إغراءات الأرباح تفتح شهية البنوك الإماراتية في السوق التركية

الإقراض والاستشارات يعززان فرص حيازة حصة أكبر من الأعمال.
السبت 2025/10/18
نظرة شاملة لمركز الأعمال في إسطنبول

في خضم التحولات الاقتصادية الإقليمية بدأت السوق التركية تجذب اهتماماً متزايداً من البنوك الإماراتية، مدفوعة بإغراءات الأرباح العالية والفرص الاستثمارية الواعدة، في وقت تسعى فيه أنقرة إلى استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية لإنعاش اقتصادها المتعثر.

إسطنبول- تعمل البنوك الإماراتية على توسيع رقعة أعمالها في السوق التركية عبر تقديم قروض جديدة بمئات الملايين من الدولارات إلى الشركات، في حين تدفع الضبابية السياسية العديد من المستثمرين الأجانب إلى الحذر من السوق.

وفي ظل تراجع قيمة الليرة وتنامي الحاجة إلى التمويل، تسير المؤسسات المالية الإماراتية عكس قناعات العديد من المستثمرين في إحدى أبرز الأسواق الناشئة وترى هذه البنوك في تركيا أرضاً خصبة للتوسع وتعزيز الحضور الإقليمي.

ومع عدد سكان يزيد عن 85.5 مليون نسمة، يرى المقرضون الخليجيون أن تركيا سوق واعدة للتوسع نظرا لقربها الجغرافي وإلمامهم بالنظام المصرفي المحلي.

وخلال الأشهر الخمسة الماضية قدّم كل من بنك الإمارات دبي الوطني وبنك دبي الإسلامي تمويلاً بنحو 440 مليون دولار لشركات تشمل مشغّلة الاتصالات توركسل وسلسلة متاجر السوبرماركت أي 101.

كان كيزير أوغلو: البنوك الخليجية تعتبر تركيا سوقا تتمتع بعائد أفضل
كان كيزير أوغلو: البنوك الخليجية تعتبر تركيا سوقا تتمتع بعائد أفضل

كما نظم بنك دبي الإسلامي في تلك الفترة صفقة تمويل إسلامي لصالح الخطوط الجوية التركية، وفق ما تظهره المعطيات.

ويرى خبراء ومتابعون أن هذه القروض تظهر أن البنوك باتت صلة الوصل الرئيسية لتدفق رأس المال بين البلدين، بعد أن شهد التعهد الاستثماري الإماراتي البالغ 51 مليار دولار في 2023 صفقات لم تحقق المردود.

ويقول مسؤولون في كلتا السوقين إن هذه الخطوة ليست سوى البداية، حيث تفتح البنوك الإماراتية مكاتب محلية وتوظف مصرفيين أتراكاً للتعامل مع سوق متقلبة لكنها مربحة.

ونسبت وكالة بلومبيرغ إلى كان كيزير أوغلو، الشريك الإداري في شركة الاستشارات سيرفو كابيتال ومقرها إسطنبول، قوله “تعتبر البنوك الخليجية تركيا سوقاً يمكنها وضع أموالها فيها بعائد أفضل مُقارنةً بما يمكن تحقيقه في أسواقها المحلية.”

وأشار في تصريحات إلى علاوات تصل إلى 250 نقطة أساس للعوائد مقارنةً بما تجنيه أعمال البنوك الإماراتية داخليا في سوق البلد الخليجي.

ويعتمد التوسع الحالي على الجهود السابقة للبنوك الإماراتية في إقراض البنوك التركية، والتي تُعتبر تقليدياً جهة اقتراض أكثر أماناً مقارنةً بالشركات، بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين في 2023.

ومنذ ذلك الحين احتل بنك الإمارات دبي الوطني وبنك أبوظبي التجاري المرتبتين الثانية والثالثة كأكبر مرتبي القروض المشتركة للبنوك التركية، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبيرغ.

ويُعدّ بنك المشرق، ومقره دبي، من المؤسسات الجديدة التي فتحت مكتباً تمثيلياً في إسطنبول خلال مايو الماضي بهدف زيادة حصة نشاطه في السوق التركية.

هذه الثقة تكتسب أهمية خاصة في ظل سلسلة القضايا القضائية ضد معارضي أردوغان والتي أعادت إثارة قلق المستثمرين

وقال نائب الرئيس التنفيذي عزيز عطا في مقابلة مع بلومبيرغ “وصلنا إلى حجم شعرنا عنده أن تواجدنا على الأرض سيكون مناسباً لقيادة توسّعنا الإضافي بمختلف القطاعات.” وأضاف “لقد باتت شهية المخاطرة لدينا الآن أوسع، لتشمل الشركات والكيانات السيادية.”

