إصلاح التقاعد يحرك النقاش مجددا بين الحكومة والنقابات في المغرب
الرباط – عاد ملف إطلاق برنامج الإصلاح الشامل لأنظمة التقاعد في المغرب، كأحد أبرز التحديات الاجتماعية، إلى واجهة السجال السياسي والاجتماعي مع اقتراب موعد اجتماع مرتقب بمقر وزارة الاقتصاد والمالية بالرباط بعد المشاورات الأخيرة التي قادتها وزارة الاقتصاد والمالية مع النقابات الأكثر تمثيلية، حيث ينتظر أن يجمع ممثلين عن الحكومة والمركزيات النقابية والفاعلين الاقتصاديين.
وطرح الملف أمام أنظار الحكومة باعتباره أحد أبرز التحديات الاجتماعية، خصوصا وأن التقارير الرسمية أظهرت مؤشرات مقلقة بشأن مستقبل الصناديق، التي باتت مهددة بالعجز الكامل في حال استمرار العمل بالآليات الحالية دون تدخل إصلاحي، إذ لم يعد مفيدا تأجيل النقاش حول إصلاح التقاعد، خاصة في ظل ضغوط مالية وديموغرافية تضع المنظومة برمتها على المحك.
وباشرت نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، الاتصالات مع النقابات العمالية الأكثر تمثيلية من أجل تحديد موعد وجدول أعمال اجتماع اللجنة التقنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد، لمناقشة مطالب النقابات حول الوضعية الحالية لبعض صناديق التقاعد، إلى جانب مناقشة منهجية العمل المرتقبة، والآفاق المستقبلية لهذا البرنامج الاجتماعي ذي الأهمية القصوى، إذ ستكون الجولة ما قبل الأخيرة للحوار الاجتماعي قبل نهاية الولاية الحكومية الحالية، مناسبة للحسم في الملفات العالقة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية.
النقابات تدعو إلى مراجعة جذرية للمنظومة، انطلاقا من إصلاح الحكامة داخل الصناديق والحد من تعددية الأنظمة التي تخلق اختلالات عميقة في التوازنات
وسبق للوزيرة أن أكدت أنه تم الاتفاق على أن اللجنة التقنية ستبدأ اجتماعاتها الفعلية ابتداء من شهر سبتمبر الجاري، وستكون مهمتها الأولى “تقاسم المعلومات والمعطيات التقنية” التي تتوفر عليها الصناديق المختلفة، بهدف الوصول إلى “تشخيص موحد” ودقيق لوضعيتها الحالية، وهو ما اعتبرته خطوة أساسية ومهمة جدا، لكون ملف التقاعد يمس شرائح واسعة من المغاربة، من بينها المتقاعدون حاليا، والأجراء الذين يتطلعون إلى مستقبلهم، بالإضافة إلى الفئات التي لا تتوفر على أي تغطية.
وأكدت مصادر من داخل الاتحاد المغربي للشغل بالمغرب لـ”العرب” أن النقابة تصر على اعتماد منهجية تشاركية تحمي حقوق الأجراء والمتقاعدين، وستبقى على طريق الدفاع عن مطالب المتقاعدين والمتقاعدات وعموم الأجراء في القطاعين العام والخاص، في إطار مقاربة عادلة ومنصفة لإصلاح أنظمة التقاعد، وتحقيق توافق يضمن استدامة الصناديق ويجنب البلاد أي احتقان اجتماعي جديد خلال السنة الأخيرة من عمر الحكومة الحالية، حيث أشارت وزيرة المالية إلى أن الحكومة ملتزمة بالتعاون مع النقابات والفرقاء الاجتماعيين لتحقيق الإصلاحات الضرورية.
وأوضحت المصادر ذاتها أن جدول أعمال اللقاء بين المركزيات النقابية والحكومة يتضمن مقاربة شاملة حول أسباب الإخلالات التي تعاني منها الصناديق، ومناقشة المنهجية التي سيتم اعتمادها لمعالجة هذه الأزمة المزمنة، خصوصا وأن الاتحاد المغربي للشغل، رفض بشكل مبدئي التركيز على الحلول التقنية بمعزل عن الملفات الاجتماعية العالقة.
