إيران تنزلق في منحدر تآكل اقتصادها على نحو أعمق
طهران - تصطدم إيران بتحديات اقتصادية متفاقمة تدفع باقتصادها إلى منحدر أكثر حدة من التآكل، وسط تصاعد العقوبات الدولية، وتراجع الاستثمارات، وتدهور العملة المحلية.
وهذا الانحدار لا يعكس أزمة مؤقتة، بل يشير إلى أزمة هيكلية تتعمق مع مرور الوقت، ما ينذر بتداعيات أوسع على الداخل الإيراني واستقراره الاقتصادي والاجتماعي.
ويواجه الحكام الدينيون واحدة من أخطر أزماتهم منذ الثورة الإسلامية عام 1979، عالقين بين تنامي السخط الشعبي في الداخل بشأن مشاكل الاقتصاد وتعثر الاتفاق النووي، اللذين زادا من عزلة البلاد وانقسامها.
وأعادت الأمم المتحدة فرض عقوبات على إيران السبت بعد فشل محادثات اللحظة الأخيرة بين طهران والقوى الأوروبية، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، في حل آخر خلافات عقود بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وفي غياب أي تقدم في المحادثات مع الغرب، توقع أربعة مسؤولين إيرانيين واثنان من المطلعين أن تشتد عزلة إيران الاقتصادية، مما سيؤجج الغضب الشعبي.
ومع ذلك، فإن قبول مطالب الغرب يُهدد بتفتيت النخبة الحاكمة وتهميش المعتقدات الثورية للجمهورية الإسلامية في “عدم الرضوخ للضغوط الغربية” التي تُميز موقف طهران الثابت، على حد قولهم.
وأحد علامات التأثر السريع بهذه الخطوة هو تسجيل الريال الإيراني أدنى مستوياته أمام الدولار الأميركي الأحد، وفق عدد من المواقع الإلكترونية المتخصصة في تتبع العملات.
وكان الدولار يُتداول بحوالي 1.12 مليون ريال بسعر السوق السوداء، بحسب موقعي بونباست وألان تشاند المرجعيين. وقبل أن تفعّل فرنسا وبريطانيا وألمانيا “آلية الزناد”، كان سعر الدولار الواحد يزيد قليلا عن مليون ريال إيراني.
وأعادت الدول الأوروبية فرض عقوبات الأمم المتحدة في 28 أغسطس، متهمةً إيران بانتهاك اتفاقها النووي لعام 2015 مع القوى العالمية. ودخلت هذه الإجراءات حيز التنفيذ السبت بعد فشل جهود التفاوض لتأجيلها هذا الأسبوع خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتتسع الخلافات داخل النخبة الحاكمة في إيران حول كيفية التعامل مع الأزمة، فالبعض يدفع باتجاه نهج أكثر صرامة، بينما يقاوم آخرون، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى انهيار الجمهورية الإسلامية.
وكان ذلك ارتداد طبيعي لاستئناف الرئيس الأميركي دونالد ترامب السريع لحملة “الضغط الأقصى” على طهران منذ فبراير الماضي، بفرض عقوبات جديدة وتهديدات بالمزيد من العمل العسكري.
وصرّح أحد المسؤولين الإيرانيين لرويترز، لم تكشف هويته، بأن بعض صناع القرار في طهران يعتقدون أن “الحفاظ على الوضع الراهن – لا حرب، لا اتفاق، واستمرار المحادثات – هو الخيار الأفضل دون تقديم المزيد من التنازلات.”
وقد تزيد الإجراءات الجديدة الضغط على الاقتصاد الإيراني بشكل كبير، مما يفرض المزيد من القيود على تجارتها مع الدول التي تجاهلت سابقًا العقوبات الأميركية الأحادية الجانب.
وتشمل عقوبات الأمم المتحدة قيودًا على قطاعات النفط والبنوك والمالية الإيرانية، وحظرًا على الأسلحة، وحظرًا على تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته.
وعلاوة على ذلك، تتضمن العقوبات الأممية حظرًا على أنشطة الصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية، وتجميدًا عالميًا للأصول، وحظرًا على سفر الأفراد والكيانات الإيرانية.
