واشنطن تتحول إلى رقيب جوي مستقل لإنقاذ الهدنة في غزة

طائرات استطلاع أميركية مسيرة، تحلق بموافقة تل أبيب، لنقل صورة مستقلة عما يجري في غزة إلى القيادة المركزية، بعيدا عن الرواية الإسرائيلية.
السبت 2025/10/25
رقابة مباشرة على سير الهدنة

واشنطن - بدأ الجيش الأميركي بتشغيل طائرات استطلاع بدون طيار فوق قطاع غزة في الأيام الأخيرة، في تحول لافت يعكس رغبة واشنطن المتزايدة في ضمان استدامة اتفاق وقف إطلاق النار "الهش" الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل وحماس.

وتمثل هذه الخطوة جهدا أميركيا أوسع لفرض رقابة مباشرة على الأرض، بعيدا عن الرواية الإسرائيلية التقليدية التي كانت تعتمد عليها واشنطن عادة.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" هذا التطور الجديد نقلا عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين ومسؤول دفاعي أميركي، تحدثوا جميعا شريطة عدم الكشف عن هويتهم نظرا لحساسية التفاصيل العملياتية.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين ومسؤول دفاعي أميركي، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، قولهم إن الطائرات بدون طيار تستخدم لمراقبة النشاط البري في غزة، بموافقة إسرائيل، لكنهم رفضوا الدخول في تفاصيل تشغيلية، موضحين أنهم غير قادرين على مشاركة مسارات تحليق الطائرات المسيرة، مما يشير إلى طبيعة المهمة الحساسة والمقيدة.

وأضاف المسؤولون الثلاثة أن مهام المراقبة تعمل تحديدا لدعم "مركز تنسيق مدني-عسكري" جديد تم تأسيسه في جنوب إسرائيل الأسبوع الماضي بواسطة القيادة المركزية للجيش الأميركي (سنتكوم)، لمراقبة وقف إطلاق النار وتسهيل العمليات المدنية.

ويعكس تأسيس هذا المركز ونشر الطائرات المسيرة إدراكا أميركيا بأن اتفاق الهدنة، الذي توسط فيه وسطاء أميركيون وقطريون ومصريون في وقت سابق من هذا الشهر، ما زال يتعرض لتوترات كبيرة، خاصة بعد تفجر العنف مؤخرا والتوترات المستمرة بشأن تبادل القتلى الإسرائيليين والفلسطينيين.

وطوال الحرب التي استمرت عامين، استخدم الجيش الإسرائيلي، المدعوم من الولايات المتحدة، الطائرات المسيرة على نطاق واسع لجمع المعلومات الاستخبارية وشن حملته ضد حماس.

ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أن الجيش الأميركي كان قد استخدم طائرات مسيرة فوق غزة سابقا، لكن مهامه اقتصرت على المساعدة في تحديد مواقع الرهائن.

أما الجهود الاستطلاعية الحالية فتظهر رغبة واشنطن في تكوين صورة مستقلة عما يجري داخل القطاع، بعيدا عن الرواية الإسرائيلية، وهو ما يشكل دلالة على تزايد الحذر وعدم الثقة الكاملة في التزام جميع الأطراف.

وتعكس هذه الخطوة إدراكا أميركيا بأن الوضع "هش للغاية"، وهو ما أكده الكابتن تيموثي هوكينز، المتحدث باسم القيادة المركزية في البنتاغون، في مقابلة مع قناة "أي24 نيوز" التلفزيونية الإسرائيلية الخميس.

وأكد هوكينز أن مركز التنسيق المدني العسكري "يتضمن طابق عمليات يسمح لنا بمراقبة ما يحدث على الأرض في غزة في الوقت الحقيقي"، مشددا على أنهم "يعملون بجهد كبير" للحفاظ على وقف إطلاق النار.

واستخدم الجيش الإسرائيلي، المدعوم من الولايات المتحدة، الطائرات المسيرة على نطاق واسع طوال الحرب التي استمرت عامين لجمع المعلومات الاستخبارية وشن حملته ضد حماس.

وتأتي مشاركة واشنطن الآن بمهام المراقبة لتطرح تساؤلات حول مستوى الثقة المتبادلة، على الرغم من العلاقات الأمنية الوثيقة التي تربط إسرائيل والولايات المتحدة، حيث تُزوّد واشنطن إسرائيل بالأسلحة والتمويل ويتبادل البلدان المعلومات الاستخباراتية. بل سبق لهما التعاون في غارات جوية استهدفت مواقع نووية إيرانية في وقت سابق من هذا العام.

وأعرب دبلوماسي أميركي سابق ومسؤول دفاعي، وكذلك بعض المسؤولين الإسرائيليين، عن دهشتهم من مهام المراقبة الأميركية الأخيرة في غزة، نظرا للعلاقات العسكرية الوثيقة بين البلدين.

ونقلت الصحيفة عن دانيال ب. شابيرو، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، قوله إن "هذه نسخة مُتَدَخِّلة للغاية من المراقبة الأميركية على جبهة ترى فيها إسرائيل تهديدا نشطا".

أضاف شابيرو موضحا الخلفية وراء هذا التدخل، حيث قال "لو كانت هناك شفافية تامة وثقة تامة بين إسرائيل والولايات المتحدة، لما كانت هناك حاجة لهذا. لكن من الواضح أن الولايات المتحدة تريد استبعاد أي احتمال لسوء الفهم".

ويبرز هذا التحليل الدافع الحقيقي وراء المراقبة الأميركية المستقلة: تجنب سوء التقدير الذي قد يقوض خطة السلام الهشة.

وزار الدولة العبرية عدد من كبار المسؤولين الأميركيين، في مساعٍ مكثفة لدعم اتفاق وقف إطلاق النار، منذ زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإسرائيل الأسبوع الماضي، بمن فيهم نائب الرئيس جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو.

وكشفت تصريحات مسؤولين في إدارة ترامب، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، عن قلق عميق داخل الإدارة من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يلغي الاتفاق، ما يعزز الحاجة الأميركية للمراقبة المباشرة.

ورغم هذا القلق، قام روبيو الجمعة بجولة في مركز التنسيق المدني العسكري الجديد، الذي يضم حوالي 200 عسكري أميركي.

وأكد الجيش الأميركي أن المركز سيراقب تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، و"سيساعد في تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية واللوجستية والأمنية من الجهات الدولية" إلى القطاع.

ورغم كل التحديات، قال روبيو متفائلا "ستكون هناك تقلبات وتقلبات، لكنني أعتقد أن لدينا أسبابًا كثيرة للتفاؤل الإيجابي بشأن التقدم المحرز".

ويأتي هذا التفاؤل الحذر في ظل استخدام الولايات المتحدة سابقا لطائرات بدون طيار من طراز "أم كي ريبار" (MQ-9 Reaper) في المراحل الأولى من الحرب، وتبادل المعلومات مع إسرائيل لتحديد أماكن احتجاز الرهائن المحتملين، مما يؤكد أن واشنطن تملك الأدوات اللازمة لتكوين رؤية مستقلة عن تطورات غزة.