آلية إعادة فرض العقوبات تفاقم الضغوط على اقتصاد إيران

العملة تسجل انخفاضا قياسيا وسط مخاوف من تجميد الأصول في الخارج مجددا وتقلص عوائد النفط.
الجمعة 2025/08/29
الانعكاسات واضحة على مرآة التوترات

تعود آلية إعادة فرض العقوبات إلى الواجهة كأداة فعالة تستخدمها القوى الكبرى للحد من طموحات إيران النووية والسياسية. ومع تفعيلها، تتفاقم الضغوط بشكل متسارع، ما ينعكس على مختلف جوانب الاقتصاد، وخصوصا تراجع قيمة العملة، وتأثيراتها على معيشة الناس.

طهران - تراجعت العملة الإيرانية إلى مستويات قياسية متدنية الخميس مع تزايد المخاوف في طهران من أن تبدأ الدول الأوروبية عملية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة بسبب برنامجها النووي، ما يزيد من الضغط على اقتصاد البلاد المتعثر.

وصُممت هذه الخطوة، التي أطلق عليها الدبلوماسيون الذين تفاوضوا عليها في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 مع القوى العالمية اسم “آلية إعادة فرض العقوبات،” لتكون محمية من حق النقض (فيتو)، ومن المرجح أن تدخل حيز التنفيذ بعد 30 يومًا.

وفي حال تطبيقها، ستُجمّد هذه الإجراءات الأصول الإيرانية في الخارج مجددًا، وتُوقف صفقات الأسلحة مع طهران، وتُعاقب أيّ تطوير لبرنامجها الصاروخي الباليستي، من بين إجراءات أخرى، وفق تقرير أوردته وكالة أسوشيتد برس.

وطرحت روسيا مؤخرًا مقترحًا لتمديد أجل قرار الأمم المتحدة الذي يمنح آلية “العودة السريعة”. ومن المقرر أيضًا أن تتولى موسكو رئاسة مجلس الأمن الدولي في أكتوبر، ما سيزيد على الأرجح من الضغط على الأوروبيين للتحرك.

وتجاوز سعر صرف الدولار المليون ريال. وعند إبرام اتفاق عام 2015، كان السعر عن 32 ألف ريال، ما يُظهر الانهيار الحاد للعملة منذ ذلك الحين. وبلغ الريال أدنى مستوى له على الإطلاق في أبريل الماضي، مسجلا 1.043 مليون مقابل العملة الأميركية.

وحذرت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في الثامن من أغسطس من أنها قد تُفعّل آلية إعادة فرض العقوبات على إيران بعدما توقفت عمليات التفتيش التي تُجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد الغارات الإسرائيلية التي استمرت 12 يومًا بين الطرفين في يونيو.

الولايات المتحدة والأوروبيون يرون في تفعيل الآلية وسيلةً لإبقاء إيران ضعيفةً إستراتيجيا
◙ الولايات المتحدة والأوروبيون يرون في تفعيل الآلية وسيلةً لإبقاء إيران ضعيفةً إستراتيجيا

ومن المرجح أن يُفاقم السعي إلى استخدام الآلية التوترات بين إيران والغرب في منطقة الشرق الأوسط التي لا تزال مُشتعلة بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة.

وقال مركز صوفان للأبحاث، ومقره نيويورك، الخميس، أن الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون يرون في تفعيل الآلية “وسيلةً لإبقاء إيران ضعيفةً إستراتيجيا وغير قادرة على إعادة بناء برنامجها النووي الذي تضرر جراء الضربات الأميركية والإسرائيلية.”

ويرى القادة الإيرانيون أن إعادة فرض العقوبات هي جهدٌ غربيٌّ لإضعاف الاقتصاد الإيراني إلى أجلٍ غير مسمى، وربما إثارة اضطراباتٍ شعبيةٍ كافيةٍ لإسقاط النظام الإيراني.

وقللت طهران في البداية من شأن خطر تجديد العقوبات، ولم تُكثّف جهودها الدبلوماسية لأسابيع بعد تحذير أوروبا، لكنها انخرطت في جهدٍ دبلوماسيٍّ قصيرٍ في الأيام الأخيرة، مُسلِّطةً الضوء على الفوضى التي تُسيطر على نظامها الديني.

وأشار وزير الخارجية عباس عراقجي في حديثه الأسبوع الماضي، إلى النظرة التشاؤمية لإيران تجاه دبلوماسيتها مع الغرب، لاسيما وأن الإسرائيليين بدأوا الحرب في الوقت الذي كان من المقرر فيه عقد جولةٍ سادسةٍ من المفاوضات مع الولايات المتحدة.

