هل يخرج التوتر بين ترامب ونتنياهو إلى العلن
القدس - يشكل الجدل المتصاعد في إسرائيل بشأن طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة مصدر إحراج كبير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في ظل اتهامات تواجهه في الداخل بالتفريط في سيادة إسرائيل وتحويلها إلى مجرد خاضع للإدارة الأميركية.
ولطالما تباهى الإسرائيليون بالعلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة، لكن المواقف الأخيرة للإدارة الأميركية أعطت انطباعا للرأي العام الإسرائيلي بوجود خلل في طبيعة العلاقة مع واشنطن.
وبدأ الجدل يبرز مع إلزام الولايات المتحدة لحكومة نتنياهو بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في التاسع من أكتوبر الجاري، وقال الرئيس الأميركي في وقت سابق “لو لم أوقف نتنياهو، لاستمر في الحرب لسنوات.”
واتخذ الجدل بشأن السيادة منحى تصاعديا في إسرائيل بعد قرار الكنيست الأربعاء التصويت على مشروع قانون أولي بخصوص ضم الضفة الغربية، وقد سارع نتنياهو إلى التبرؤ منه، بعد رد الفعل الأميركي الغاضب حيث لوح الرئيس ترامب بإنهاء الدعم لإسرائيل في حال مضت في المشروع.
فيما ذهب نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إلى حد التقليل من أهمية تصويت الكنيست قائلا “إذا أراد الناس إجراء تصويت رمزي، فبإمكانهم ذلك،” وهي رسالة واضحة تشير إلى أن أي تصويت لن يكون ذا معنى في البرلمان الإسرائيلي إذا لم توافق عليه واشنطن.
الجدل اتخذ منحى تصاعديا بعد قرار الكنيست التصويت على مشروع قانون بخصوص ضم الضفة الغربية
وهاجمت وسائل إعلام عبرية بشدة موقف القيادة الإسرائيلية تجاه ما اعتبروه “وصاية” أميركية، وقالت الكاتبة الإسرائيلية كارولينا لاندسمان في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” إن “الولايات المتحدة تمارس اليوم سيادة فعلية داخل إسرائيل، في وقت تكتفي فيه حكومة بنيامين نتنياهو بسيادة رمزية وخطابية على الأراضي الفلسطينية.”
وتحدثت لاندسمان في مقالها عن مفارقة في كون “الكنيست يصوّت بفخر على قوانين تطبيق السيادة على الضفة الغربية، في حين تتنازل الحكومة طوعا عن سيادتها داخل الخط الأخضر لصالح الولايات المتحدة، التي أقامت مقرا عسكريا في كريات غات، في مشهد يختزل تحوّل إسرائيل من دولة مستقلة إلى سلطة إسرائيلية خاضعة لوصاية أميركية.”
وأشارت الكاتبة الإسرائيلية إلى تصريحات فانس بشأن تصويت الكنيست على ضم الضفة، ورأت فيها “اختصارا للموقف الأميركي من إسرائيل اليوم، حيث ينظر البيت الأبيض إلى الحكومة الإسرائيلية كما يُنظر إلى طفل صغير يلعب بالتشريعات مع أصدقائه الخياليين من أقصى اليمين.”
وقالت إن فانس عبّر عن سياسة “الأبوة” الأميركية تجاه إسرائيل، في إشارة إلى حضور المستشارين والضباط الأميركيين في اجتماعات الحكومة ومتابعتهم اليومية لتفاصيل القرارات الميدانية والسياسية.
وفي محاولة للتخفيف من حدة السجال الدائر بشأن طبيعة العلاقة مع واشنطن، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي في مستهل اجتماع حكومي الأحد إن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة تقوم على شراكة إستراتيجية قوية وصلت إلى ذروتها مؤخرا.
وأشار إلى ما وصفه بـ”الادعاءات السخيفة” بشأن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، معقبا على الشائعات المتضاربة حول تأثير ذلك على السياسة الأميركية أو تأثير الإدارة الأميركية على إسرائيل.