وتعزز المكاتب المحلية تواجد الكيانات الإماراتية القائمة بالفعل في القطاع المالي التركي، الذي يحاول التأقلم مع الصدمات الداخلية والخارجية التي جعلت أسعار الفائدة في مستويات قياسية بهدف السيطرة على التضخم الجامح.

وقال باران إيشك رئيس مكتب بنك دبي الإسلامي “يخطط مكتبنا التمثيلي لتوفير تمويلات كبيرة مشتركة ومتوافقة مع الشريعة” للشركات التركية والهيئات السيادية والجهات المرتبطة بالحكومة. وأكد أنه سيتم الإعلان عن المزيد من الصفقات في الأشهر المقبلة.

وبينما يمتلك بنك الإمارات دبي الوطني بنك دنيز بنك، استحوذ بنك دبي الإسلامي على حصة بنسبة 25 في المئة في مجموعة توم التي تدير بنكاً رقمياً.

وفي العام الماضي استحوذت الشركة القابضة (أي.دي.كيو)، وهي صندوق ثروة سيادي يتبع حكومة أبوظبي، على البنك متوسط الحجم أوديا بنك التابع لبنك عودة.

عزيز عطا: وصلنا إلى شعور أنه يمكن التوسع بمختلف القطاعات
عزيز عطا: وصلنا إلى شعور أنه يمكن التوسع بمختلف القطاعات

وأوديا بنك هو مصرف متوسط الحجم في تركيا، تبلغ أصوله 2.6 مليار دولار، وأسسه بنك عودة في عام 2012، وتبلغ حصته 76.4 في المئة.

وبالنسبة إلى المقترضين الأتراك جاء التمويل الخليجي في توقيت مثالي، إذ قام البنك المركزي التركي بتقييد القروض بالعملات الأجنبية وأبقى على أسعار الفائدة عند نحو 40 في المئة في محاولة للحد من التضخم، ما جعل الائتمان المحلي شحيحاً ومكلفاً.

وقال كيزير أوغلو “تقليديّا كانت البنوك التركية تموّل هذه الشركات الكبرى.” وأضاف “الآن، بعد فرض قيود على نمو محافظ القروض لديها، تبرز فرصة للمقرضين الأجانب.”

ويعكس هذا التوجه نحو الإقراض أيضاً الثقة بعودة أنقرة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية تحت إدارة وزير المالية والخزانة محمد شيمشك، الذي أعاد بناء احتياطيات النقد الأجنبي وخفض مخاطر التخلف عن السداد.

وتكتسب هذه الثقة أهمية خاصة في ظل سلسلة القضايا القضائية ضد معارضي الرئيس رجب طيب أردوغان، والتي أعادت إثارة قلق المستثمرين.

وتعليقا على ذلك قال عطاء “ستحدث تغييرات وتحديات على المدى القصير في أي بلد، وليس تركيا فقط، لكننا نظل متفائلين جداً بشأن أساسيات الاقتصاد التركي.”

وتقوم بنوك مثل الإمارات دبي الوطني وبنك الفجيرة الوطني بتوظيف مصرفيين من إسطنبول لتعزيز أعمالها في تركيا، وهو اتجاه يُسهم في نمو سريع للجالية التركية المقيمة في الإمارات.

حخح

وتشير تقديرات مجلس الأعمال التركي في دبي والإمارات الشمالية إلى أن التنقلات خلال الوباء وتحسن العلاقات السياسية أديا إلى زيادة عدد الأتراك في الإمارات ستة أضعاف، ليصل إلى نحو 60 ألف شخص منذ 2020، متجاوزاً معدل نمو السكان الإجمالي.

وقالت غونسل توبباش، رئيسة لجنة المالية بالمجلس، إن “العديد من المتخصصين الأتراك في القطاع المالي ينجذبون إلى الإمارات، ليس فقط بسبب الرواتب المعفاة من الضرائب، بل أيضاً لما توفره من استقرار وغياب نسبي للسياسة في الحياة اليومية.”

وبالنسبة إلى البنوك يوفر توظيف الأتراك شبكات علاقات ومهارات لغوية قيمة قد تحدد نجاح الصفقة أو فشلها. وقالت توبباش “في كل مكان، يفضلون التحدث بالتركية، وحتى لو كانوا يجيدون الإنجليزية، فإن الأجواء لا تكون نفسها.”

4