بشأن التهدئة على خطوط التماس دفعت باتجاهه الولايات المتحدة.

ويشير المراقبون إلى أنه في ظل الوضع الراهن فإن ما تحقق هو فقط تأجيل مواجهة شبه حتمية بين دمشق وقسد.

وعقب اللقاء بين الشرع وعبدي، أعلنت الحكومة السورية عن “وقف شامل لإطلاق النار” مع الأكراد في شمال البلاد وشمال شرقها.

وكتب وزير الدفاع مرهف أبوقصرة في منشور على إكس “التقيت قبل قليل بالسيد مظلوم عبدي في العاصمة دمشق واتفقنا على وقف شامل لإطلاق النار بكافة المحاور ونقاط الانتشار العسكرية شمال سوريا وشمال شرقها، على أن يبدأ تنفيذ هذا الاتفاق فوريا”.

وقال مصدر حكومي إن اللقاء بين عبدي وأبوقصرة جاء بعد لقاء عبدي مع الرئيس الشرع بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني والمبعوث الأميركي توماس باراك وقائد القيادة الوسطى الأميركية في الشرق الأوسط (سنتكوم) براد كوبر، و”ناقش قضايا أمنية تتعلق باتفاق العاشر من مارس”.

وجاء هذا الحراك الدبلوماسي النشط في دمشق، غداة إعلان المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك الاثنين عن لقاء جمعه مع قائد قوات سوريا الديمقراطية تخلّلته “محادثات هامة” بحضور كوبر في شمال شرق سوريا.

ويسري في مدينة حلب الثلاثاء وقف لإطلاق النار أعلنت السلطات التوصل إليه فجرا عقب تصعيد بين قواتها وقوات كردية أسفر عن مقتل شخصين.

مرهف أبوقصرة: الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار بكافة المحاور ونقاط الانتشار العسكرية

وبدأ التوتر ليل الاثنين في حيي الشيخ مقصود والأشرفية اللذين تقطنهما غالبية كردية، حيث اتهمت سلطات دمشق القوات الكردية بقصف الحيين، بينما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن قوات وزارة الدفاع نفّذت قصفا في المقابل تخلله استخدام طائرات مسيرة.

وكان التلفزيون الرسمي أفاد فجرا بأن الاشتباكات توقّفت بعد إعلان وقف النار، بعدما تحدث عن تصعيد ليلا في الحيين أسفر عن مقتل عنصر أمن ومدني بقصف نسبه إلى القوات الكردية.

وتحدّث عن نزوح العشرات من العائلات من الحيين “جراء استهداف قسد للمنطقة بالرشاشات الثقيلة وقذائف الهاون”.

وأثارت المواجهات مخاوف الأكراد من تكرر سيناريو السويداء والساحل. وقال الموظف المتقاعد سنان رجب باشا (67 عاما) من سكان حي الشيخ مقصود “شعرنا بالخوف وقررنا مغادرة منزلنا في حي الشيخ مقصود باتجاه منزل أقاربنا وسط حلب”.

وأضاف “أثناء خروجنا، لاحظنا نزوح أعداد كبيرة من العائلات من أحياء الشيخ مقصود والأشرفية والسريان الجديدة، شاهدناهم وتحدثنا معهم وبعضهم ليس لديه مكان يذهب إليه”.

ونفت قوات سوريا الديمقراطية في بيان شنّ أيّ هجوم على قوات الأمن الحكومية، مشيرة إلى أنّ “ما جرى في حلب هو نتيجة مباشرة لاستفزازات فصائل الحكومة المؤقتة ومحاولاتها التوغّل بالدبابات”.

وقالت إن “الأهالي يدافعون عن أنفسهم، إلى جانب قوى الأمن الداخلي في الحيّين، التي تقوم بواجبها في حماية المدنيين وحفظ الأمن والاستقرار”.

وذكر المرصد أن قوات تابعة لوزارة الدفاع السورية نفذت “قصفا بالرشاشات الثقيلة والمتوسطة على مناطق متفرقة من الحيّين” اللذين تقطنهما غالبية كردية، وأنها استخدمت كذلك “طائرات مسيّرة انتحارية لاستهداف مواقع في عمق الشيخ مقصود، ما تسبّب في أضرار مادية كبيرة”.

وتسيطر القوات الحكومية على حلب منذ أطاحت هيئة تحرير الشام بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر 2024. لكن قوات كردية محلية مرتبطة بقوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي التابعة لها (الأسايش) تسيطر على حيي الشيخ مقصود والأشرفية، على الرّغم من أنّ قسد انسحبت رسميا من هذين الحيّين في أبريل الماضي في إطار اتفاق أبرمته مع دمشق، كخطوة لبناء الثقة، قبل أن تنتكس الأمور.

ولا يبدي متابعون تفاؤلا كبيرا حيال التحركات الدبلوماسية الأخيرة، مشيرين إلى أن هناك فجوة لا أحد من الطرفين في وارد اتخاذ الخطوة الأولى لردمها.

ويشير المتابعون إلى أن الأكراد يتمسكون بالمكاسب التي حققوها خلال الحرب الأهلية، ويصرون على نظام لامركزي موسع في سوريا يحافظون من خلاله على استقلالية الإدارة الذاتية التي أقاموها في العام 2013.

في المقابل تتمسك السلطة الانتقالية بدعم من تركيا بالحفاظ على نظام مركزي ودمج مؤسسات الإدارة الذاتية، وبين هذا وذاك تتبنى واشنطن سياسة إدارة الأزمة بدل حلها، حيث إن هذا يخدم مصالحها ويجعلها تمتلك ورقة مهمة للضغط بها على دمشق وأنقرة.

1