حان الوقت لإنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء المغربية

النجاحات الدبلوماسية للمغرب تجعل استمرار "المينورسو" أقل جدوى.
الاثنين 2025/09/29
رمز للجمود الدبلوماسي

التطورات الأخيرة في الصحراء المغربية تشير إلى أن الوقت أصبح مناسبا لإعادة النظر في مهام بعثة الأمم المتحدة (المينورسو)، بعد أن بات المغرب قادرًا على إدارة الملف داخليا وخارجيا بدعم دولي واسع لمبادرة الحكم الذاتي، ما يجعل استمرار البعثة التقليدية أقل جدوى ويتيح تحويل النزاع طويل الأمد إلى مسار سياسي منظم يضمن الاستقرار الإقليمي.

رغم الدور الذي لعبته بعثة الأمم المتحدة في الصحراء المغربية (المينورسو) على مدى عقود، باتت الظروف الراهنة تشير إلى أن الوقت قد حان للنظر بجدية في إنهاء عملها التقليدي أو إعادة توجيه مهامها.

وتأسست البعثة عام 1991 لضمان إجراء استفتاء “تقرير المصير للشعب الصحراوي”، لكن التحديات السياسية المتعلقة بأهلية الناخبين جعلت هذا الهدف الأصلي شبه مستحيل، ما دفع البعثة إلى التركيز على مراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة بوليساريو الانفصالية.

ومع مرور الوقت، أصبح استمرار البعثة رمزا للجمود الدبلوماسي، بينما تمكن المغرب من تحقيق مكاسب دبلوماسية ملموسة على الأرض وفي المحافل الدولية.

ومع اقتراب تصويت مجلس الأمن في 31 أكتوبر على تجديد ولاية المينورسو، يظهر جليا أن المغرب نجح في حشد دعم دولي واسع لخطته للحكم الذاتي، حيث أعربت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة عن اعترافها بسيادة المغرب على الإقليم، فيما تراجعت قدرة بوليساريو على فرض مطلب الدولة المستقلة.

وجعل هذا الزخم الدبلوماسي من استمرار مهمة البعثة التقليدية أقل جدوى، خصوصا في ظل الضغوط المالية على الأمم المتحدة وتقليص موازنات بعثات حفظ السلام، حيث تواجه المينورسو تحديات كبيرة في التمويل وتقييد التوظيف، رغم حجمها الصغير مقارنة ببعثات أخرى مثل اليونيفيل في لبنان.

وتعامل المغرب، الذي لم يطالب قط بإنهاء مهام البعثة، مع المينورسو بشكل بناء، مستفيدا من وجودها في تثبيت وقف إطلاق النار، مع الاستمرار في تطوير دبلوماسيته لتأمين دعم مجلس الأمن لخطة الحكم الذاتي التي اقترحها.

المغرب نجح في صياغة خطاب دبلوماسي متماسك يجمع بين المصداقية القانونية والسياسية، ما يجعل مواقفه أكثر قبولا لدى المجتمع الدولي

وفي الوقت نفسه تبدو الجزائر، التي لطالما دافعت عن البوليساريو، مضطرة إلى تبني موقف أكثر براغماتية أمام الزخم الدولي لمواقف المغرب، وهو ما يزيد من فرص نجاح الانتقال التدريجي للبعثة نحو دور سياسي أكثر منه رقابيا.

وتشير التطورات الدبلوماسية إلى أن المغرب بات قادرا على إدارة الملف داخليا وخارجيا دون الاعتماد المطلق على البعثة، بينما يمكن للولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة العمل على ضمان خروج منظم للبعثة أو إعادة هيكلتها لتسهيل التفاوض بين الأطراف، مع الحفاظ على الاستقرار ومنع أي تصعيد محتمل.

وعلى مدى السنوات الأخيرة نجح المغرب في تعزيز موقعه الدبلوماسي حول ملف صحرائه بشكل ملموس، حيث تمكن من حشد دعم دولي بارز من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، يدعم سيادته على الإقليم.

ويعكس هذا الزخم الدولي قدرة الرباط على صياغة خطاب دبلوماسي متماسك يجمع بين المصداقية القانونية والسياسية، ويجعل مواقفها أكثر قبولاً لدى المجتمع الدولي.

وقد تجلى هذا الدعم في إشارات عدة، بدءاً من التصريحات الرسمية التي تؤكد على اعتراف هذه الدول بسيادة المغرب، مروراً بالمواقف العملية في مؤسسات الأمم المتحدة، وانتهاءً بتسويات ثنائية أو متعددة الأطراف مع الأطراف المعنية، بمن في ذلك الأوروبيون والولايات المتحدة.

