نادية الخطيب تعيد تشكيل "كيان" المرأة بأسلوب تعبيري
عمّان - تقوم فكرة معرض "كيان" للفنانة الأردنية نادية الخطيب على استنباط الشكل واللون من العالم الجوّاني للأنثى، وذلك عبر التركيز على المرأة كبطل رئيسي، مقابل شخصية الرجل الذي يظهر كرمزية لشاهدٍ أو ذكرى أو حلقة في علاقة عاطفية.
وتتحول الأفكار في لوحات المعرض المقام على غاليري إطلالة اللويبدة إلى مشاهد بصرية نابضة بالمشاعر من حزن وفرح، وشوق وغضب، وهدوء وانفعال، بأسلوب تعبيري يميل نحو الأمل والتفاؤل.
ونادية الخطيب فنانة تشكيلية أردنية تعبر عن قضايا المرأة بسلاسة وحسّ تعبيري تجريدي، حيث تستخدم ألواناً هادئة وخطوطاً رمزية لتعكس أدوار المرأة القوية في المجتمع، مثل الأمومة والتحدي والصبر، وتعتبر أعمالها مسرحا لتفريغ أحاسيسها الشخصية وتعزيز الوعي الاجتماعي.
وتقول الخطيب “أعبّر من خلال الفن عمّا يخالجني من مشاعر وأحاسيس وأفكار تؤثر على المجتمع،” وتضيف “لكلّ رسام طقوسه الخاصة؛ فبالنسبة إلي يُعد الرسم هروبًا من الواقع إلى الخيال، لذلك أقف وحيدة أمام اللوحة، وأُبرز كل المشاعر التي لا أستطيع التعبير عنها لأطلق العنان لمخيلتي لترجمة كل ذلك في اللوحة.”
وتعمد الخطيب في أعمالها إلى إبراز التدفق العاطفي؛ حيث تظهر اللوحة كما لو أنها أُنتجت بشكل عفوي يعبّر عن وهج لحظة الولادة والمشاعر التي تحركت مع أول ضربة فرشاة، إلى جانب ذلك ثمة حوار طويل مع الذات؛ إذ تتطور اللوحة عبر مراحل متدرجة تمنح العمل طابعًا إنسانيًا عميقًا.
ورغم اعتمادها على عناصر بسيطة تتأرجح بين التمثيل والتجريد، فإن أعمال الخطيب تتميز بثراء دلالي عميق وغير معقّد، وهنا تبرز موضوعات اللوحات لتؤكد على موضوعات الحب والهوية والحرية، والتناقضات الداخلية للوجود الإنساني.
وتركز الفنانة في عدد من اللوحات على ترك مساحات غير مشغولة تتجلى كصمت بصري يوازي الكلام في الحوار، ما يمنح اللوحة بعدًا تفاعليًا تاركًا للمتلقي مساحة حرة للتأويل، مع الاعتماد على ضربات فرشاة سريعة وطبقات لونية متراكبة، وأخرى تكشف عن بناءٍ متأنٍّ، كما لو كانت الفنانة تكتب باللون نصًا بصريا مؤلمًا.
وتبدو الألوان في اللوحات معادلًا بصريًا لأحاسيس الفنانة، فهناك لوحات جاءت وفق طيف لوني محدد من الأزرق الهادئ، والوردي المفعم بالأمل، والأحمر الذي يعبّر عن الغضب، والرمادي المحايد والمصمت، ولا تستخدم التشكيلية اللون في نقائه بل تعمد إلى التخفيف منه أو تقويته أو مزجه بالأبيض لتظهر المساحات وكأنها تنهار وتتراجع، بينما استخدمت الألوان الترابية من البني والرملي؛ ما منح الأعمال إحساسًا بالدفء والاتصال بالأنوثة الأولى/ جسد الأرض/ الجذور البعيدة.
كما تتجه الخطيب إلى الاشتغال على مفردتي الظل والضوء من خلال التركيز على التباين بين الألوان الحادة والهادئة، مع خطوط ناعمة تصنع تأثيرًا بصريا مريحًا. ولعل الملفت في المعرض هو القدرة على التوازن الدقيق بين الأسلوب المنفلت من القيود والتقنية الصارمة، وبين اللون المدروس بدقة، كما لو أنها لا ترسم لتُظهر الأشكال بقدر ما ترسم لتفهم ما يتعمق داخل هذه الأشكال.
ناديا عضو في رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، ونشطت من أجل إقامة أول معرض شخصي لها بعنوان “المرأة” في مايو، ركّزت فيه على تمكين المرأة ونقل رسائل قوامها الكفاح والتضامن. تعلّمت الرسم منذ الصغر، ونظّمت ورش عمل لتعليم التشكيليين والمصابين بالسكري من الأطفال، ما يعكس التزامها الاجتماعي والتنموي. هدفها واضح في نقل قضية المرأة الأردنية والعربية عبر اللون والخط والرمز، واللوحات المفتوحة للنقاش كدعوة إلى التغيير والانخراط الاجتماعي.
وسبق أن أوضحت الفنانة أنها تجسد في لوحاتها المرأة القوية والصامدة، لذلك تقوم برسم اللوحات التي تعبر عن ذاتها كامرأة وتحاكي الواقع المعيشي، وقيمة العائلة والأصدقاء.
وهي تؤكد بكل معرض تنظمه ضرورة تكثيف العمل لتوعية النساء بحقوقهن في المجتمع، موضحة في كل مرة أنها تمارس الفن التعبيري التجريدي كي تحاول عبره ترجمة كل ما يجول في خاطرها وخيالها إلى أشكال وألوان مختلفة، وهو ما يوفر للمشاهد رؤية العمل من عدة زوايا، ويمكن لكل شخص أن يستخلص المشاهد حسب حالته النفسية.