مواجهة السلطة مع حزب الشعب الجمهوري تشيع أجواء سياسية متوترة في تركيا
إصرار السلطة التركية بأي ثمن على إضعاف حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي للرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه وصولا إلى التدخل في اختيار قيادته، لم يترك للحزب القوي جماهيريا سوى هامش ضئيل للتحرك السياسي والقانوني بما من شأنه أن يجعل من الشارع خياره الأخير.
إسطنبول- أشاعت المواجهة التي فتحتها السلطة التركية مع المعارضة الرئيسية ممثلة بحزب الشعب الجمهوري أجواء سياسية متوترة في تركيا لا يستبعد متابعون للشأن التركي أن تنتقل أصداؤها إلى الشارع المنقسم بحدّة بين أنصار حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان ومعارضيه الذين يجدون في ترهل تجربته في الحكم وعثراته الاقتصادية وتراجع الحريات في عهده وسيلة للتحشيد الشعبي ضدّه، أملا في استعادة زخم احتجاجات ميدان تقسيم التي شهدتها البلاد قبل اثنتي عشرة سنة وكانت أكبر حركة احتجاجية شعبية ضد أردوغان وحزبه.
ويعتبر هؤلاء أن إمعان السلطات في التضييق على الحزب المعارض ذي التوجّه الديمقراطي الاجتماعي في أوج صعوده السياسي وسعيها إلى تحييد قيادته الوازنة جماهيريا والتدخل في اختيار قيادة طيّعة له لتسهيل تمرير تعديلات دستورية تسمح لأردوغان بالحصول على ولاية رئاسية جديدة، لا يتيحها له الدستور بصيغته الحالية، لم يتركا لحزب الشعب الجمهوري من خيار سوى اللجوء إلى الشارع مجدّدا.
وشهدت مدينة إسطنبول الاثنين مواجهة بين نواب وعناصر شرطة خارج المقر الإقليمي للحزب الذي من المقرر أن تُسلم قيادته إلى مسؤول تعينه الدولة.
جول تشيفتجي: لن يحدد مستقبل حزبنا وقيادته سوى مؤتمره الاستثنائي
وطوال ليل الأحد إلى الإثنين قام المئات من نواب حزب الشعب الجمهوري ومناصريه بإغلاق المنطقة المحيطة بالمبنى وداخله، معارضين سيطرة السلطات عليه.
وفي الأسبوع الماضي قضت المحكمة بعزل القيادة الإقليمية للحزب في إسطنبول للاشتباه في ارتكابها مخالفات خلال مؤتمر الحزب عام 2023. ويتوقع اتخاذ قرار مماثل الاثنين المقبل ضد القيادة الوطنية للحزب في أنقرة.
وفي هذا السياق حظرت محافظة إسطنبول التظاهرات في عدة أحياء من المدينة حتى مساء الأربعاء بما في ذلك منطقة ساريير حيث المقر الإقليمي لحزب الشعب الجمهوري.
كما فرضت قيودا على الوصول إلى بعض مواقع التواصل الاجتماعي والمراسلة مثل إكس وإنستغرام وواتساب في المدينة منذ مساء الأحد، وفقا لهيئة مراقبة الوصول إلى الإنترنت نتبلوكس.
وقررت السلطات تعيين غورسيل تكين نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري بين عامي 2010 و2014، رئيسا للفرع الإقليمي للحزب.
وقال تكين إنه سيتوجه إلى مقر حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول لكنه أعلن لوسيلة إعلام محلية أنه سيرفض الدخول تحت حراسة أمنية.
وأقدمت السلطات التركية في مارس الماضي على إقالة رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو وهو منافس رئيسي لأردوغان، قبل أن تعتقله بتهم تتعلق بالفساد.
وينفي الحزب جميع الاتهامات الموجهة إلى زعامته ويقول إن الإجراءات القانونية هي محاولات ذات دوافع سياسية لإضعاف المعارضة والقضاء على أي تهديد انتخابي لأردوغان.
وفي محاولة للالتفاف على تضييقات السلطة أعلن حزب المعارضة الرئيسي في تركيا أنه سيعقد مؤتمرا استثنائيا في الحادي والعشرين من سبتمبر الجاري بعد أن عزل القضاء قيادته في إسطنبول بتهمة الفساد.
وقال مصدر في الحزب إن أكثر من تسعمئة مندوب من حزب الشعب الجمهوري قدموا التماسا إلى مجلس الانتخابات المحلي في العاصمة أنقرة للسماح بعقد المؤتمر.
