واشنطن تتهم حماس بتهديد مدنيي غزة مع تصاعد أزمة الجثامين ومعبر رفح

حماس تنفي الاتهامات الأميركية مؤكدة أنها تتساوق بشكل كامل مع الدعاية الإسرائيلية المضللة.
الأحد 2025/10/19
خلاف الجثث يهدد الهدنة الهشة

واشنطن - كشفت وزارة الخارجية الأميركية، السبت، عن امتلاكها "تقارير موثوقة" تشير إلى اعتزام حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع إسرائيل، وذلك عبر شن هجوم محتمل يستهدف المدنيين الفلسطينيين داخل قطاع غزة.

وأثارت هذه التقارير، التي لم تقدم واشنطن أي تفاصيل إضافية حول طبيعة الهجوم أو توقيته، حالة من القلق البالغ حول مصير الهدنة الهشة التي رعاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أسابيع لإنهاء حرب استمرت عامين كاملين، تاركة وراءها دمارا واسعا ومعاناة إنسانية غير مسبوقة.

وأوضحت الوزارة في بيان أن "هذا الهجوم المخطط له ضد المدنيين الفلسطينيين سيشكل انتهاكا مباشرا وخطيرا لاتفاق وقف إطلاق النار وسيقوّض التقدم الكبير الذي أحرز من خلال جهود الوساطة".

وأضافت الوزارة "في حال مضت حماس قدما في هذا الهجوم، فسيتم اتخاذ إجراءات لحماية سكان غزة والحفاظ على سلامة وقف إطلاق النار".

وتشير هذه اللهجة التحذيرية الصارمة إلى أن الولايات المتحدة قد تستخدم نفوذها أو حتى تلوح بالتدخل غير المباشر لضمان استمرار الهدوء، وهو ما يبرز حجم التوتر الكامن تحت سطح الاتفاق.

وسارعت حركة حماس إلى الرد على هذه الاتهامات الأميركية بشكل فوري، فقد أعلنت اليوم الأحد، رفضها القاطع لـ "الادعاءات الواردة في بيان وزارة الخارجية الأميركية"، نافية "جملة وتفصيلاً المزاعم الموجهة بحقها حول هجوم وشيك أو انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار".

واعتبرت الحركة، في بيان صحفي أوردته وكالة شهاب للأنباء الفلسطينية، أن "هذه الادعاءات الباطلة تتساوق بشكل كامل مع الدعاية الإسرائيلية المضللة، وتوفر غطاء لاستمرار الاحتلال في جرائمه وعدوانه المنظم ضد شعبنا".

وأكدت حماس أن "الحقائق على الأرض تكشف العكس تماما"، مشيرة إلى أن "سلطات الاحتلال هي التي شكلت وسلحت ومولت عصابات إجرامية نفذت عمليات قتل وخطف، وسرقة شاحنات المساعدات، وسطو ضد المدنيين الفلسطينيين".

وأكدت الحركة أن أجهزتها الشرطية في غزة، وبمساندة أهلية واسعة، تقوم بواجبها الوطني في ملاحقة هذه العصابات ومحاسبتها، داعية الإدارة الأميركية إلى "التوقف عن ترديد رواية الاحتلال المضللة، والانصراف إلى لجم انتهاكاته المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار، وفي مقدمتها دعم هذه العصابات وتوفير الملاذات الآمنة لها".

وجاء هذا التصعيد من واشنطن بعدما تبادلت الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس الاتهامات المباشرة بانتهاك بنود الاتفاق، وتحديدا فيما يتعلق بملفي إعادة جثث الرهائن وفتح معبر رفح، مما يعكس البيئة السياسية شديدة الهشاشة التي يقوم عليها وقف إطلاق النار.

وتتصاعد الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، حيث ربط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل علني إعادة فتح معبر رفح الحدودي، المغلق بشكل شبه تام منذ مايو 2024، بتسليم حماس جثث الرهائن المتوفين.

في المقابل، دانت حماس قرار نتنياهو هذا في بيان السبت، معتبرة أنه "خرق فاضح لبنود اتفاق وقف إطلاق النار وتنكرا للالتزامات التي تعهد بها أمام الوسطاء والجهات الضامنة".

أوضحت الحركة في بيانها أن استمرار إغلاق المعبر ومنع خروج الجرحى والمرضى وحركة المواطنين، فضلاً عن منع دخول المعدات والفرق المختصة بفحص الجثث والتأكد من هويتها، "سيؤدي إلى تأخير عمليات انتشال وتسليم الجثث".

ويظهر هذا الخلاف الصريح حول آليات التنفيذ مدى هشاشة وقف إطلاق النار، وتهديده بعرقلة الاتفاق إلى جانب قضايا رئيسية أخرى مدرجة ضمن خطة ترامب لإنهاء الحرب.

