"المذابح" للفنان غسان زرد: رحلة روحية لتأمل العنف وفعل البقاء

أعمال ترسم طوبوغرافيا للوجود تدعونا إلى التعايش مع الانكسار والذاكرة والتحول، مع إمكان تخيل آخر.
الثلاثاء 2025/09/23
مذابح للتسامي البشري

بيروت- في معرضه الفردي الجديد الذي يأتي بعنوان “المذابح” (ALTARS) يعرض الفنان اللبناني غسان زرد مجموعة جديدة من المنحوتات النحاسية واللوحات التي تتأمل في كيفية احتضان الذاكرة للصدمة وكيفية تجسيد فعل البقاء في هيئة فنية.

تتقاطع في هذا المعرض الذي تستضيفه فيلا عوده، بتنسيق وإشراف مارك معركش، أعمال زرد بين النحت والرسم، حيث تتشكل اللقاءات بين المادة والصورة، بين الحضور والغياب، وبين أثر العنف وإمكانات التسامي.

تخرج منحوتاته وكأنها مشدودة من أعماق الأرض، تحمل ملامح بقايا أو آثار، تعلو أسطحها خدوش وندوب كأنها شواهد على ما مرّ بها. أما لوحاته فتتمدّد نحو الداخل، نحو الخفيّ، لتحوّل السماء والبحر إلى فضاءات قلقة، متوترة، محمّلة بالقوة والصراع والخيال.

من هذا الحوار يتبلور المذبح، لا كجسم مقدّس للعبادة، بل كعمارة عابرة، مؤقتة، وبنية للنجاة. ففي عالم زرد يصبح المذبح مكانا تتجمع فيه الشظايا والإيماءات والجروح لتتشكّل كوكبات من مقاومة وتأمل.

داخل قاعات فيلا عوده المكسوّة بالفسيفساء، تتجاوب هذه الأعمال مع ثِقَل النقوش وتعدّد طبقات التاريخ، لتقيم مذابح لا للآلهة بل للصمود، لا للتسامي فحسب بل لفعل الاستمرار الهش.

بالنسبة لزرد، “هذا العمل سعي نحو المطلق، كرحلة روحية تنتهي إلى الصمت. وفي هذا المسار، الذي يبدأ برقة ولطف، تشتدّ القسوة مع تراكم الأزمات وتصاعد العنف. إنه مد وجزر دائم بين السكينة وجنون هذا العالم الذي نحيا فيه”.

يتوزّع المعرض على ثلاثة مذابح، لكل منها حضوره الأنطولوجي الخاص: الأول يرتفع عموديا، ليجسّد العلو كفعل مقاومة وتأمل في آن. الثاني يفتح ممرّا بين قطبين، حيث يتحوّل العبور إلى طقس، وتغدو الأشجار حجّاجا. والثالث يمتد أفقيا ليجسّد النار كقوة مدمّرة وكاشفة في الوقت نفسه.

معا، ترسم هذه الأعمال طوبوغرافيا للوجود، عمودية، انتقالية، وأفقية، تدعونا إلى التعايش مع الانكسار والذاكرة والتحوّل، مع ترك الباب مشرعا أمام إمكان تخيّل آخر.

ويمثّل المعرض محطة أساسية، إذ يقدّم الفنان منحوتة جديدة هبةً للمجموعة الدائمة في حديقة فيلا عوده. بهذا العمل تنضم قطعة جديدة إلى مجموعة بارزة في الموقع، لتغذّي الحوار بين الإبداع المعاصر وتراث المكان. ويجعل هذا التبرع من رؤية الفنان جزءا من ذاكرة حيّة للفيلا، باقية لجمهور اليوم ولأجيال الغد.

يذكر أن معرض “المذابح” بالتعاون مع غاليري تانيت ومؤسسة عوده، يستمر حتى الحادي عشر من أكتوبر المقبل.

وغسان زرد من مواليد عام 1954، ويعيش في بيروت، مفهومه للفن ينطلق من مقاربة الرسم والنحت لما يوقظ في الإنسان براءة لعبة الطفولة. بدأ مسيرته كطبيب أسنان قبل أن يتفرغ للرسم والنحت. منذ سنوات طويلة، يتناول عمله موضوعات العنف والخوف والتجريد، متأثرا بالأدب الياباني وبدراسات التحليل النفسي. عرض أعماله في لبنان وخارجه، منها في غاليري تانيت وفي معارض فنية دولية مرموقة. وتمتد ممارسته متعددة التخصصات لتشمل الشعر والرسم والنحت.