وصرّح عراقجي لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحكومية قائلا “ألم نكن في المحادثات عندما اندلعت الحرب؟ لذا، لا يمكن للتفاوض وحده منع الحرب،” مضيفا “أحيانًا تكون الحرب حتمية، والدبلوماسية وحدها لا تستطيع منعها.”

وبعد سجال استمر سنوات لجأت إيران إلى سيناريو مغامر للتعامل مع تداعي قيمة عملتها جراء العقوبات، يركز بشكل أساسي على إزالة الأصفار من الأوراق النقدية الجديدة، في حل مثير للجدل قد لا يأتي بالكثير من المكاسب للبلد الغارق في الأزمات.

1

مليون ريال سعر صرف الدولار بينما كان سعر صرفه في 2015 نحو 32 ألف ريال فقط

ووافقت اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى (البرلمان) مطلع هذا الشهر على مشروع قانون لإزالة أربعة أصفار من العملة التي شهدت انخفاضا مطردا في السنوات الأخيرة، خصوصا بسبب العقوبات الدولية، حسب ما ذكرته وسائل إعلام رسمية.

وبحسب مشروع القانون فإن الريال الجديد سيعادل 10 آلاف ريال حالي، وسيتم تقسيمه إلى 100 قيران، وهي وحدة تعادل السنت.

وطرح الاقتراح في عام 2019 قبل أن يُسحب. والآن يتعين طرحه للتصويت في البرلمان وأن يقره مجلس صيانة الدستور، الجهة المسؤولة عن مراجعة القوانين.

ووفقًا للمسؤولين في البنك المركزي، فإن هذه العملية ستتم على مراحل تمتد لعدة سنوات، بهدف إتاحة الوقت الكافي لتكييف الأنظمة المصرفية والمحاسبية، وتثقيف المواطنين، وتعديل العقود الرسمية والأسعار في الأسواق.

ومع تصاعد العقوبات الغربية وتفاقم الضغوط الداخلية، تواجه إيران واحدة من أصعب الظروف الاقتصادية خلال العقدين الأخيرين، وهو ما تؤكده تقارير صادرة عن المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وفي تقرير أصدره صندوق النقد خلال مايو الماضي رسم صندوق النقد صورة قاتمة عن الوضع الاقتصادي في إيران، البلد النفطي العضو في أوبك وأوبك+ ناهيك عن ارتفاع التضخم وزيادة عجز الموازنة، ما قد يكون مؤشراً على عدم استقرار طويل الأمد.

◙ صندوق النقد الدولي يقدر أن ينخفض إنتاج النفط الإيراني وتصديره في العام المقبل بمقدار 300 ألف برميل يوميا

ويرجح الصندوق أن يبلغ نمو الاقتصاد الإيراني بنهاية العام الحالي بنسبة 0.3 في المئة، في حين كان قد توقع في تقريره السابق في أكتوبر الماضي نمواً بنسبة 3 في المئة.

ويعود هذا التراجع الحاد إلى الضغوط المتزايدة للعقوبات الأميركية التي تهدف إلى تقليص الإيرادات الإيرانية المتأتية من تجارة النفط الخام وقطع وصولها إلى الموارد المالية، وهي خطوة تؤثر كثيرا على معيشة الإيرانيين بشكل بالغ.

وأواخر يوليو فرضت وزارة الخزانة الأميركية أشدّ حزمة من العقوبات منذ سبع سنوات، مستهدفة شبكة شحن دولية يسيطر عليها حسين شمخاني، ابن علي شمخاني مستشار المرشد علي خامنئي، إلى جانب أفراد وشركات وسفن تابعة لإمبراطوريته لتجارة النفط.

ورغم محاولات طهران زيادة مشاريع الطاقة بما يخدم أهدافها المستقبلية، إلا أن صناعة النفط، التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد، قد تشهد المزيد من الضرر في الظروف الراهنة.

وقدّر صندوق النقد أن ينخفض إنتاج النفط الإيراني وتصديره في العام المقبل بمقدار 300 ألف برميل يوميا. وبلغ إنتاجها الشهر الماضي 3.27 مليون برميل يوميا بزيادة قدرها 190 ألف برميل يوميا على أساس سنوي.

وسبق أن حذرت شركات استشارية في مجال الطاقة مثل كيبلر وفورتيكسا وتانكر تراكرز من أن تصدير النفط الإيراني قد ينخفض بما يصل إلى 500 ألف برميل يومياً مع تشديد العقوبات.

11