مع اقتراب تصويت مجلس الأمن في 31 أكتوبر على تجديد ولاية المينورسو، يظهر جليا أن المغرب نجح في حشد دعم دولي واسع لخطته للحكم الذاتي

وفي هذا السياق تبرز خطة الحكم الذاتي المغربية كخيار مركزي وواقعي لحل النزاع، إذ اعتبرتها أغلب القوى الكبرى، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، الطريق الأكثر قابلية للتطبيق لتحقيق تسوية سلمية ومستدامة.

ويبدو أن الوقت الحالي هو الأنسب للشروع في هذا الانتقال واستثمار الزخم الدولي لترسيخ حكم ذاتي فعلي ومستدام ضمن سيادة المغرب، وتحويل النزاع طويل الأمد إلى مسار سياسي منظم يضمن الاستقرار الإقليمي ويستفيد منه المجتمع الدولي بشكل عام.

ويلعب المجتمع الدولي دورا محوريا في ضمان استقرار المنطقة، إذ يشكل النزاع في الصحراء المغربية تهديدا محتملا للأمن الإقليمي، سواء من خلال تصاعد المواجهات العسكرية أو تداعيات الهجرة غير النظامية وتهريب الأسلحة.

وأي فراغ أمني، أو انهيار للجهود الدبلوماسية، يمكن أن يؤدي إلى تصعيد سريع، ما يعرقل التنمية ويؤثر على الاستثمارات الإقليمية والدولية.

ويوفر وجود تسوية سياسية طويلة الأمد ضمن إطار الحكم الذاتي المغربي توازنا بين مصالح الأطراف، إذ يسمح للسكان المحليين بممارسة سلطاتهم، مع الحفاظ على سيادة المغرب، ويتيح تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة.

ويعزز دعم المجتمع الدولي لهذه التسوية فرص التنمية، ويحد من الضغوط الأمنية ويتيح تدخلات دبلوماسية فعالة، بما في ذلك مراقبة حقوق الإنسان وضمان احترام الاتفاقات، وهو ما يمثل إطارا عمليا لمواجهة أي تهديدات مستقبلية.

التسوية السياسية المستدامة ضمن الحكم الذاتي المغربي توفر أداة فعالة لمنع ظهور الجماعات المسلحة أو الأنشطة غير القانونية

وعلى المستوى الإقليمي يمثل النزاع في الصحراء المغربية قضية محورية تؤثر على توازن القوى في شمال أفريقيا.

وقد أدى هذا الواقع إلى تبني عدد من الدول الإقليمية موقفا حذرا، مع حرص على عدم الانجرار إلى نزاعات قد تعرقل التنمية الإقليمية.

ويعكس هذا الأمر أهمية وجود تسوية سياسية مستقرة ومرنة، يمكن أن توفر أرضية للتعاون الاقتصادي الإقليمي وتعزيز الأمن الجماعي.

كما أن الاستقرار الناتج عن تسوية سياسية طويلة الأمد يخلق بيئة مواتية للاستثمار والتنمية الاقتصادية. فعلى مدى السنوات الماضية شهدت المنطقة تراجعاً في الاستثمارات بسبب حالة عدم اليقين الأمني والسياسي، فيما يوفر تطبيق الحكم الذاتي المغربي إطارا واضحا للقطاع الخاص، ويحفز مشاريع البنية التحتية، ويعزز السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما يعود بالنفع على السكان المحليين ويقلل من احتمالات التوتر الاجتماعي.

وعلاوة على ذلك يمثل الدور الدولي في هذا السياق ركيزة لضمان الامتثال للاتفاقيات ومراقبة تنفيذها. فوجود بعثة أممية أو فريق دولي يشرف على تنفيذ الحكم الذاتي يضمن احترام حقوق الإنسان، ويمنع أي خروقات، ويخلق قناة دبلوماسية للتعامل مع النزاعات المحتملة بشكل سلمي.

وهذا يضمن أن أي تحولات سياسية تبقى ضمن إطار القانون الدولي، وأن مصالح المجتمع الدولي والأطراف المعنية محمية على حد سواء.

ومن زاوية أخرى، توفر التسوية السياسية المستدامة ضمن الحكم الذاتي المغربي أداة فعالة لمنع ظهور الجماعات المسلحة أو الأنشطة غير القانونية، مثل تهريب الأسلحة والمخدرات، التي يمكن أن تستغل الفراغ الأمني. كما أن استقرار المنطقة يدعم جهود مكافحة الإرهاب العابر للحدود، ويعزز التعاون الاستخباراتي بين الدول، ويحد من تداعيات النزاعات على الهجرة غير النظامية، والتي تمثل أحد أهم التحديات في شمال أفريقيا وأوروبا.

2