وأضاف “هذا ليس صحيحا، إسرائيل دولة مستقلة، والولايات المتحدة دولة مستقلة، العلاقات بيننا هي علاقات شركاء، وهذه الشراكة، التي وصلت إلى ذروتها على الإطلاق، ظهرت في التعاون العملياتي في الجزء الثاني من عملية ضرب إيران.”
وتطرق نتنياهو إلى النجاحات الأخيرة التي تحققت بالتعاون مع الولايات المتحدة، قائلا “تجلت الشراكة مؤخرا في تحرير جميع الرهائن الأحياء من غزة، وفي الجهد لإعادة جميع القتلى، وأيضا في مجالات أخرى، نحن نغير معا وجه الشرق الأوسط.”
ترامب، الذي يحظى بشعبية كبيرة في إسرائيل، مارس ضغوطا خفية على نتنياهو لإنهاء القتال خشية انفلات الموقف
وأكد نتنياهو أن إسرائيل لن تطلب إذنا من أحد لتنفيذ سياساتها الأمنية، مشيرا إلى ردود الفعل العسكرية على الهجمات الأخيرة.
وأردف “لسنا مستعدين لتحمل أي هجمات ضدنا، ونرد وفق تقديرنا على الهجمات كما رأينا في لبنان ومؤخرا في غزة، لقد ألقينا 150 طنا على حماس وعلى عناصر الإرهاب بعد الهجوم على جنودنا، ونحبط الأخطار قبل أن تخرج إلى حيز التنفيذ كما فعلنا البارحة في قطاع غزة.”
واختتم نتنياهو حديثه بالقول “إسرائيل دولة مستقلة. سنحمي أنفسنا بقدراتنا وسنستمر في التحكم بمصيرنا، وهذا بطبيعة الحال مقبول أيضا لدى الولايات المتحدة، كما عبر كبار ممثليها في الأيام الأخيرة.”
الغمز لناحية طبيعة العلاقة القائمة بين إسرائيل والولايات المتحدة كان مادة دسمة أيضا في الصحافة الغربية، حيث وصفت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية اتفاق وقف إطلاق النار بأنه “إجبار أميركي” لنتنياهو على إخماد صوت الأسلحة في غزة، مشيرة إلى أن ترامب استخدم مزيجا من الترهيب والتحذيرات القوية خلال مكالمة هاتفية مع نتنياهو في الرابع من أكتوبر الجاري.
ونقلت الصحيفة عن ترامب قوله لنتنياهو “لا يمكنك محاربة العالم، يمكنك خوض معارك فردية لكن العالم ضدك،” واعتبرت أن هذه المكالمة كانت حاسمة في إنهاء العمليات العسكرية.
وأوضحت الصحيفة أن ترامب، الذي يحظى بشعبية كبيرة في إسرائيل، مارس ضغوطا خفية على نتنياهو لإنهاء القتال خشية انفلات الموقف، مؤكدة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يجد بدا من القبول بوقف إطلاق النار حفاظا على دعم واشنطن.
ويرى متابعون أن المفاوضات حول المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي لتثبيت وقف القتال، ستكون اختبارا فعليا لطبيعة العلاقات الثنائية بين واشنطن وتل أبيب، في ظل حديث عن خلافات بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو بشأن بعض التفاصيل التي من بينها القوة الأمنية الدولية، والدول التي ستشارك فيها، حيث هناك تحفظات إسرائيلية على بعض الدول ومن بينها تركيا.
وقال نتنياهو الأحد إن “إسرائيل ستحدد القوات غير المقبولة بالنسبة إلينا، وهذه هي الطريقة التي نتصرف بها وسنستمر في التصرف بها.”
وأضاف “هذا، بالطبع، مقبول من الولايات المتحدة، وفقا لما عبّر عنه كبار ممثليها في الأيام القليلة الماضية.”
وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو قال الجمعة إن الدول التي ستشارك في القوة يجب أن تكون محل ارتياح إسرائيل، وبدا التصريح محاولة لطمأنة تل أبيب بعد اللقاءات التي عقدها مسؤولون أميركيون مع نظراء من تركيا بشأن المشاركة في القوة الدولية.