مؤسسات وباحثون من دول عربية وغربية يتوجون بجائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية
الرياض - أعلن مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية أسماء الفائزين بجائزته في دورتها الرابعة لعام 2025، وهي أحد أبرز الجوائز المخصصة للاحتفاء بالجهود المتميزة في خدمة اللغة العربية، وتعزيز مكانتها، ودعم دورها في مجالات: التعليم، والحوسبة، والأبحاث، ونشر الوعي.
وتأتي هذه الجائزة ضمن مبادرات المجمع الإستراتيجية التي تنسجم مع مستهدفات برنامج تنمية القدرات البشرية، وسيُقام حفل تكريم الفائزين برعاية الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة، رئيس مجلس أمناء المجمع، الأحد المقبل، بمدينة الرياض.
أكد الأمين العام للمجمع، الدكتور عبدالله بن صالح الوشمي، أن هذه الجائزة مبادرة سنوية تسعى إلى تكريم الإنجازات المتميزة التي تُسهم في تطوير استخدام اللغة العربية ونشرها محليًّا ودوليًّا، وتشجيع المبادرات الإبداعية التي ترتقي بالمحتوى العربي، وتواكب التحولات التقنية والمعرفية.
وشملت الدورة الرابعة لعام 2025 أربعة فروع رئيسة، هي: تعليم اللغة العربية وتعلُّمها، وحوسبة اللغة العربية وخدمتها بالتقنيات الحديثة، وأبحاث اللغة العربية ودراساتها العلمية، ونشر الوعي اللغوي وإبداع المبادرات المجتمعية اللغوية.
وقد جرى تقييم الأعمال المرشَّحة وفقًا لآليات تحكيم دقيقة تُراعي جودة العمل، وعمق أثره، واستدامته، وأُعلنت أسماء الفائزين بعد اكتمال المداولات العلمية والتقارير التحكيمية للجان المختصة التي عملت وفقًا لمعايير محددة تتضمن مؤشراتٍ تقيس مدى الإبداع والابتكار، والتميز في الأداء، وتحقيق الشمولية وسعة الانتشار، والفاعلية والأثر المتحقق.
تعليم اللغة العربية
الجائزة تسعى إلى تعزيز حضور اللغة العربية لدى الناطقين بها وبغيرها وتشجيع التميز والإبداع في مجالاتها المختلفة
تقرّر منح جائزة المجمع للفائزين في فرع تعليم اللغة العربية وتعلُّمها لفئة الأفراد، للدكتور محمود محمد عادل محمود البطل، من الولايات المتحدة؛ لتميُّز إسهاماته في خدمة اللغة العربية، إذ تنوعت جهوده المبذولة في ميدان تعليم اللغة العربية، مع حضور فاعل ومؤثر في العالم العربي؛ وشملت الجوانب النظرية والتطبيقية المختلفة، واكتسبت جهوده قيمة إضافية؛ لما يتسم به من إشعاع عالمي وتأثير ملموس يتجاوز الحدود الجغرافية.
وتتنوع هذه الإسهامات بين التنظير العميق للظاهرة اللغوية العربية وتحليل مناهجها وبنيتها، وبين تطوير المهارات اللغوية وطرائق اكتسابها، ويمتد هذا التنوع كذلك إلى طبيعة الإنتاج العلمي؛ إذ تجمع الجهود بين البحث النظري الرصين الذي يتمثل في كتب مؤلَّفة ومحرَّرة، ودراسات علمية محكَّمة، وفصول منشورة في كتب جماعية وبين البحث التطبيقي الذي يتجسّد في مؤلفات تعليمية.
وفي فئة المؤسسات منحت الجائزة لـ”مؤسسة مناهج العالمية”، من المملكة العربية السعودية؛ لتميُّز إسهاماتها في خدمة اللغة العربية، وفقًا لرؤية منهجية متكاملة تسعى إلى تحقيق تعلّم فاعل وشامل للغة العربية؛ من خلال إعداد وثيقة منهجية شكلت الإطار المرجعي لجميع المبادرات التعليمية، وانبثق عنها إنتاج مناهج ووسائل تربوية متنوعة وتطويرها، منها: سلسلة تعليمية للمرحلة المبكرة، وأخرى للناطقين بغير العربية، إلى جانب مواد إثرائية وسلاسل قصصية داعمة.
وقد أصدرت المؤسسة كتابًا مرجعيًا، بعنوان “المرجع في تعليم العربية: أساليب واتجاهات حديثة”، وقدّمت حقائبَ تدريبية وبرامجَ تأهيل للمعلمين، مع توظيف الألعاب التعليمية والمنصات الرقمية الحديثة، وأسهمت في إحداث نقلة نوعية في تعليم العربية، تجمع بين الأصالة والمنهجية والابتكار.