وتشكل عملية تبادل الجثث إحدى النقاط الشائكة التي تزيد التوتر، فقد أعلنت إسرائيل تسلمها جثتي اثنين من الرهائن من الصليب الأحمر في غزة، ليرتفع العدد الإجمالي الذي تسلمته إلى 12 جثة من أصل 28 جثة متوقعة بموجب الاتفاق.

لكن تل أبيب تتهم حماس بالتباطؤ في تسليم باقي جثث الرهائن، فيما ترد الحركة بالقول إن العثور على بعض الجثث وسط الدمار الواسع الذي لحق بالقطاع يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين.

وتلزم بنود الاتفاق إسرائيل بإعادة 360 جثة لمقاتلين فلسطينيين مقابل رفات الرهائن الإسرائيليين، وقد سلمت إسرائيل حتى الآن 15 من جثث المقاتلين مقابل كل جثة رهينة تسلمتها، مما يوضح التعقيد اللوجستي والسياسي لهذه العملية.

وتتعمق الأزمة الإنسانية في القطاع بفعل هذه الخلافات، حيث نص اتفاق وقف إطلاق النار بشكل صريح على ضرورة زيادة المساعدات إلى القطاع.

ويأتي هذا في وقت كشف فيه مرصد عالمي لمراقبة الجوع، في أغسطس الماضي، عن معاناة مئات الآلاف من سكان القطاع من المجاعة.

وبعدما قطعت إسرائيل الإمدادات لمدة 11 أسبوعا في مارس، بدأت في زيادة المساعدات المقدمة إلى غزة في يوليو واستمرت في زيادتها منذ وقف إطلاق النار. مع ذلك، ذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن الكمية التي دخلت القطاع يومياً منذ وقف إطلاق النار لم تتجاوز 560 طناً من الغذاء في المتوسط، وهو معدل لا يزال أقل بكثير من حجم الاحتياجات الفعلية للسكان المنكوبين.

وذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أنه منذ وقف إطلاق النار، دخل قطاع غزة يوميا نحو 560 طنا من الغذاء في المتوسط، وهو معدل أقل بكثير من حجم الاحتياجات.

وعزز من حدة الموقف تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي أدلى بها سابقاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث حذر من أنه "إذا استمرت حماس في قتل الناس في غزة، وهو ما لم يكن الاتفاق، فلن يكون أمامنا خيار سوى الذهاب إلى هناك وقتلهم".

وعلى الرغم من أن ترامب عاد وأوضح أنه لن يرسل قوات أميركية، وأن المهمة ستقوم بها "أشخاص قريبون جدا" تحت الرعاية الأميركية، إلا أن خطابه العدائي يمثل تحولا جذريا في موقفه.

كان ترامب قد أعرب في بداية الأمر عن عدم اكتراثه لعمليات القتل المنسوبة لحماس، معتبراً أنهم أخرجوا "بعض العصابات التي كانت سيئة للغاية".

ويظهر هذا التباين في الخطاب عدم استقرار واضح في الرؤية الأميركية لمرحلة ما بعد الحرب، وتذبذباً في التعامل مع وضع حماس، التي تشكل العقدة الأساسية في ملف مستقبل غزة.

وتتصل هذه التحذيرات الأميركية الصارمة بملف أوسع وأكثر تعقيداً يتعلق بإدارة قطاع غزة ما بعد الصراع. تأتي هذه التطورات في وقت سبق أن أعطت فيه واشنطن ضوءا أخضر غير مباشر لحماس لتحمل مسؤولية ضبط الأمن داخل القطاع مؤقتا، وذلك ريثما يتم تشكيل "قوة استقرار" دولية متفق عليها، كما نصت عليه خطة ترامب المؤلفة من 20 نقطة.

ويشير هذا الضوء الأخضر الضمني إلى إدراك أميركي بأن حماس هي القوة الوحيدة القادرة على فرض النظام في الوقت الحالي، حتى لو كانت واشنطن تعمل على تقويض سلطتها لاحقاً عبر خطة طويلة الأجل.

ويشكّل هذا التناقض بين السماح لـ "حماس" بالإدارة الأمنية مؤقتاً، وبين التهديد بـ "هجوم وشيك" قد تشنه ضد المدنيين، محوراً للغموض الذي يلف الاستراتيجية الأميركية في التعامل مع الحركة. تبقى الخلافات حول القضايا الرئيسية المدرجة في خطة إنهاء الحرب، مثل نزع سلاح حماس، وكيفية إدارة القطاع، والخطوات اللازمة لإقامة دولة فلسطينية، قائمة دون حل، مما يهدد بإبقاء الاتفاق في حالة هشاشة دائمة.

تبرز هذه التطورات أن وقف إطلاق النار لم ينجح حتى الآن في الانتقال بالصراع من مرحلة العمل العسكري إلى مرحلة الحل السياسي والإنساني المستدام، وأن المنطقة تترقب أي شرارة قد تعيد الجميع إلى نقطة الصفر.