إجراءات شاملة لإنهاء الوضعية الهشة لمربي التعليم الأولي في المغرب
الرباط - كشفت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في المغرب عن حزمة إجراءات متكاملة ومهيكلة تهدف إلى إنهاء الوضعية الهشة لمربيات ومربي التعليم الأولي في البلاد، معلنة عن انطلاق رؤية إصلاحية شاملة لتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية، والارتقاء بمكانتهم المهنية، بما يضمن رفع جودة التعليم الأولي العمومي في كافة أنحاء المملكة.
وتعهدت الحكومة المغربية بضمان تحسين جذري للأوضاع المادية للمربين، من خلال اتخاذ إجراءات صارمة لضمان انتظام تحويل الدعم المالي المخصص للجمعيات المكلفة بإدارة الأقسام المدمجة داخل المؤسسات التعليمية العمومية، وذلك بهدف تمكين هذه الجمعيات من أداء الحد الأدنى القانوني للأجور لمستخدميها دون تأخير.
وأكد النائب البرلماني حسن أومريبط، عضو فريق التقدم والاشتراكية في مجلس النواب، أن مربيات ومربي التعليم الأولي يعانون من وضعية هشة، وذلك نتيجة اعتماد الوزارة على جمعيات وسيطة لإدارة هذا القطاع، تُوظِّف المعنيين بأجور زهيدة مقابل مهام تزداد بشكل متواصل، بل وتكون في الكثير من الأحيان خارجة عن نطاق التربية والتعليم.
هذا دون الحديث عن برمجة تكوينات -زيادة على التكوينات الموازية التي تتم طيلة الموسم الدراسي- في فترة الصيف دون مراعاة أحقية الاستفادة من العطلة الصيفية، أسوة بموظفي وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وإشكالات أخرى تكشف حجم التعسف والإجحاف الممارس في حق هذه الفئة، وتستدعي إعادة النظر في إدارة ملف التعليم الأولي.
وشددت الوزارة على أنها ربطت بشكل مباشر منح التمويل للجمعيات الشريكة بمدى احترامها للأجور القانونية، واعتمدت هذا المعيار كشرط أساسي في عملية اختيار شركائها مستقبلا، وأضافت أن الدعم الموجه سيغطي أيضا تكاليف الأقدمية والتعويضات القانونية الأخرى، ما يسهم في تحقيق استقرار مالي واجتماعي لهذه الفئة التي طالما عانت من الهشاشة.
جمعية "أجيال الغد" طالبت وزارة التربية بإدماج التعليم الأولي ضمن المنظومة التربوية الرسمية
ولعل الإجراء الأبرز في هذا السياق هو تأكيدها على إلزامية التصريح الإجباري لجميع المربيات والمربين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو ما سيفتح لهم الباب للاستفادة الكاملة من خدمات التأمين الصحي الإجباري ومنظومة التقاعد، بالإضافة إلى تمكينهم ابتداء من سنة 2025 من الولوج لكافة خدمات مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، بما يشمل العلاجات والسكن والاصطياف والخدمات البنكية.
ووجهت جمعية “أجيال الغد” رسالة إلى وزارة التربية تطالب فيها بإدماج التعليم الأولي ضمن المنظومة التربوية الرسمية، معتبرة أن ترك هذا القطاع في عهدة الجمعيات والمبادرات المحلية أدى إلى إخلالات واضحة في الجودة، وأثّر سلبا على موقع المربين اجتماعيا ومهنيا، كما نبهت الرسالة ذاتها إلى أن المربين في هذا القطاع يعانون من ضعف في الاعتراف المهني والاجتماعي؛ ما يؤثر سلبا على أدائهم واستقرارهم الوظيفي.
وأكدت الجمعية، في مراسلتها التي اطلعت عليها “العرب”، أن الإنصاف التربوي يبدأ من السنوات الأولى، ما يستدعي اعترافا مؤسساتيا كاملا بهذا المستوى التعليمي، مشددة على أن الوضع الحالي للتعليم الأولي، الذي يعتمد بشكل كبير على الجمعيات والمبادرات المحلية، قد أدى إلى تفاوتات في جودة التعليم والخدمات المقدمة للأطفال في هذه المرحلة الحساسة.
وأقرت الوزارة ضمن خطتها تثمين مهنة مربيات ومربي التعليم الأولي وهيكلتها بشكل كامل، وأعلنت في هذا الصدد عن الشروع في إعداد إطار مرجعي دقيق للمهام والكفايات المهنية، يحدد بشكل واضح المؤهلات الأساسية المطلوبة لممارسة المهنة، ويضع معايير للجودة والأداء.
وفي خطوة تهدف إلى الاعتراف بالخبرات الميدانية للمربين الحاليين، كشفت الوزارة عن وضع نظام خاص للمصادقة على المكتسبات المهنية (VAE)، والذي سيمكن من تثمين المسارات المهنية والخبرات التي راكمها المربون عبر سنوات من العمل، مؤكدة أن تفعيل هذا النظام سينطلق رسميا ابتداء من الموسم الدراسي 2025 – 2026. ولضمان المتابعة الدقيقة قررت الوزارة إدماج كافة المعطيات المهنية للمربيات والمربين ضمن منظومة الإحصاء التربوي الرسمية “مسار”، ما سيتيح تتبع أوضاعهم ومساراتهم المهنية عن كثب وبشكل فردي.
وفي مايو الماضي نظم مربو ومربيات التعليم الأولي وقفة احتجاجية وطنية أمام مقر وزارة التربية، تعبيرا عن رفضهم لما يعيشونه من هشاشة وتهميش، وتواصل حيف الجمعيات المفوّضة لها إدارة القطاع، لاسيّما “عبر عقود بأجور شحيحة لا تمت للمقتضيات القانونية بصلة، وتأمينات ضعيفة، إلى جانب لجم الحريات النقابية، وتأخر منحهم صفة الموظف العمومي.”