حوسبة اللغة
للجائزة أربعة فروع تهتم بتعليم العربية وتعلُّمها، وحوسبتها وخدمتها بالتقنيات الحديثة، والأبحاث العلمية فيها ونشر الوعي اللغوي
ذهبت الجائزة في فرع حوسبة اللغة العربية وخدمتها بالتقنيات الحديثة في فئة الأفراد إلى الدكتور أحمد ميلود أحمد خرصي، من الجزائر؛ لتميُّز إسهاماته في خدمة اللغة العربية، من خلال تطوير أكثر من 30 نظامًا حاسوبيًّا عمليًّا ضمن مشروع: “أنظمة بلقيس”، شملت أدواتٍ للتشكيل الآلي، والتحويل النصي إلى الصوتي، والتصحيحين الصوتي والإملائي، واكتشاف الكيانات، وتصحيح التلاوة.
ونُشرت له أكثر من 15 دراسةً في مجلات محكّمة ومؤتمرات دولية، وشارك أيضًا في بناء مدونات لغوية حاسوبية عربية تُعدُّ موردًا تطبيقيًا نادرًا، ومن أبرز مشروعاته: تطوير محرك بحث للمكتبة الشاملة مفتوح المصدر، ومنصة مجلات رقمية متكاملة قائمة على OJS، في إطار جهود تجمع بين العمق البحثي والتطبيق البرمجي لخدمة اللغة العربية.
أما في فئة المؤسسات فقد مُنحت الجائزة لـ”مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية”، من المملكة العربية السعودية، لتميُّز إسهاماتها في خدمة اللغة العربية من خلال إنشاء معهد بحثي مختص بالمعالجة الآلية للغة العربية وريادتها؛ إذ كانت من أوائل المؤسسات التي عملت وطوّرت -على مدى أكثر من ثلاثة عقود- منظومةً متكاملةً من التقنيات اللغوية؛ شملت بناء قاعدة بيانات صوتية ضخمة، وتطوير نظام للتعرّف الآلي على الكلام باللهجات المحلية، وتصميم أدوات متقدمة.
ومن منجزاتها برامج مثل: الخليل الصرفي، وOCR للتعرّف الضوئي على النص العربي، ومحرك البحث الشعري “نبع”، إلى جانب أنظمة “عبّر” للتقويم الآلي، وAVA للمساعدة الافتراضية، وأنظمة الترجمة الآلية، وأسهمت كذلك في تعريب نظم التشغيل المفتوحة المصدر، وبناء المدونة العربية الشاملة التي تغطي أكثر من 1500 عام من الاستخدام العربي، مؤكدة مكانتها بوصفها مؤسسةً بحثيةً رائدةً تجمع بين البحث التطبيقي والتطوير التقني لخدمة اللغة العربية.
الأبحاث والدراسات العلمية
الجائزة أُطلقت لتكون حدثًا سنويًّا بارزًا ضمن مسارات المجمع: التخطيط والسياسات اللغوية، والحوسبة اللغوية، والبرامج التعليمية، والبرامج الثقافية
ثالث فرع للجائزة كان أبحاث اللغة العربية ودراساتها العلمية، ومنحت جائزته لفئة الأفراد بالمناصفة للدكتور رمزي منير بعلبكي، من لبنان؛ لتميُّز إسهاماته في خدمة اللغة العربية؛ عبر مسيرة أكاديمية تجاوزت أربعة عقود، قدّم خلالها إسهاماتٍ نوعيةً جمعت بين العمق التخصصي وسعة الأثر العلمي والثقافي، وأغنى ميدان الدراسات اللسانية والمعجمية والتراث العربي بأبحاث اتّسمت بالدقة والتجديد، وصدر له اثنا عشر كتابًا مؤلَّفًا وثلاثة عشر محرَّرًا ومحقَّقًا، وأكثر من ثمانين بحثًا بالعربية والإنجليزية في مجلات علمية محكَّمة؛ مما رسّخ مكانته في الأوساط الأكاديمية العربية والدولية.
وقد برز دوره المؤسسي في قيادته مشروع “معجم الدوحة التاريخي للغة العربية”، واستكماله العمل في “معجم المورد الأكبر”، وتحقيقه نصوصًا لغويةً تراثيةً مهمّةً، وقد أسهمت دراساته في تأسيس مرجعيات علمية راسخة في البحث اللغوي.
ومُنحت الجائزة أيضًا بالمناصفة للدكتور سعد عبدالعزيز مصلوح، من مصر؛ لتميُّز إسهاماته في خدمة اللغة العربية خلال أكثر من خمسين عامًا، جمع فيها بين التأسيس النظري والتطبيق العملي، وألّف أكثر من 33 كتابًا، وترجم 9 أعمالٍ علمية رصينة، ونشر 29 بحثًا محكّمًا، وتميّز مشروعه العلمي بالتأصيل المنهجي والانفتاح على المناهج اللسانية الحديثة، مع المحافظة على أصالة المفاهيم وتوازن الرؤية.
وقد ترك مصلوح أثرًا علميًّا بارزًا في اللسانيات التطبيقية، وتحليل الخطاب، والأسلوبية الإحصائية، وأسهمت كتبه وترجماته -ومنها: ترجمته الرصينة لكتاب “في نظرية الترجمة: اتجاهات معاصرة”- في تجديد أدوات تحليل النصوص العربية. كما اضطلع بدور فاعل في إعداد الباحثين، وتطوير مناهج تعليم العربية واللسانيات، ورفد البيئة الأكاديمية برؤية نقدية بنّاءة، ليُعدّ من العلماء الذين جمعوا بين الأصالة والجدّة والأثر الممتد.
