هل تفشل السلطة الفلسطينية مرة أخرى في تنزيل الخطة الأممية لحل الدولتين

الرهان على سلطة من دون إصلاحات هيكلية دوران في حلقة مفرغة.
الاثنين 2025/09/29
مركز الخطة ومصدر القلق

خطة الأمم المتحدة لحل الدولتين تثير المخاوف من تكرار إخفاقات سابقة، إذ إن الاعتماد على السلطة الفلسطينية دون إصلاحات هيكلية قد يحول المبادرة الدولية إلى تجربة نظرية غير قابلة للتطبيق على الأرض، رغم الدعم الدولي الواسع لها.

رام الله - أعادت خطة حل الدولتين المدعومة من الأمم المتحدة النقاش حول دور السلطة الفلسطينية في تحقيق السلام مع إسرائيل إلى الواجهة، لكنها في الوقت ذاته تثير مخاوف من تكرار فشل الخطط السابقة إذا لم تصاحبها إصلاحات هيكلية جذرية داخل السلطة.

وبالرغم من وضع خطوات ملموسة ومحددة زمنياً، وتحديد دور السلطة الفلسطينية في إدارة غزة بعد وقف إطلاق النار، إلا أن الاعتماد على مؤسسات غير فعالة وضعيفة الأداء يهدد بتحويل المبادرة إلى تجربة جديدة تصطدم بالواقع السياسي والإداري الفلسطيني.

وجاءت هذه الخطة، المكونة من سبع صفحات، نتيجة مؤتمر دولي عقد في يوليو الماضي برعاية السعودية وفرنسا، وسط غياب الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يعكس انقسام الموقف الدولي بشأن أفضل السبل لتحقيق السلام.

وحظيت الخطة بتأييد واسع من الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث صوت 142 دولة لصالحها مقابل معارضة 10 دول وامتناع 12 دولة عن التصويت، لكن هذا الدعم السياسي لم يرافق أي ضمانات عملية للتأكد من قدرة السلطة الفلسطينية على تنفيذ الخطوات المطلوبة بكفاءة.

وتشير الخطة إلى أن السلطة الفلسطينية ستكون المحور الأساسي لإدارة المرحلة الانتقالية في غزة، بما يشمل إنشاء لجنة إدارية تحت مظلتها فور وقف إطلاق النار، ونقل مسؤوليات الأمن الداخلي والخدمات الأساسية إليها. كما توصي الخطة بنشر بعثة دولية مؤقتة لدعم السلطة وتوفير الحماية للمدنيين، وتعزيز القدرات المؤسسية والأمنية، ومراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، تمهيدا لأي اتفاق سلام مستقبلي.

غير أن الواقع يشير إلى أن مؤسسات السلطة الفلسطينية تعاني من ضعف هيكلي مزمن، وافتقار للشفافية والمساءلة، وهو ما دفع العديد من الخبراء إلى التشكيك في قدرتها على إدارة المرحلة الانتقالية بنجاح. ويشير الباحث في الشؤون الفلسطينية، د. مازن الغزال، إلى أن “أي خطة تعتمد فقط على السلطة الفلسطينية دون إصلاحات حقيقية ستكرر أخطاء الماضي، حيث كانت الخطط السابقة تنهار بسبب البيروقراطية والفساد وضعف القدرة المؤسسية”.

◙ مؤسسات السلطة الفلسطينية تعاني من ضعف هيكلي مزمن ما يدفع للتشكيك في قدرتها على إدارة المرحلة الانتقالية بنجاح.

وتتضمن الخطة الدعوة إلى استمرار تنفيذ برنامج الإصلاح المؤسسي، مع دعم دولي من الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، يشمل الحكم الرشيد، والشفافية، والاستدامة المالية، ومكافحة التحريض، وتحسين الخدمات ومناخ الأعمال. لكن الخطر الأكبر يكمن في أن هذه الدعوات لم تُترجم عملياً في سياسات واضحة وملزمة، ولم تواكبها آليات لمحاسبة المسؤولين عن التقصير، ما يضعف فرص تنفيذ الخطة على أرض الواقع.

وتشدد الخطة على أهمية إجراء انتخابات عامة ورئاسية ديمقراطية وشفافة في الأراضي الفلسطينية ، بما فيها القدس الشرقية، تحت إشراف دولي، لتعزيز الشرعية الداخلية وتوليد جيل جديد من الممثلين المنتخبين. غير أن الانتخابات وحدها لا تكفي إذا لم تصاحبها إصلاحات هيكلية شاملة للسلطة، بما يضمن فاعلية مؤسساتها وقدرتها على إدارة الموارد والأمن وتقديم الخدمات، وإلا فإن الشرعية الجديدة لن تتمكن من مواجهة التحديات الميدانية والسياسية.

وتعتمد الخطة على حشد الدعم المالي والسياسي للسلطة الفلسطينية، ودعوة الدول لزيادة التعهدات المالية، وعقد اجتماع دولي للمانحين لدعم الإصلاح المؤسسي.

ورغم أن الدعم المالي ضروري، إلا أن الخبراء يحذرون من أن الأموال وحدها لا تكفي إذا بقيت السلطة الفلسطينية دون إصلاح هيكلي، مؤكداً أن تكرار تقديم الدعم لمؤسسة غير فعالة سيكرر الفشل الذي صاحب خططاً سابقة، مثل المبادرات التي رعتها الأمم المتحدة في السنوات الماضية لإعادة بناء غزة بعد الحروب، والتي لم تحقق الاستقرار المطلوب.

وتواجه السلطة الفلسطينية تحديات أمنية متزايدة، مع وجود جماعات مسلحة محلية وتهديدات مستمرة في غزة والضفة الغربية، إضافة إلى الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية. كما أن غياب مشاركة إسرائيل والولايات المتحدة في صياغة الخطة يعقد فرص التعاون المباشر، ويضعف قدرة السلطة على فرض سيطرتها، ما يهدد نجاح أي خطة تعتمد عليها وحدها.

ويشير مراقبون أن خطة الأمم المتحدة تضع السلطة الفلسطينية في قلب العملية، لكنها تعكس في الوقت نفسه نقطة ضعف رئيسية: الاعتماد على مؤسسة غير قادرة على الإصلاح الذاتي دون دعم حقيقي لإعادة هيكلة مؤسساتها وإعادة بناء قدرتها الإدارية والأمنية.

ويحذر هؤلاء المراقبون من أن أي فشل في إجراء إصلاحات هيكلية شاملة سيعيد تكرار أخطاء الخطط السابقة، ويجعل المبادرة الدولية الجديدة مجرد محاولة نظرية لن تترجم إلى واقع ملموس على الأرض، ما يضع مستقبل حل الدولتين على المحك ويزيد احتمالات استمرار النزاع الفلسطيني الإسرائيلي لعقود مقبلة.