مناورات مصرية تركية تنقل العلاقات من التصعيد إلى الاستقرار

مناورات عسكرية تبعث برسائل سلبية إلى أثينا ونيقوسيا من القاهرة تجاه حلفائها السابقين في ملف شرق المتوسط.
الأربعاء 2025/09/24
أكثر من مجرد تمرين عسكري

القاهرة - وصلت وحدات من القوات البحرية المصرية إلى تركيا للمشاركة في مناورات بحرية مشتركة مع الجانب التركي تحت اسم “بحر الصداقة – 2025″، وذلك لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عشر عاما، في خطوة تعكس تحولا مهما في مسار العلاقات بين القاهرة وأنقرة، خصوصا في منطقة شرق المتوسط التي شكلت في السنوات الأخيرة ساحة لتقاطع المصالح وتباين المواقف.

ويمثل هذا التطور تتويجا لمسار من التهدئة وإعادة البناء التدريجي للعلاقات، بعد سنوات من التوتر السياسي والدبلوماسي الذي طبع العلاقة بين البلدين منذ عام 2013، في أعقاب الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين، وما تبعها من توترات متصاعدة وصلت إلى حدود القطيعة شبه الكاملة.

وعكست فترة التوتر تلك تباينا كبيرا في السياسات الإقليمية، لاسيما في ملفات حساسة كالوضع في ليبيا، وترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، ودور كل من البلدين في الترتيبات الأمنية والسياسية الإقليمية، حيث دعمت مصر التحالف اليوناني-القبرصي في مواجهة الاتفاق البحري التركي – الليبي الذي تم إبرامه في 2019 بالتزامن مع حرب طرابلس.

إجراء تدريب مشترك في شرق المتوسط، يحمل رمزية عالية، بالنظر إلى أن المنطقة كانت في صلب الخلافات الإستراتيجية بين البلدين

وشهدت السنوات الأخيرة إعادة تقييم للعلاقات من كلا الجانبين، مدفوعة بضرورات براغماتية تتعلق بالاقتصاد والطاقة والأمن الإقليمي.

وجاءت لقاءات تمهيدية على مستوى الأجهزة الدبلوماسية، ثم زيارات رفيعة المستوى، لتضع الأساس لتحول تدريجي في نمط العلاقة.

ويقول مراقبون إن المناورات البحرية بين الجانبين تعد مؤشرا بالغ الدلالة على هذا التحول، فهي لا تتم عادة إلا بين أطراف لديها حد أدنى من الثقة والرغبة في تنسيق استراتيجياتها في مواجهة التهديدات المشتركة.

ويرى هؤلاء المراقبون  أن إجراء تدريب مشترك بين البحرية المصرية والتركية في شرق المتوسط، تحديدا، يحمل رمزية عالية، بالنظر إلى أن هذه المنطقة كانت في صلب الخلافات الإستراتيجية بين البلدين ولذلك فإن هذه الخطوة يمكن فهمها على أنها رسالة مزدوجة، فمن جهة، تعكس رغبة الطرفين في تجاوز مرحلة التصعيد، ومن جهة أخرى، تشير إلى إدراك متبادل لأهمية التعاون في بيئة إقليمية تتسم بالتقلبات والتهديدات المتزايدة، سواء في ما يتعلق بأمن الممرات البحرية، أو ملف الهجرة غير الشرعية، أو مواجهة التنظيمات المسلحة العابرة للحدود.

وتبعث المناورات برسائل سلبية إلى أثينا ونيقوسيا من القاهرة تجاه حلفائها السابقين في ملف شرق المتوسط، خاصة أن مصر كانت قد وقفت إلى جانب اليونان وقبرص في اتفاقيات الترسيم البحري والتعاون في مجال الطاقة.

ورغم أن القاهرة لم تغير مواقفها المعلنة، إلا أن التعاون العسكري مع أنقرة قد يفهم إقليميا كتحول في الاصطفافات، أو على الأقل كإعادة تموضع يعكس رغبة مصر في تنويع خياراتها وعدم رهن أمنها القومي بتحالفات لا تستفيد منها.

وتتحرك أثينا لمحاولة احتواء التوازنات الجديدة، إذ كثفت اتصالاتها مع حكومة طرابلس بهدف التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين اليونان وليبيا، في خطوة تعكس رغبة يونانية في كسر الاحتكار التركي للعلاقة مع الغرب الليبي، وإعادة التموضع في معادلة شرق المتوسط.

أثينا تكثف من اتصالاتها مع حكومة طرابلس بهدف التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين اليونان وليبيا، في خطوة تعكس رغبة يونانية في كسر الاحتكار التركي

وبالإضافة إلى ذلك، قد تثير المناورات البحرية المصرية التركية قلقا في إيطاليا التي تنظر بعين الريبة لأي تقارب بين أنقرة والقاهرة في شرق المتوسط، خاصة في ظل التنافس مع تركيا على النفوذ في ليبيا. ورغم الشراكة مع مصر، قد ترى روما في هذا التطور إرباكًا لمعادلاتها الإقليمية.

وبحسب المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية العميد غريب عبدالحافظ غريب فقد وصلت عناصر من القوات البحرية المصرية إلى تركيا للمشاركة في التدريب البحري المشترك المصري – التركي ” بحر الصداقة – 2025 ” والذي ينفذ على مدار عدة أيام خلال شهر سبتمبر الجاري، بمشاركة وحدات من القوات البحرية المصرية والتركية.

ويشمل التدريب تنفيذ العديد من المحاضرات والأنشطة البحرية لصقل مهارات العناصر المشاركة ورفع كفاءتها وتوحيد المفاهيم العملياتية مما يزيد من قدراتها القتالية على تنفيذ المهام بكفاءة واقتدار.

يأتي تدريب ” بحر الصداقة – 2025 ” في إطار خطة التدريبات المشتركة التي تجريها القوات المسلحة بالتعاون مع نظيراتها من الدول الشقيقة والصديقة في مختلف التخصصات، والتي تساهم في تعزيز أوجه التعاون العسكري ونقل وتبادل الخبرات وفقاً لأحدث التكتيكات وأساليب القتال الحديثة.