ويتوقع أن تصاغ خلال المؤتمر إستراتيجية الحزب في ظل مواجهته حالة من عدم اليقين جراء ما يمكن أن يصدر من قرارات قضائية أخرى.
ووصف أوزيل قرار عقد المؤتمر بأنه إجراء فني وقانوني بالكامل في حال أصدر القضاء حكما مماثلا بعزل القيادة الوطنية للحزب خلال جلسة مقررة لمنتصف الشهر الجاري.
بيرك إيسن: تكليف زعيم ضعيف ومهزوم سيثير انقساما داخل الحزب
وحقق حزب الشعب الجمهوري، أكبر قوة معارضة في البرلمان التركي، فوزا كبيرا على حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب إردوغان في الانتخابات المحلية لعام 2024.
وتعرضت قيادة الحزب منذ ذلك الحين لموجة من التوقيفات والقضايا القانونية التي بلغت ذروتها في مارس بسجن رئيس بلدية إسطنبول البارز أكرم إمام أوغلو بتهم فساد.
وأثار توقيف وسجن إمام أوغلو الذي ينظر إليه على أنه منافس جدي لأردوغان، احتجاجات شعبية غير مسبوقة منذ عقد في تركيا. وشنّت السلطات حملة قمع للتظاهرات وأوقفت نحو ألفي شخص، من بينهم طلاب وصحافيون، أفرجت عن معظمهم في وقت لاحق.
وبين أوزيل أنه إذا أصدرت محكمة أنقرة حكما يؤثر على قيادة الحزب وعينت وصيا ليحل محله “فإن هذا الوصي، كما يجب أن أقول بكل احترام، لن يستمر أكثر من ستة أيام.” وأضاف أن الحزب “سيعيد بشكل طبيعي ولا مفر منه، تنصيب زعيمه المنتخب” في المؤتمر. بينما قالت نائبة زعيم حزب الشعب الجمهوري المسؤولة عن الانتخابات والشؤون القانونية جول تشيفتجي في منشور على منصة إكس، إن المؤتمر الاستثنائي “لن يحدد مستقبل حزبنا فحسب، بل سيؤكد أيضا الإيمان بالتعددية والتنوع والسياسات الديمقراطية في تركيا.”
وأشادت بقرار عقد المؤتمر باعتباره “أقوى دليل على أن حزب الشعب الجمهوري يقف شامخا ضد كل محاولات التدخل من جانب الحكومة.”
وقال مصدر في الحزب لوكالة فرانس برس إنه لتعزيز فرص قبول طلب عقد مؤتمر استثنائي لم يتم جمع التواقيع من مئة وستة وتسعين مندوبا في إسطنبول تم تعليق عضويتهم بأمر من المحكمة.
وتم تداول اسم الرئيس السابق للحزب كمال كليجدار أوغلو كمرشح لقيادة الحزب مجدّدا رغم جماهيريته المتدنية التي تجسّدت في خسارته الانتخابات الرئاسية لعام 2023 أمام الرئيس أردوغان.
وعلّق بيرك إيسن أستاذ العلوم السياسية في جامعة سابانجي في إسطنبول على هذا الترشيح الذي روجت له جهات مقرّبة من السلطة بأنّه “محاولة لإعادة تشكيل حزب الشعب الجمهوري وإنشاء معارضة تُسيطر عليها حكومة مستبدة على نحو متزايد.” وأضاف “سيثير هذا انقساما داخل الحزب، بتكليف زعيم ضعيف ومهزوم ولم يعد الناخبون يرغبون فيه.” ومن جهته عبّر أوغلو عن استعداده لتسلم قيادة حزب الشعب الجمهوري بقرار من المحكمة، معتبرا أنّه “من غير الممكن عدم الاعتراف بالسلطة،” ومتسائلا “هل سيكون من الأفضل تعيين مشرف إداري لقيادة الحزب،” وأكد موقفه المعارض للاحتجاجات التي نظّمها حزب الشعب الجمهوري بعد توقيف رئيس بلدية إسطنبول.
وردّ رئيس البلدية المسجون على ذلك بالقول “أشعر بخيانة بالغة. لا يُمكنني التسامح مع هذه التصريحات في حين يقبع عدد كبير من الأشخاص في السجن.”
واعتبر إيسن أن “كليجدار أوغلو سياسي سيترك ذكرى سيئة للغاية،” مشيرا إلى أنّ “البعض يتهمه بالعمل لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم. وأنا أرى أن لا حدود لطموحه. إنه يتعاون مع سلطة استبدادية لاستعادة الزعامة.”