وتعد اللجنة التقنية ثمرة اتفاق اجتماع اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، الذي نتج عنه الاتفاق على مواصلة التداول والحوار عبر خلق لجنة تقنية مكونة من ممثلي الحكومة وممثلي الحركة النقابية وممثلي أرباب العمل وممثلي صناديق التقاعد، تُعهد لها دراسة وضعية الصناديق وإعداد تقارير تُرفع إلى اللجنة الوطنية للتقاعد.
وحذر المجلس الأعلى للحسابات من المخاطر المحتملة التي قد تواجهها المالية العمومية، مجددا التذكير بالحاجة الملحة إلى مباشرة وتسريع إصلاح منظومة التقاعد، وذلك للحفاظ على ديمومتها.
المجلس الأعلى للحسابات يحذر من المخاطر المحتملة التي قد تواجهها المالية العمومية، في ظل الحاجة الملحة إلى مباشرة وتسريع إصلاح منظومة التقاعد، وذلك للحفاظ على ديمومتها
وأكدت الشبكة المغربية لهيئات المتقاعدين أن وضعية المتقاعدين وذوي الحقوق في المغرب “مزرية”، جراء عدم الرفع من أجورهم التي ظلت جامدة لأكثر من 25 سنة، وصعوبة الولوج إلى المرافق الصحية والاجتماعية والخدمات، وأن معركة المتقاعدين مستمرة تحت شعار “إذا تقاعدنا عن العمل فلن نتقاعد عن النضال”.
وطالبت النقابات بإدراج موضوع الزيادة في معاشات المتقاعدين الحاليين، المجمدة منذ أكثر من عقدين، ضمن أولويات النقاش، معتبرة أن أي إصلاح يُطرح دون معالجة هذا الجانب لن يحظى بالقبول. كما شددت على أن مسؤولية الدولة أساسية في ما آلت إليه الصناديق، وأن تحميل الأجراء كلفة الإصلاح يُشكل خيارا غير عادل، إذ سيكون إصلاح التقاعد بمثابة اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على بناء تعاقد اجتماعي جديد يُعيد الثقة بين الدولة والمواطنين.
وتؤكد الحكومة أن النقاش مفتوح وأن الإصلاح لن يُفرض بشكل أحادي، بل سيتم عبر مشاورات موسعة تستحضر التوجيهات الملكية الداعية إلى إرساء نظام تقاعدي عادل ومنصف يعزز التضامن بين الأجيال ويضمن حماية اجتماعية شاملة، وإنها تراهن على صياغة بدائل عملية قابلة للتنفيذ تراعي الواقع المالي والانتظارات الاجتماعية.
وتثير بنود رفع سن الإحالة على التقاعد إلى 65 عاما، والزيادة في نسب الاقتطاع من الأجور، وتقليص المعاشات المستقبلية، جدالا بين الحكومة والنقابات، التي ترى فيها الأخيرة تحميلا مباشرا للشغيلة أعباء إضافية، بينما يعتبرها بعض الخبراء خيارات لا مفر منها إذا أراد المغرب تجنب انهيار صناديق التقاعد، لكن كلا الطرفين يحاولان بحث أرضية للتوافق السياسي والاجتماعي لبلورة حلول معقولة.
وتدعو النقابات إلى مراجعة جذرية للمنظومة، انطلاقا من إصلاح الحكامة داخل الصناديق والحد من تعددية الأنظمة التي تخلق اختلالات عميقة في التوازنات، كما تطالب بإنشاء لجنة تقنية مستقلة تضم خبراء محايدين إلى جانب ممثلين عن الدولة والأجراء وأرباب العمل، تكون مهمتها صياغة حلول تستند إلى معطيات دقيقة ودراسات معمقة، بدل الانزلاق إلى قرارات استعجالية قد تضاعف الأزمة على المدى الطويل.