ومما يزيد من تعقيد التحديات التي تواجهها إيران، أن المؤسسة الدينية تواجه غضبًا شعبيًا متزايدًا بسبب تفاقم المشاكل الاقتصادية.
◙ غضب شعبي متزايد في إيران بسبب الصعوبات الاقتصادية والتضخم مع اتساع القلق من تعمق المشاكل جراء العقوبات الجديدة
ويخشى العديد من الإيرانيين، مثل شيما معلمة مدرسة ابتدائية، من أن إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة ستزيد من شلل الاقتصاد، الذي يعاني أصلًا من ضغوط متزايدة بسبب سنوات من العقوبات وسوء الإدارة.
وقالت شيماء، البالغة من العمر 36 عامًا، وهي أم لطفلين، لرويترز عبر الهاتف من طهران: “نكافح بالفعل لتغطية نفقاتنا. المزيد من العقوبات يعني المزيد من الضغوط الاقتصادية. كيف سننجو؟”
ويبلغ معدل التضخم الرسمي في إيران حوالي 40 في المئة، ويقدر البعض أنه يتجاوز 50 في المئة ببلد يضم 91.57 مليون نسمة، وفق إحصائيات تعود لعام 2024.
وقد أفادت وسائل الإعلام الإيرانية في الأشهر الأخيرة بارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية وتكاليف السكن والمرافق، مدفوعةً بالانخفاض الحاد في قيمة الريال وارتفاع أسعار المواد الخام.
ويعتقد المسؤول الثاني أن القيادة الدينية تشعر بقلق متزايد من أن الغضب الشعبي المتزايد من الصعوبات الاقتصادية قد يتحول إلى احتجاجات جماهيرية من شأنها أن “تضر أكثر بمكانتها على الساحة الدولية.”
ورغم إعادة فرض العقوبات منذ عام 2018 عندما انسحب ترامب آنذاك من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 نجحت إيران في تجنب الانهيار الاقتصادي بفضل الصين، المشتري الرئيسي لنفطها وإحدى الدول القليلة التي لا تزال تتاجر معها بشكل ثابت.
1.12
مليون ريال سعر صرف الدولار الأحد نزولا من سعر بلغ حوالي مليون ريال السبت
ومع ذلك، يخيم الغموض على استدامة صادرات النفط مع تجدد عقوبات الأمم المتحدة بعدما ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، لتبلغ نحو 1.8 مليون برميل يوميًا خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو أعلى معدل منذ ثماني سنوات.
وتقول طهران إن تجديد العقوبات سيجبرها على اتخاذ موقف نووي أكثر صرامة. وصرّح المسؤولون الإيرانيون بأن تجديد العقوبات سيدفعهم نحو موقف نووي أكثر صرامة، لكن التهديد بشن هجمات إسرائيلية لم يترك لهم سوى هامش ضيق للمناورة.
وشكّك مسؤول إيراني كبير سابق معتدل في أن تتخذ طهران خطوات جذرية، حيث تدرك القيادة المخاطر في ظل ضعف موقفها الإقليمي، وتزايد الضغوط الداخلية، والتكلفة المحتملة للمزيد من التصعيد.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ نمو الاقتصاد الإيراني بنهاية العام الحالي بنسبة 0.3 في المئة، في حين كان قد رجح في تقريره السابق في أكتوبر الماضي نموا بنسبة 3 في المئة.
وقدّر الصندوق أن ينخفض إنتاج النفط للبلد العضو في منظمة أوبك وفي تحالف أوبك+ وتصديره في العام المقبل بمقدار 300 ألف برميل يوميا. وبلغ إنتاجها الشهر الماضي 3.27 مليون برميل يوميا بزيادة قدرها 190 ألف برميل يوميا على أساس سنوي.
وسبق أن حذرت شركات استشارية في مجال الطاقة مثل كيبلر وفورتيكسا وتانكر تراكرز من أن تصدير النفط الإيراني قد ينخفض بما يصل إلى 500 ألف برميل يومياً مع تشديد العقوبات.