وفي فئة المؤسسات مُنحت الجائزة لـ”المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج”، من الإمارات العربية المتحدة؛ لتميُّز إسهاماته في خدمة اللغة العربية التي تبنّت مشروعًا متكاملًا لتطوير تعليم اللغة العربية؛ من خلال رؤية إستراتيجية وممارسات علمية ممنهجة، تُرجمت إلى مبادرات نوعية شملت تصميم البرامج التعليمية، وإعداد الأدلة المنهجية، وتطوير محتوى يُراعي البيئات اللغوية المتنوعة، خاصةً في الدول الناطقة بغير العربية.
وأسهم المركز في وضع السياسات التربوية وإستراتيجيات تعليم العربية في دول الخليج، وبناء أدوات تقييم ومؤشرات أداء لتحسين نواتج التعلُّم، مستهدفًا المعلمين والإدارات التعليمية.
كما شكّل نتاجه العلمي من دراسات وتقارير وأدلة تدريبية مرجعًا موثوقًا أسهم في تعزيز حضور اللغة العربية في الخطط التعليمية، وتميز بشراكاته الإقليمية والدولية وبرامجه المهنية المستدامة، وتوظيفه التقنيات الحديثة في التعليم؛ مما يعكس نضجًا مؤسسيًّا واستدامةً في الأداء.
نشر الوعي اللغوي
رابع فروع الجائزة نشر الوعي اللغوي وإبداع المبادرات المجتمعية اللغوية، توج في فئة الأفراد الدكتور مازن عبدالقادر محمد المبارك، من سوريا؛ لتميُّز إسهاماته في خدمة اللغة العربية؛ إذ قدّم مدى عقود طويلة جهدًا متميزًا في خدمة اللغة العربية تحقيقًا وتأليفًا وتأطيرًا فكريًّا، وكان من الرواد المجمعيين الذين أسهموا في الارتقاء بالوعي اللغوي بفضل رؤيته العلمية المتوازنة ومنهجه الذي جمع بين الأصالة والتحقيق والعمل الميداني.
ومن أبرز إنجازاته: مشروعه الرائد في تعزيز الوعي اللغوي، الذي تُوِّج بكتابه الشهير “نحو وعي لغوي” في سبعينيات القرن الماضي؛ إذ أحدث نقلةً نوعيةً في تناول قضايا اللغة وربطها بالهُوية، ودعا إلى تمكين أبناء العربية من إدراك خصائص لغتهم واستثمارها في التعليم وتطوير المناهج والسياسات اللغوية. وامتدّت إسهاماته إلى المؤتمرات والندوات وتحكيم الأعمال العلمية، مؤكدًا حضوره الفاعل في ترسيخ مكانة العربية في التعليم والثقافة والإعلام.
وفي فئة المؤسسات مُنحت الجائزة لـ”الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالمغرب”، من المملكة المغربية؛ لتميُّز إسهاماته في خدمة اللغة العربية؛ من خلال مبادراته التي جمعت بين العمل الميداني التوعوي والانخراط في النقاشات حول السياسات اللغوية، ليكون فاعلًا محوريًّا في قضايا اللغة والهُوية. وركّز منذ تأسيسه على تعزيز الوعي اللغوي في المجتمع المغربي؛ بمحاضرات وندوات وملتقيات فكرية، وشارك في صياغة خطاب مجتمعي عن السياسات التي قد تهدد مكانة العربية.
كما عمل الائتلاف على مدّ جسور التعاون مع صُنّاع القرار والمؤسسات التشريعية والدولية، والإسهام في مشروعات ثقافية وفكرية عالمية، ووجّه اهتمامه إلى تمكين المرأة والشباب؛ لدورهم في تشكيل الوعي اللغوي في الأسرة والمجتمع، محافظًا على التوازن بين العمل الثقافي الميداني والإستراتيجي واستشراف تحديات المستقبل.
وجدير بالذكر أن جائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية تهدف إلى إبراز ريادة المملكة العربية السعودية في مجالات اللغة العربية، وتعزيز حضورها لدى الناطقين بها وبغيرها، وتشجيع التميز والإبداع في مجالاتها المختلفة، ودعم الجهود الرامية إلى تطوير أدواتها ومناهجها، ورفع مستوى الوعي بأهميتها؛ بوصفها مكوِّنًا بارزًا ضمن مكونات الهُوية الثقافية، وموردًا معرفيًّا واقتصاديًّا لمستقبل واعد.
وأُطلقت الجائزة لتكون حدثًا سنويًّا بارزًا ضمن مسارات المجمع: التخطيط والسياسات اللغوية، والحوسبة اللغوية، والبرامج التعليمية، والبرامج الثقافية.
واستطاعت في دوراتها السابقة أن تكرّس قيم التميز والإبداع في العطاء اللغوي، وتُسلط الضوء على النماذج الرائدة من الأفراد والمؤسسات التي تخدم اللغة العربية محليًّا ودوليًّا.